استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

اضطرابات المنطقة: الجذور والحلول

الأربعاء 10 يونيو 2015 10:06 ص

قد تكون منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق اضطراباً في العالم حاليا.

صحيح أن المنطقة بقيت تُعاني، منذ نشأة كياناتها ودولها «الحديثة»، من درجة ما من عدم الاستقرار، ولكن تراكم الفشل في الاعتراف بمكامن الخلل وعلاج أسباب عدم الاستقرار، أدى إلى تفاقم الحال حتى وصلت الآن إلى مرحلة الانفلات.

صراعات عديدة بقيت لعقود تتقد، وتنمو، وتتجمع، وتتداخل مع بعضها البعض، حتى انفتحت دفعةً واحدة على مصراعيها، خصوصاً بعد غياب الضوابط الدولية (منذ انهيار ثنائية القطبية)، وانفجرت جميعها في آن، وتحولّت المنطقة جرّاء ذلك إلى ساحات اقتتال، واضطراب، وعنف يتمدد باطّراد.

من العراق إلى تونس، ومن سوريا والبحرين إلى اليمن وليبيا، مروراً بفلسطين ولبنان والسعودية ومصر، والحبل على الجرّار. دول تغلي، طوائف تتصارع، جماعات تتقاتل، والعنف والفقر والإرهاب يحصد أرواح البشر.

حالة من الفوضى العارمة تنتشر في كل مكان: لقد انفتقت الفتوق الكثيرة المنتشرة في جسد المنطقة، ولم يعد بالإمكان استمرار رتقها. لقد قدم الثوب وتهلهل كثيراً، وأصبحت المنطقة بحاجة إلى ثوب جديد.

هذا الثوب الجديد ليس جاهزاً، بل يحتاج إلى تفصيل. معنى ذلك أن التغيير لن يكون سهلاً، حاسماً، أو سريعاً. بل على العكس تماماً، سيحتاج الأمر إلى وقتٍ وجهد، والكثير من المعاناة، لأن الصراعات العديدة المتداخلة الأسباب والسياقات يجب أن تُفكك وتُعالج.

فطالما بقيت دون حلّ، استمر الاضطراب، وزادت مظاهره السلبية حدةً واتساعاً، وعلى الحلول أن تكون شاملة وجذرية، وليست سطحية وجزئية، فكل الصراعات مترابطة ومتشابكة، يُغذّي بعضها بعضا، ما يستدعي معالجة كاملة ووافية لمجموعة هذه الصراعات المتُقّدة.

أول الصراعات التي تحتاج إلى تسوية – والترتيب التالي عشوائي ولا يحمل أية دلالة حول مستوى الأهمية – هو الصراع الدائر حالياً حول التنافس على مكانة القوة الإقليمية السائدة في المنطقة.

الآن، لا توجد قوة مهيمنة، ولكن إيران تحاول منذ مدة بسط سيطرتها على المنطقة، ما يُفسّر تدخلاتها في العراق وسورية، ودعمها لحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن.

السعودية استشعرت الخطر وتحاول حالياً مجابهته، وتوطيد مكانتها بالمقابل، ولكن المواجهة الايرانية – السعودية ليست كل ما يجري في مجال هذه المنافسة، إذ إن لكل من تركيا ومصر وإسرائيل طموحات هيمنة أيضاً.

ستبقى المنطقة مضطربة حتى يتم حسم هذا الصراع، وأفضل امكانية لحسمه لن تكون بتفوّق دولة وهيمنتها على المنطقة، فهذا سيؤدي إلى استمرار عدم الاستقرار، وإنما يتحقق الاستقرار فقط من خلال حدوث توازن للقوى الاقليمية، أي بين هذه الدول مع بعضها.

أما الصراع الثاني الذي يحتاج إلى حلّ فهو صراع الدولة في المنطقة من أجل البقاء.

فكثير من هذه الدول نشأ نشأة اصطناعية من قبل المستعمرين، وبقيت شرعيتها منقوصة، إضافة إلى ذلك فإن معظم هذه الدول فشلت، إما كلّياً أو جزئياً، في أداء مهامها بفاعلية تجاه مجتمعاتها ومواطنيها.

لم تتمكن من صهر الأقليات والطوائف في مواطنة متساوية، ولم تُعل حكم القانون أو تُرس حكماً لنظام سياسي تمثيلي يعمل وفق عملية سياسية فاعلة ومشاركة، ولم تستطع تحقيق التنمية المنشودة لشعوب محتاجة ومقهورة.

لذا، تشققت الدولة في المنطقة وفقاً لولاءات اثنية وطائفية وجهوية، وتبعاً لاعتبارات سياسية تطفو على سطح هذه التشققات، وأصبحت الدولة التي كانت قطرية تدافع عن وجودها أمام قوة طوفان الانصهار في بوتقة دولة قومية أشمل (حال العالم العربي في خمسينيات وستينيات القرن العشرين)، أصبحت الآن تدافع عن وجودها أمام خطر التفتت إلى دول أصغر.

