أزمة كوشنر في البحرين.. لماذا يقاطع الفلسطينيون؟

الاثنين 3 يونيو 2019 04:06 ص

بعد شهور عديدة من التأخير والتشويش، أعلن "جاريد كوشنر"، صهر الرئيس "دونالد ترامب" وكبير مستشاريه السياسيين للشرق الأوسط، في 19 مايو/أيار 2019، عقد ورشة عمل اقتصادية في المنامة، عاصمة البحرين، دون الكثير من الضجة الإعلامية. وسوف تضيف مملكة البحرين الاجتماع، الذي يُطلق عليه اسم "السلام من أجل الازدهار"، يومي 25 و26 يونيو/حزيران 2019. والغرض من ذلك هو مناقشة إطار عمل من أجل "مستقبل مزدهر" للشعب الفلسطيني، "ولحشد الاستثمارات الدولية للضفة الغربية التي تحتلها (إسرائيل)، وقطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس الإسلامية"، وفقا لـ"رويترز".

الهدف المعلن

ووفقا لبيان مشترك أصدرته حكومتا البحرين والولايات المتحدة الأمريكية، سوف تسهل ورشة عمل "السلام من أجل الازدهار" المناقشات حول "رؤية وإطار طموح وقابل للتحقيق لمستقبل مزدهر للشعب الفلسطيني والمنطقة"، بما في ذلك تحسينات على الإدارة الاقتصادية، وتنمية رأس المال البشري، وتسهيل النمو السريع للقطاع الخاص". ووفقا للبيان، "إذا تم تنفيذها، فإن هذه الرؤية لديها القدرة على تغيير الحياة جذريا، ووضع المنطقة على الطريق نحو مستقبل أكثر إشراقا".

ولخص كبير مستشاري الرئيس الأمريكي "جاريد كوشنر"، الهدف من ورشة العمل المقترحة بأنها تمثل "طريقا مثيرا وواقعيا وقابلا للتطبيق". وأوضح البيت الأبيض أن هذا الاجتماع سيكون المرحلة الأولى من فترة عمل طويلة لـ "مبادرة السلام في الشرق الأوسط" التي يشار إليها في كثير من الأحيان باسم "صفقة القرن". وسوف تتعامل المرحلة الأولى، وفقا لمسؤولي الإدارة، فقط مع التفاصيل الاقتصادية للخطة. وقالوا إن المشاركين لن يناقشوا العناصر السياسية أو الأمنية للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني. وسيتم تأجيل مثل هذه الموضوعات، التي يشار إليها تقليديا باسم "قضايا الوضع النهائي"، إلى المستقبل. ونقلت شبكة "سي إن إن" الإخبارية عن "كوشنر" أن أجندة المنامة ستركز على 4 بنود رئيسية، وهي البنية التحتية، والصناعة، وتمكين الأفراد والاستثمار فيهم، وإصلاحات الحوكمة، "لجعل المنطقة قابلة للاستثمار قدر الإمكان".

قائمة المشاركين

وحدد "البيان المشترك"، الذي أعلن عن حدث المنامة، المشاركين المحتملين، وقال إنهم يشملون "الحكومة والمجتمع المدني وقادة الأعمال" من المنطقة، بالإضافة إلى أوروبا وآسيا. وأكد وزير الخزانة "ستيفن منوشين" أن "هذه الورشة سوف تشرك قادة من مختلف أنحاء الشرق الأوسط". وكانت الإدارة الأمريكية تأمل في حضور وزراء مالية ومديرين تنفيذيين دوليين.

وبالإضافة إلى استضافة البحرين لهذا الحدث، ستشارك جميع الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي على الأرجح. ورحبت الإمارات بحماس بهذا الإعلان، وأعلنت أنها ستنضم إلى المملكة العربية السعودية في ورشة المنامة. ومن ناحية أخرى، أعلنت قطر بدعوة الولايات المتحدة لها لعقد مؤتمر استثماري للتعامل مع التحديات الاقتصادية الإقليمية، لكنها أصرت على أن "التصدي الفعال لهذه التحديات يتطلب صدق النية، وتضافر الجهود من الأطراف الإقليمية والدولية، وتوفير الظروف السياسية المناسبة لتحقيق الرخاء الاقتصادي".

