استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

وثيقة مكة… ضجيج بلا طحن

الأحد 9 يونيو 2019 10:06 ص

  • وثيقة مكة ما هي إلا إعلان براءة ساحة الحكومات من أي توجهات عدائية ناحية الغرب وأمريكا والكيان الصهيوني.
  • ما الجديد في رفض الشعارات العنصرية والتنديد بالكراهية؟ وما الذي سوف يترتب على الدعوة إلى نبذ العنصرية والعداوة؟
  • وكيف يمكن ترجمة دعوة الوثيقة إلى احترام الآخر والتعاون الإنساني وانتهاج الحوار مع الآخر؟
  • وهذا الحلف العالمي الذي تنادي به الوثيقة للتعاون الإنساني ووقف الدمار، ما هي آليته؟ وهل يكون على غرار هيئة الأمم؟ وهل سيقوده المسلمون أم الغرب؟

"وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ مَوَالِي بَعْضٍ دُونَ النَّاسِ وَإِنَّهُ مَنْ تَبِعَنَا مَنْ يَهُودَ فَإِنَّ لَهُ النَّصْرَ وَالْأُسْوَةَ غَيْرَ مَظْلُومِينَ وَلَا مُتَنَاصَرٍ عَلَيْهِمْ)". "وَإِنَّ الْيَهُودَ يتفقون مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مَا دَامُوا مُحَارِبِينَ، وَإِنَّ يَهُودَ بَنِي عَوْفٍ أُمَّةٌ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، لِلْيَهُودِ دِينُهُمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ دِينُهُمْ مَوَالِيهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ". "وَإِنَّ بَيْنَهُمُ النَّصْرَ عَلَى مَنْ دَهَمَ يَثْرِبَ وَإِذَا دَعَوْا إِلَى صُلْحٍ يُصَالِحُونَهُ وَيَلْبَسُونَهُ فَإِنَّهُمْ يُصَالِحُونَهُ".

تلك مقتطفات من أول وثيقة من نوعها في التاريخ تُرسي قواعد الاجتماع السياسي المبني على حرية الاعتقاد والتعددية، وتُنظم العلاقات بين الأطياف المختلفة داخل المجتمع المسلم، إنها الوثيقة التي وضعها النبي محمد صلى الله عليه وسلم في يثرب، والتي عُرفت تاريخا باسم صحيفة المدينة.

وبعد ما يزيد عن 14 قرنًا من الزمان، وفي شهر رمضان الفضيل، برزت "وثيقة مكة المكرمة" لإرساء قيم التعايش بين أتباع الملل والإثنيات والعرقيات والمذاهب لتحقيق السلم بين مكونات المجتمع الإنساني، أقرها 1200 شخصية إسلامية من علماء ومُفتين ومفكرين من شتى المذاهب والطوائف يمثلون 139 دولة إسلامية، تسلمها خادم الحرمين سلمان بن عبد العزيز.

وكعادة المؤتمرات العربية والإسلامية في التأثير، لم أتشجع للبحث في تفاصيل ذلك المؤتمر الدولي حول قيم الوسطية والاعتدال، الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي، إلا أنه قد لفت انتباهي تناول كثير من الكتاب وناشطي التواصل الاجتماعي تلك الوثيقة، باعتبارها الرسالة الشمولية للحياة والإنسان، وأنها تمثل ثورة في تصحيح المفاهيم، وإعادة لمنظومة التصورات الإسلامية الصحيحة.

وطالب البعض بتعميمها وتدريسها في المحاضن العلمية، وعدّها آخرون خطة عمل استراتيجية تسهم في تعزيز الوسطية والاعتدال لدى المسلمين دولا وشعوبا وأفرادًا.

عندما طالعت الوثيقة وبنودها، رأيت أن القائمين عليها يُقدمون لها باعتبارها امتدادًا للوثيقة النبوية، واستنارة بفحواها، فشجعني ذلك على مزيد من الاهتمام بها لأرى مدى تناغم المضمون مع تلك الضجة الإعلامية الضخمة التي أثيرت حولها.

ابتداءً لوحظ في الشخصيات التي أقرت الوثيقة أن جميعها من الرموز الدينية الموالية للأنظمة، فهي تمثل الدوائر الرسمية لا الشعوب، ومن ثم كان الوصف في تمثيلها الشعوب الإسلامية غير دقيق.

عندما قرأت بنود الوثيقة لم أجد فيها جديدًا، فهي تُكرر المُكرّر، وتُعرّف المُعرّف، وتتضمن مسائل لم يختلف عليها أحد، ومعلومة لدى القاصي والداني، كما غلب عليها الطابع الخطابي البعيد عن الجوانب العملية الواقعية.

فالوثيقة تؤكد على أن أصل الخلقة الإنسانية الواحدة، وعلى أن جميع الرسالات نزلت بالحق، وأنها بريئة من الأفعال الجائرة لأتباعها، وسنة الاختلاف بين الناس قدر إلهي ينبغي التعامل معه بعقل وحكمة، واستيعاب التنوع الثقافي والديني بما لا يبرر الصراع..