هذا الصراع لا بدّ وأن يُحسم كي تستقر المنطقة. الدولة يجب أن تتغير لتصبح ممثلة للشعب، وليست المتحكمة به. ومن ضمن ما يعنيه ذلك إمكانية تغيّر خارطة المنطقة في بعض مناطقها، كما حدث في السودان.

الصراع الثالث الذي يؤجّج الخلاف ويبّرر العنف والاقتتال بين المجموعات المختلفة في المنطقة، هو الصراع حول توجهات الهوية والفكر والقيم التي تحكم المجتمع والدولة.

هذه التوجهات لم تُحسم عند نشوء دول المنطقة، لأن هذا النشوء لم يكن نتيجة التفاعلات المجتمعية (بما يتضمنها ذلك من صراعات وتفاهمات داخلية)، بل جاء نتيجة إرادات خارجية.

لذلك تُرك موضوع هذه التوجهات دون حسم، طبقات ترسو على طبقات من التوفيقية – التلفيقية التي لم تستطع الصمود طويلاً أمام ضغوط التوجهات المتعارضة، فانفجرت في اقتتالات دامية، وصلت حدّ انتشار مريع للإرهاب.

هل المجتمع ديني أم مدني، هل الدولة دينية أم علمانية، وهل المواطنة متساوية أم تراتبية؟ وأسئلة أخرى عديدة تطال جوهر الحياة المجتمعية وتتعلق بطبيعة ودور الدولة في تنظيم حياة المجتمع.

أسئلة لم يتم التداول بشأنها، وحسمها، فبقيت منذ عقود عالقة، لن ينتهي الاضطراب ويتحقق استقرار المنطقة دون معالجة هذه الأسئلة الجوهرية، واستقرار الإجابات.

أما الصراع الرابع فهو الصراع الفلسطيني/العربي - الإسرائيلي المزمن، الذي شكّل عبر الزمن الأساس المؤجج لصراعات أخرى عديدة في المنطقة.

لا يمكن أن تستقر المنطقة دون أن تتحقق الحقوق الوطنية الشرعية للشعب الفلسطيني، ودون أن ينتهي الاحتلال وينعم هذا الشعب بالحرية والاستقلال.

قد يُقال إن هذا الصراع لم يعد بالأهمية التي استحوذ عليها سابقاً، وإن هناك ما يؤرق المنطقة أكثر من هذا الصراع، خصوصاً بعد أن خَفَتَ البعد العربي فيه، وانقسم الفلسطينيون على أنفسهم، واتجهت الاهتمامات باتجاه كبح المطامح والمطامع الإيرانية في المنطقة العربية.

ولكن مع كل ذلك، يبقى هذا الصراع هو الفتيل الذي يُشعل الكثير من النيران في المنطقة، ما أن تهمد في جزء منها حتى تتقد في مكان آخر.

آخر الصراعات، وحصيلتها، هو الصراع الخارجي للهيمنة على المنطقة، فلأبعادها الحيوية المتعددة، دينياً وجيو - استراتيجياً ونفطياً واقتصادياً، شكّلت هذه المنطقة عبر الزمن وحتى الآن، مجال تنافس شديد بين القوى العظمى.

وقد وجدت هذه القوى الخارجية في الصراعات الداخلية منفذاً للتوغل والتأثير في المنطقة.

استقرت المنطقة إلى حدّ ما خلال حقبة ثنائية القطبية الدولية من خلال اصطفاف تقليدي للقوى المحلية باتجاه أحد القطبين، ولكن ما أن انهارت هذه الثنائية حتى اضطربت المنطقة، وزاد اضطرابها عندما أعلن الرئيس «أوباما» عزمه الانسحاب من المنطقة وتحويل التركيز الأميركي إلى منطقة المحيط الهادي، ما فتح المجال مجدداً لقوى خارجية عديدة للتزاحم لتثبيت اصبع تأثير لها في المنطقة.

لن تهدأ المنطقة حتى يتم حسم هذا التنافس بإيجاد توازن قوى خارجية جديد.

صراعات عديدة مفتوحة على مصراعيها حالياً في المنطقة، وهي تُشكّل الأسباب الرئيسة الكامنة وراء ما تشهده من حالة فوضى عارمة.

ستبقى هذه الحالة سائدة، وقد تتعمق، إن لم تتم فكفكة هذه الصراعات وإيجاد الحلول لها، والمطلوب إغلاق ملفات من خلال معالجتها، وليس من خلال تجاهلها وتأجيلها، فالتأجيل يولد التأجيج، وهذا ما سبّب ما نحن فيه الآن من أزمات.

  كلمات مفتاحية

اضطرابات المنطقة الشرق الأوسط الجذور الحلول العراق تونس سورية البحرين اليمن ليبيا فلسطين لبنان السعودية مصر