وعلى الرغم من أن الدول العربية الأخرى قد أبدت ردة فعل ودودة ودافئة لدعوة الولايات المتحدة، إلا أن معظمها سيكون مترددا في الحضور مع المخاوف الرسمية والرأي العام السلبي المصاحب للحدث. ورغم كونها المستفيد المباشر من الاستثمارات المقترحة، ورغم تحالفها القوي مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ستجد مصر على وجه الخصوص صعوبة بالغة في مقاومة المشاركة، على الرغم من أنها لم تعلن موقفها رسميا. ومع ذلك، يواجه الأردن صعوبة في قبول الدعوة الأمريكية بسبب المخاوف الجدية من جانب الحكومة والجمهور حول تأثير هذه الورشة على الاقتصاد الأردني والأمن القومي. وقد دفع هذا "كوشنر" و"غرينبلات" إلى إضافة محطة توقف في عمّان إلى خط سيرهما الأسبوع الماضي في المنطقة لتسويق الخطة.

كما يتم استهداف قادة الأعمال وممثلي المجتمع المدني من قبل إدارة "ترامب". وباستثناء قادة الأعمال الفلسطينيين والأردنيين الذين أعربوا بالفعل عن رفضهم المشاركة، من المتوقع أن يحضر بعض ممثلي قطاع الشركات العربية الذين يميلون إلى اتباع حكوماتهم في هذه الأمور. وناشد عملاق العقارات الإماراتي "محمد خلف الحبتور"، المرتبط ارتباطا وثيقا بـ "ترامب"، في مقال نشرته صحيفة "هاآرتس"، زملاءه العرب، بمن فيهم رئيس السلطة الفلسطينية "محمود عباس"، لحضور ورشة العمل "من أجل فلسطين".

الرد الفلسطيني

وكان الرد الفلسطيني على الدعوة الأمريكية متوقعا ومفهوما. وينظر الفلسطينيون من مختلف الخلفيات الاقتصادية والسياسية بشكل عام إلى اللقاء المقترح كجزء من محاولة أمريكية أوسع لإضفاء الطابع المؤسسي على الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وإلغاء الحقوق السياسية الفلسطينية. وأعلن الناطق الرسمي الفلسطيني "نبيل أبو ردينة" على الفور بأن "أي خطة بدون أفق سياسي لن تؤدي إلى السلام". ووصفت المشرعة الفلسطينية، وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، "حنان عشراوي"، فعالية المنامة بأنها "مجرد ورشة عمل اقتصادية... وطريقة أخرى لمكافأة (إسرائيل) والحفاظ على سيطرة (إسرائيل) على أرضنا ومواردنا".

ورفض قادة فلسطينيون آخرون بشكل لا لبس فيه الورشة المقترحة، وحثوا جميع الفلسطينيين، في القطاع الخاص والعام، على عدم المشاركة فيها. وفي 22 مايو/أيار، أصدر كبير المفاوضين في منظمة التحرير الفلسطينية، "صائب عريقات"، بيانا رسميا نيابة عن منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية وجميع الفصائل السياسية والقطاع الخاص والمجتمع المدني عموما، وأكد أن "الإمكانيات الاقتصادية الكاملة لفلسطين لا يمكن أن تتحقق إلا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، واحترام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة".

ولم يتم التشاور مع الفلسطينيين -وفقا لرئيس الوزراء "محمد اشتية"- حول ورشة المنامة، "لا حول المحتوى ولا النتيجة ولا التوقيت". وأضاف أنهم شعروا بأنهم مستبعدون عمدا من العملية التي كانوا على يقين من أنها تهدف إلى تجاهل " القضايا الأساسية للنزاع، بما في ذلك الحدود النهائية، ووضع القدس، ومصير اللاجئين الفلسطينيين". وأصر "اشتية" على أن "أي حل للنزاع في فلسطين يجب أن يكون سياسيا... وقائما على إنهاء الاحتلال". وأضاف رئيس مجلس الوزراء: "حقوقنا الوطنية غير قابلة للتفاوض".

وفي مقال صاغه بعناية، تم نشره في صحيفة "هآرتس"، وصف "نبيل شعث"، أحد كبار مسؤولي فتح ومستشار العلاقات الدولية للرئيس "محمود عباس"، اجتماع المنامة بأنه "مرحلة واحدة في جهد أكبر لتقويض الحقوق الفلسطينية وتطبيع الانتهاكات الإسرائيلية، مع تشجيع التطبيع العربي الإسرائيلي". وكرر أن الفلسطينيين "لن يقبلوا أبدا الرشاوى الاقتصادية بديلا عن الحرية"، متهما واشنطن بالسعي "لتقويض كل من القانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف". ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن الصين وروسيا لن تشاركا في المنامة. وفي 31 مايو/أيار، أعلنت الأمم المتحدة أيضا أنها لن تكون حاضرة في الاجتماع.

ولم يقتصر الانتقاد العلني ومقاطعة مؤتمر المنامة على المسؤولين الفلسطينيين. حيث أعرب العديد من الفلسطينيين من القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية عن معارضتهم حضور المؤتمر. وأصدر رجل الأعمال والمطور العقاري "بشار المصري" بيانا أكد فيه دعوته إلى المنامة، لكنه رفض الدعوة. وصرح "المصري" قائلا: "لن نعمل مع أي تجمع خارج الإجماع الوطني الفلسطيني". وأكد قادة أعمال آخرون بارزون، بمن فيهم "زاهي خوري"، صاحب امتياز كوكاكولا في فلسطين المحتلة، و"إبراهيم برهم"، الرئيس التنفيذي لشركة "صفد للهندسة الإلكترونية"، تلقي الدعوى ورفضها. واتهم "خوري" إدارة "ترامب" بمحاولة "رشوة وشراء" الفلسطينيين.

بالإضافة إلى ذلك، انضم اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة الفلسطينية والجمعيات التجارية ومنظمات الأعمال الأخرى في القطاع الخاص، التي تمثل نحو 80% من الناتج المحلي الإجمالي لفلسطين، التي من المتوقع أن تكون شريكا رئيسيا في تحقيق الرخاء الإقليمي، في إصدار بيان مفصل يرفض مؤتمر المنامة بوساطة الولايات المتحدة. وأكد البيان المشترك على استعداد الموقعين عليه للمشاركة في تعزيز التنمية الاقتصادية لفلسطين "في الوقت المناسب والسياق المناسب". ومع ذلك، أكدت المجموعة أنها "لن تكون طرفا في رؤية اقتصادية أمريكية تهدف إلى إبقاء الفلسطينيين رهن الاحتلال إلى أجل غير مسمى، وتحرمهم من الحقوق الأساسية والكرامة الإنسانية".

آفاق النجاح

وتوجد 3 تطورات أساسية في المنطقة تقوض فرص نجاح ورشة "السلام من أجل الازدهار" المقترحة في الفترة من 25 إلى 26 يونيو/حزيران في المنامة.

أولا وقبل كل شيء، يتسبب الرفض الواسع من الممثلين الرئيسيين للقطاعين العام والخاص في فلسطين للمشاركة في المؤتمر في تحويله إلى شيء مثل حفل زفاف بدون عروس أو رفقة، وبالتالي يحد من فرصه في تحقيق أي نجاح ذي معنى. وكان من الممكن تجنب ذلك من خلال التواصل المباشر من قبل الإدارة الأمريكية مع الجانب الفلسطيني، الطرف الأكثر أهمية في هذا الصراع، لإقناع الزعماء السياسيين والجمهور على حد سواء بأن هذا الجهد يهدف بالفعل إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، والتعهد بالحق الأساسي للشعب الفلسطيني في تقرير المصير، والشراكة مع الفلسطينيين لبناء دولة حيوية ومستقلة وديمقراطية ومزدهرة.

ثانيا، تترك التطورات السياسية الأخيرة في (إسرائيل)، وخاصة فشل الأحزاب السياسية الإسرائيلية في تشكيل حكومة ائتلافية فعالة، إدارة "ترامب" دون شريك إسرائيلي للسلام، إذا كانت واشنطن تتجه بالفعل في هذا الاتجاه. ولن يساعد القرار الأخير بحل الكنيست وإعادة الانتخابات البرلمانية في 17 سبتمبر/أيلول 2019، هذه المعضلة تلقائيا، في ضوء الاحتمال المستمر لاتهام رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" بالرشوة والاحتيال وانتهاك ثقة الجمهور. وبحلول شهر سبتمبر/أيلول، قد يصبح "نتنياهو" رئيس الوزراء الأطول حكما في تاريخ (إسرائيل)، لكنه قد يصبح أيضا أول رئيس وزراء إسرائيلي يتم اتهامه أثناء توليه منصبه.

ثالثا، ومن حيث الجوهر، لم تقنع ورشة المنامة كاجتماع يركز بالكامل على التنمية الاقتصادية المشاركين المحتملين -بمن فيهم المانحين- بأنها مرتبطة عضويا بمرحلة سياسية ثانية تهدف إلى خلق السياق السياسي والأمني ​​اللازم كأساس للرخاء الاقتصادي. وإذا كانت ورشة العمل ستمضي كما هو مخطط لها في يونيو/حزيران، وفق نفس القواعد الساذجة والغامضة التي تم الإعلان عنها حتى الآن، فمن المشكوك فيه أن يشارك في المؤتمر أصحاب مصلحة جادين يلتزمون بكميات كبيرة من الاستثمارات المطلوبة لتغيير الجمود السياسي القائم.

المصدر | خليل جهشان - المركز العربي واشنطن دي سي

  كلمات مفتاحية