وضرورة الحوار الحضاري، والتعاون لوقف الدمار والخراب والقضاء على الإرهاب، ونحو ذلك مما لا يعد جديدًا، بل هو في صلب الخطاب الإسلامي العام للأمة بأسرها، عدا شراذم من المتطرفين.

أرى أنه من الجور تشبيه هذه الوثيقة بوثيقة المدينة في العهد النبوي، فالصحيفة التي وضعها النبي صلى الله عليه وسلم كانت بنودها محددة واضحة مباشرة تخاطب جميع الأطراف، أما وثيقة مكة فهي عبارة عن أمان وأمنيات ليس فيها إجراءات محددة.

ما الجديد في رفض الشعارات العنصرية والتنديد بالكراهية؟ وما الذي سوف يترتب على الدعوة إلى نبذ العنصرية والعداوة؟ وكيف يمكن ترجمة دعوة الوثيقة إلى احترام الآخر والتعاون الإنساني وانتهاج الحوار مع الآخر؟

وهذا الحلف العالمي الذي تنادي به الوثيقة للتعاون الإنساني ووقف الدمار، ما هي آليته؟ وهل يكون على غرار هيئة الأمم؟ وهل سيقوده المسلمون أم الغرب؟ استغراق في التنظير لا أكثر.

جاءت الوثيقة مؤكدة على الزعامة الدينية للسعودية حاضنة الحرمين، وذلك بعدما ضعُف تعاطف الشعوب معها في السنوات الأخيرة، على خلفية السياسات التي انتهجها ولي العهد لتغيير وجه المملكة الاجتماعي، وتغريبها والعبث في هويتها الثقافية..

وسياساته القمعية ضد معارضيه أو مخالفيه، إضافة إلى سياساته الخارجية العدائية أبرزها الحصار على قطر والوضع المأساوي في اليمن. فيأتي لقاء بهذا الحجم وبحضور 1200 عالم ومفكر من مختلف الأقطار، برعاية خادم الحرمين، ليؤكد على أن السعودية لها زمام القيادة للعالم الإسلامي، وهو ما يطالعه قارئ الوثيقة في مقدمتها.

إذ يلحظ الدعاية السياسية للقيادة السعودية، فجاء فيها ما نصه: "صدور هذه الوثيقة من جنبات البيت العتيق، مَهوَى أفئدة المسلمين، تأكيد على أهمية المرجعية الروحية للعالم الإسلامي، وتنويه بالاستحقاق الكبير لقيادتها السياسية وما اضطلعت به من خدمات جليلة للإسلام والمسلمين والإنسانية".

الوثيقة لا تعتبر الإرهاب شأنًا عالميًا، بل تتعامل معه على أنه نتاج فكر إسلامي يتحمل مسؤوليته المسلمون وحدهم، وعندما تطالع ما كتبه كثير من الكتاب الذين ينسجمون مع سياسات الأنظمة العربية حول المؤتمر، سترى أنهم يتكلمون في هذا الاتجاه..

فهم يرون أن المسلمين ينبغي لهم دراسة هذه الوثيقة والتفاعل معها، باعتبارها تمثل الإسلام الوسطي المعتدل الذي يقضي بالتعايش الإنساني وفق قيم الرحمة والسماحة والعدل، ولا يشيرون من قريب أو من بعيد إلى مسؤولية الغرب عن الإرهاب.

الوثيقة تحدثنا نحن عن أطروحة صدام الحضارات، رغم أنها صناعة غربية تفتّقت عن عقلية صمويل هنتنغتون، ولسنا نحن من أتى بهذه النظرية.

الوثيقة تتحدث عن ضرورة مواجهة الإرهاب مع أنه الشغل الشاغل للحكومات العربية، التي جعلت منه ثوبًا فضفاضًا لتصفية الخصوم والمخالفين بدعوى مواجهة الإرهاب، تلك الكلمة التي تروق للسادة الأمريكان والصهاينة، طالما أنه لن يدخل تحت مقصلتها سوى أبناء الأمة الإسلامية والعربية.

لذا أعتبر أن هذه الوثيقة ما هي إلا إعلان براءة ساحة الحكومات من أي توجهات عدائية ناحية الغرب وأمريكا والكيان الصهيوني.

ولست أقف ضد الحديث عن العدل والتسامح والحوار الحضاري والتعامل الحكيم مع التنوع الثقافي والعقدي، والبحث عن المشتركات الإنسانية والعمل عليها، بل أعارض فكرة إلباس مثل هذه المؤتمرات التنظيرية التي لا تخلو من تسييس، ثوب المخلص من أزمات الأمة، والترويج لها باعتبارها حدثًا سيغير مجرى التاريخ.

وليست في حقيقتها سوى لقطة إعلامية تقول للغرب: نحن أناس جيدون وسنكون عند حسن ظنكم، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

  • إحسان الفقيه - كاتبة وصحفية أردنية

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية