لا ديون بغرب ليبيا.. وإنفاق حفتر العسكري سيخلق عجزا

السبت 1 يونيو 2019 03:06 م

"لا ديون خارجية في غرب ليبيا.. ولكن إنفاق بلا تنمية.. وصرف في الشرق على جهود عسكرية تعزز الانقسام وتخلق عجزا".. هكذا يمكن تلخيص حال الدولة العربية الغنية بالنفط خلال السنوات السبع الماضية.

واحتفظ النظام المصرفي في ليبيا بقوته رغم هشاشة الدولة وانقسامها بعد ثورة فبراير/شباط 2011، ويعود ذلك لنظام الرئيس الراحل "معمر القذافي" المالي، الذي أنشأه أثناء حكمه الطويل وقبل مقتله، وفيه يتم استلام جميع عائدات صادرات النفط الليبي بالدولار الأمريكي وتحويلها مباشرة لحسابات خاصة بالمؤسسات المالية الواقعة في طرابلس وما حولها من مدن الغرب الليبي، والتي يتحكم فيها البنك المركزي بالعاصمة بشكل مباشر.

وقال تقرير لديوان المحاسبة الليبي إن إجمالي ما أنفقته البلاد في الفترة بين عام 2012 وحتى العام الماضي، بلغ حوالي 223 مليار دولار أمريكي، دون أن يكون لتلك الميزانيات أثر ملموس على الأرض من ناحية مشاريع البنية التحتية أو ارتفاع مستوى المعيشة.

كما كشفت بيانات رسمية تقدير المؤسسة الوطنية للنفط في العاصمة طرابلس خسائرها جراء إغلاق الحقول والموانئ النفطية منذ أواخر 2013 وحتى مايو/أيار 2017، بحوالي 130 مليار دولار، وذلك بعدما أوقف حرس المنشآت النفطية تصدير النفط من الموانئ الواقعة في منطقة الهلال النفطي شرق ليبيا، بدعوى بيع النفط خارج العدادات.

وأدى أيضا، إغلاق حقلي الشرارة والفيل (جنوب غربي ليبيا)، ومصفاة الحريقة النفطية (شرقي البلاد)، بسبب الإضرابات الفئوية والاحتجاجات للمطالبة بمرتبات ومزايا، إلى خسائر مباشرة تقدر بما يزيد على 20 مليار دولار، بما في ذلك الخسائر غير المباشرة من إعادة صيانة الحقول والآبار.

وتعتمد ليبيا على إيرادات النفط في تمويل أكثر من 95% من الخزانة العامة للدولة، فيما يتم تخصيص أكثر من نصف الميزانية لرواتب موظفي القطاع العام والدعم الحكومي لعدد من المنتجات.

وفي ظل تفاقم الاضطرابات السياسية والأمنية، انخفضت احتياطيات النقد الأجنبي لليبيا إلى نحو 67.5 مليار دولار بنهاية العام الماضي، مقارنة بـ123.5 مليار دولار في 2012، وفقا لبيانات البنك الدولي.

لا ديون

وحول هذه الأرقام، يقول مدير مكتب محافظ البنك المركزي في طرابلس "عبداللطيف التونسي" إن ليبيا ليس عليها أي ديون خارجية سواء لمؤسسات مالية دولية، أو دول خارجية، مؤكدا في الوقت ذاته أن "بعض الدول خاصة في إفريقيا مدينة لليبيا".

وأضاف "التونسي"، في تصريح صحفي، أن إجمالي عجز الموازنة المحلي الناجم عن زيادة نفقات الدولة بالنسبة لما تحصل عليه من إيرادات بيع النفط والإيرادات السيادية الأخرى مثل تحصيل الضرائب والجمارك، يبلغ 44.3 مليار مليار دولار.

وشرح المسؤول الليبي أن حكومة الوفاق الوطني (المعترف بها دوليا) سددت 3.6 مليارات دولار، كانت تحصلت عليها بوصفها قرضا حسنا العام الماضي، لسد عجز الميزانية، مع عقد اتفاق لجدولة الدين المستحق على الحكومة للبنك المركزي، وفقا لخطة الإصلاح الاقتصادية التي جرى إقرارها العام الماضي.

انقسام

وتابع "التونسي" أن الانقسام السياسي والمؤسسي ألقى بظلاله على الاقتصاد الليبي؛ حيث أنفقت الحكومة الموازية في شرق ليبيا وهي الحكومة غير المعترف بها دوليا، وخارج الترتيبات المالية المعتمدة طوال السنوات الماضية، 26 مليار دولار.

وأكد أن حكومة شرق ليبيا الموازية برئاسة "عبدالله الثني"، تخطط هذا العام لإنفاق 7.3 مليارات دولار.

وأفاد المسؤول الليبي بأن حكومة شرق ليبيا الموازية، طبعت في روسيا 9.6 مليارات دينار (7.3 مليارات دولار)؛ وهو ما أدى إلى زيادة حجم عرض النقود في الاقتصاد الوطني والتضخم، إضافة إلى نقصان جودة العملة المطبوعة في روسيا بنسبة 40% عن تلك التي يطبعها البنك المركزي بطرابلس في بريطانيا.

