استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

صوت العندليب السوري توقف

الثلاثاء 11 يونيو 2019 02:06 م

أطفال يأكلون الساندويشات التي توجد في كيس نايلون، طفل بائس يمد يده الى صحن طعام صغير، طفلان يرتكزان على عمود خيمة، امرأة شابة محجبة ترفع يديها بيأس وهي تشير الى بيتها المهدوم، امرأة مشردة تقوم بتقطيع الخضار لاعداد الطعام لاولادها. وبعد ذلك على الفور تظهر صورة الزعماء، بشار الاسد وحسني مبارك ومعمر القذافي وعمر البشير، وصورة لكفي يدين رسم عليها شعار النصر.

هذا هو الفيلم القصير الاخير الذي نشره عبد الباسط الساروت قبل موته  (27 سنة) في الاسبوع الماضي في معركة ضد جنود الاسد. الساروت الذي بدأ حياته المهنية كحارس مرمى واعد في منتخب شبيبة مدينة حمص وجد نفسه في جيل الـ19 مقاتل في صفوف المتمردين. في فترة قصيرة عُرف بصوته الجميل وبأغنيات الثورة التي قام بتأليفها لصالح المتمردين. "عندليب الثورة"، "صوت التمرد"، "حارس الثورة" هذه الاسماء أطلقها عليه المعجبون به. في السنوات الثمانية من نضاله قام باقامة مليشيا خاصة به وترأسها، ثلاث مرات حاولت قوات الامن السورية اغتياله، وعرضوا جائزة تبلغ 2 مليون ليرة سورية (35 ألف دولار) لمن يقوم بقتله. لقد اتهموه بأنه يتعاون مع قوات داعش، رغم أنه اعتقل من قبل جبهة النصرة، فرع القاعدة.

خلال تلك الفترة استمر في كتابة الاغنيات وظهر الى جانب الممثلة السورية فدوى سليمان التي قتلت هي ايضا. بذلك أراد الغمز الى وحدة الثورة – هو سني وهي شيعية، يحاربان معا ضد نظام الاسد. في العام 2013 تم عمل فيلم وثائقي عنه بعنوان "العودة الى حمص"، الذي حصل على جائزة في مهرجان سندانس، واصبح الفيلم الوثائقي الاول الذي عرض احداث الحرب في سوريا من خلال قصته الشخصية. عندما نشر خبر وفاته في مستشفى في تركيا الذي نقل اليه بعد اصابته، ملأت التعزية الشبكات الاجتماعية، ليس فقط في سوريا بل في ارجاء العالم. "لقد كان إبنا لجميع الأمهات في سوريا"، كتب صهيب ايوب. "أمي اعلنت حدادها عليه وكأنه إبنها. أمي (70 سنة) التي ربما لن ترى حمص مرة اخرى في حياتها، فقدت اليوم مثلما فقد كل الاطفال في سوريا، صوت الثورة".
شعراء الثورة من تونس ومصر ومرورا بليبيا واليمن وسوريا، الذين برزوا خلال الثورات والمواجهات العنيفة، الذين قتلوا والذين نجحوا في الهرب من ملاحقة الشرطة، خلقوا تراث اجتماعي ينتشر بين الموسيقى والكلمات البسيطة وتشمله البومات حرب هذه الثورات. الكثيرون منهم اشتهروا في البلدات التي ولدوا وكبروا وقاتلوا فيها وهم معزولين ونجحوا في أن يذيع صيتهم في دولهم. وقليلون منهم عرفوا خارج بلادهم. ساروت هو واحد منهم، هو شاب وسيم له شعر طويل غير مرتب، يرتدي مثل أي شاب في جيله في الغرب. ولكن ملابس عسكرية، حيث يضع سترة واقية على جسمه مليئة بمخازن الذخيرة والقنابل – يظهر مثل بطل في فيلم حربي. ولكن في هذا الفيلم قتل أكثر من 600 – 700 ألف شخص والحرب لم تنته بعد. عشرات آلاف المقاتلين في جيل ساروت، اعضاء في عشرات المليشيات المنتشرة في محافظة ادلب، ينتظرون المعركة الكبيرة التي بدأت والتي ينوي فيها النظام تدمير بقايا قوات المعارضة. كل مليشيا من هذه المليشيات لها ابطال واغنيات كتبت لها. اغاني حرية وطموح للنصر، أغاني تتحدث عن النضال الذي لن ينتي حتى سقوط النظام، وربما احدها سيكون النشيد الوطني الجديد لسوريا.

هل نحتاج الى كل هذه الاغنيات الوطنية؟ تساؤل كاتب الاعمدة مصطفى فضل في مقال لاذع نشره في موقع "رصيف 22" في 6 حزيران، يوم ذكرى حرب الايام الستة "النكسة" للجيوش العربية. وباستهزاء كبير اشار الى الاغنية المشهورة لعبد الحليم حافظ "عدا النهار والمغربية جاية" من تأليف عبد الرحمن الابنودي في زمن قريب من استقالة الرئيس المصري جمال عبد الناصر في اعقاب نتائج الحرب. "لكن بعد تراجع ناصر عن استقالته خلال يومين، غنى عبد الحليم اغنية جديدة هي "البندقية تكلمت"، رغم أن البندقية ما زالت لم تتحدث"، كتب فضل. نحن نعرف فقط الامتحان وغناء اغنيات الحداد والعويل، انتقد. وأخطر من ذلك اغنياتنا القومية حولها الزعماء الى وسائل للتجنيد وامور هامشية مثل الاغنيات الوطنية التي تطلب من الجمهور التصويت في صناديق الاقتراع لانتخاب الرئيس الحالي. "أمة غير مستقرة سياسيا لا يمكنها اصلاح الوضع من خلال الاغنيات والاناشيد القومية. اذا أردنا الاصلاح فنحن بحاجة الى اغنيات تنظر الى الواقع مباشرة، وتدعو الى التغيير وتدافع عن ... مجتمع تربى على اغنيات مدح اشتراكية ناصر، مثل اغنيات عبد الحليم حافظ، تحول الى مجتمع السادات الرأسمالي، هذا المجتمع لا يمكنه مناقشة مشكلاته".

في مصر لم تعد تسمع اغنيات الثورة أو اناشيد الحرية. عبد الفتاح السيسي منعها. في سوريا ما زال دور للشعراء المناضلين من اجل رفع معنويات المقاتلين، لكن يبدو أنه قريبا ايضا سيبقون أيتام. اغنية الثورة ستتوقف، أو مثلما هي الحال في مصر ستخدم السلطة التي ستسيطر عليها وتحولها لخدمتها.

المصدر | هآرتس

  كلمات مفتاحية