إنفاق عسكري

في فبراير/شباط من العام الجاري، أكد محافظ البنك المركزي الموازي في شرق ليبيا "علي الحبري"، في مقابلة مع قناة "ليبيا الأحرار" (محلية)، أن مجموع ما صرفه البنك لقوات اللواء المتقاعد قائد الجيش في الشرق "خليفة حفتر" في الأعوام الماضية؛ بلغ نحو 7 مليارات دولار.

وأضاف أن قوات "حفتر" صرفت 43% من ميزانية 2016، و27% من ميزانية 2017، ونحو 20% من ميزانية العام الماضي.

ولفت إلى أن ثلث ميزانية الإنفاق التي اعتمدها البنك المركزي في السنوات الثلاث الماضية، التي بلغت نحو 21 مليار دولار، جرى تسييلها لمصلحة قوات "حفتر".

يشار إلى أنه في مارس/آذار الماضي، كشف مصرفيون ودبلوماسيون، إن الحكومة الموازية في شرق ليبيا، باعت سندات بأكثر من 23 مليار دولار لتمويل فاتورة الأجور، متجاوزة البنك المركزي في طرابلس وهو ما سيترتب عليه عجز مالي محتمل في حال إعادة توحيد البلاد.

يأتي دين الشرق، إضافة إلى ديون متراكمة بنحو 65 مليار دينار (46.4 مليار دولار) راكمتها سلطات طرابلس منذ 2014، مع لجوئها إلى البنك المركزي هناك لتمويل التكلفة المرتفعة للرعاية الاجتماعية والخدمات العامة.

لم يكن دافع "حفتر" الوحيد للاستيلاء على العاصمة، ضمن عمليته التي أطلقها في أبريل/نيسان الماضي، هو السيطرة على المؤسسة النفطية، وإن شكلت أموال النفط وسيلة عظمى لتعويض نقص التمويل المالي الذي منعته عنه الإمارات -أهم حلفائه الدوليين- بحجة أنه "قد يسيء استخدامها".

وإنما حسب مراقبين، تمثل في دافع آخر بضرورة سيطرة "حفتر" على مركز آخر من مراكز القوى في ليبيا، وهو البنك المركزي؛ حيث تذهب كافة عائدات النفط بشكل منتظم إلى فرعه الرئيس في العاصمة، بما يخول للحكومة التحكم في الميزانية الليبية.

إصلاحات

وفي نهاية ديسمبر/كانون الأول العام الماضي، أعلن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني اعتماد برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي تضمن فرض رسوم على مبيعات النقد الأجنبي، ومراجعة سياسة دعم محروقات والإجراءات المصاحبة لها، وبيع ألف دولار لكل مواطن ليبي متحصل على رقم وطني بسعر 1.4 دينار.

ونص القرار على تخصيص نسبة من الرسم المفروض على مبيعات النقد الأجنبي لإطفاء الدَّين العام (السداد التدريجي لأصل الدين وفوائده) لدى بنك ليبيا المركزي، وصيانة المرافق ودعم الخدمات العامة مثل التعليم والصحة والمواصلات، وفق قرارات تصدر من المجلس الرئاسي تحدد أوجه التصرف في الرسم المفروض.

كما فرض المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني في سبتمبر/أيلول الماضي، ضريبة نسبتها 183% على المعاملات التجارية والخاصة بالعملة الصعبة، ليصل السعر الرسمي لمثل هذه المعاملات إلى 3.9 دنانير للدولار، بينما يبلغ السعر الرسمي الذي تستخدمه مؤسسات الدولة نحو 1.37 دينار.

الفساد

فيما يرى الأكاديمي الليبي "صقر الجيباني" أن بقاء ليبيا ضمن الدول العشر الأكثر فسادا، حسب تقارير منظمة الشفافية الدولية من 2013 إلى 2017، وما أدى إليه ذلك من تفشي الفساد وتأثيره في العجز المالي، يرجع إلى الانقسام السياسي والمؤسسي واقتصاد الحرب الذي تعيشه البلاد؛ حيث توفر هذه البيئة الملوثة الضمان لإفلات الفاسدين من المحاسبة.

وعدّد "الجيباني" أسباب عجز الموازنة، ومنها تضخم الإنفاق العام بالميزانية العامة، بين عامي 2012 و2015، خاصة في الباب الأول (الأجور والرواتب وما في حكمها) والباب الرابع (الدعم السلعي)، بالرغم من تراجع الإيرادات العامة بشقيها النفطية وغير النفطية في الفترة نفسها، وهذا ما أحدث عجزا كبيرا ومتتاليا بالميزانية العامة.

وأكد أنه بالرجوع إلى تقارير ديوان المحاسبة في طرابلس، والموازي له في شرق ليبيا، يتضح الهدر في إنفاق المال العام وصرف عشرات المليارات على قطاعات الصحة والتعليم وحماية البيئة ودعم الوقود، دون أي تحسن في مستوى هذه الخدمات، في إشارة واضحة إلى تفشي الفساد والتهامه للمال العام.

وتحاول الأمم المتحدة التغلب على الانقسامات في ليبيا، لكن المعسكرين المتنافسين يتمترسان مع قيام حكومة الشرق بإنشاء وزارات وشركة نفطية خاصة بها، قبل أن يشن "حفتر" في أبريل/نيسان الماضي، هجوما على طرابلس للسيطرة عليها، دون أن يحقق أي تقدم حتى الآن.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

محكمة فرنسية تأمر بسداد ديون القذافي من أصول شركة النفط الليبية