حكومة «نتنياهو» تتجه لتضييق الخناق على المنظمات الأهلية في (إسرائيل)

الجمعة 12 يونيو 2015 06:06 ص

 في أحد الشوارع الخلفية بالقدس يقع مقر منظمة «بتسيلم» الإسرائيلية التي كانت شوكة في جانب حكومات إسرائيلية متعاقبة بعملها الدؤوب دون كلل أو ملل لنشر ما يقترفه الجيش الإسرائيلي من انتهاكات في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

تأسست المنظمة قبل أكثر من 25 عاما على أيدي مجموعة من أساتذة الجامعات والمحامين والساسة ووصفت نفسها في عدة مناسبات بأنها ضمير الأمة.

غير أن تشريعا اقترحته الحكومة اليمينية الجديدة في إسرائيل ينذر بتقليص أعمال بتسيلم بشدة هي وعشرات من المنظمات الأهلية الإسرائيلية التي تتلقى ملايين الدولارات كل عام في صورة هبات من حكومات ومؤسسات أجنبية.

ورغم أن هذا التشريع مازال في صورة مسودة، تقول وزيرة العدل الإسرائيلية أيليت شاكيد عضو حزب البيت اليهودي القومي المتطرف إنها عازمة على تضييق الخناق على كل من يتلقى أموالا من الخارج ثم يكيل الانتقادات لإسرائيل واتهمت المنظمات الأهلية بالعمل على «إضعاف شرعية وجود إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية».

وقبل اختيار شاكيد عضوا في مجلس الوزراء بعد الانتخابات التي جرت في مارس/آذار قدمت صياغة تشريعية سابقة اقترحت فيها فرض ضريبة تصل إلى 45 في المئة على التبرعات الأجنبية ما لم تقرر لجنة من مسؤولي وزارتي الدفاع والخارجية خلاف ذلك.

أما الجماعات المدافعة عن المنظمات الأهلية فترى أن هذه الاقتراحات تمثل خطوة خطرة ستضع إسرائيل في مصاف دول مثل روسيا وتركيا ومصر التي تجد صعوبة كبيرة في تقبل النقد الداخلي وحظرت بعض المنظمات الأهلية.

وقالت «ساريت ميخائيلي» المتحدثة باسم بتسيلم والناشطة المخضرمة التي قضت سنوات في جمع أدلة عما تقول إنها اعتداءات في الضفة الغربية المحتلة «معركة هائلة تجري من أجل مستقبل مجتمعنا».

وأضافت «ما لدينا هنا هي سنوات عديدة من الجهود المكثفة لتشويه صورة مجتمع حقوق الإنسان في إسرائيل ترتبط في الأساس بعملنا في فضح انتهاكات حقوق الإنسان».

اعتداء على السيادة

ولإبراز عزم الحكومة على معاقبة من تعتقد أنهم يلوثون سمعة إسرائيل قالت وزيرة الثقافة «ميري ريجيف» يوم الأربعاء الماضي إنها ستخفض الأموال الحكومية التي يحصل عليها الفنانون الذين يبدون تعاطفهم مع الكفاح الفلسطيني.

وتعهدت «ريجيف» في تصريحات لراديو الجيش باسترداد أموال حصل عليها ممثل من عرب إسرائيل بعد أن رفض أداء دور في مسرحية بمستوطنة يهودية بنيت في الأراضي المحتلة وقالت «من ينزع الشرعية عن دولة إسرائيل لن يحصل على ميزانيات من الدولة».

ومن بين المشروعات التي تأثرت بهذه السياسة مسرح للأطفال من مختلف الأجناس يديره الممثل «نورمان عيسى» بالقرب من تل أبيب. وقال «عيسى» إنه يشعر بأنه يتعرض "للابتزاز" بسبب آرائه السياسية.

وندد الكاتب المسرحي الإسرائيلي «جوشوا سبل» هذه الخطوة وقال لموقع والا الإخباري إن «ريجيف» تتصرف بما يناقض سياسة أجيال من الحكومات الإسرائيلية.

وتوجد في إسرائيل أكثر من 30 ألف منظمة أهلية مسجلة نصفها تقريبا منظمات نشطة. لكن الشعور بالإحباط بالنسبة للوزيرة شاكيد وأنصارها يتركز على حوالي 70 منظمة تركز نشاطها على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وتحصل على أموال إما من الاتحاد الأوروبي ككل أو من حكومات بعينها منها حكومات الدانمارك والسويد وبلجيكا والنرويج.

وتحتفظ جماعة «إن.جي.أو مونيتور» الإسرائيلية التي تأسست لمتابعة قطاع المنظمات الأهلية وجعلها أكثر إحساسا بالمسؤولية الاجتماعية بقاعدة بيانات للتمويل الخارجي للجمعيات الأهلية باستخدام الأرقام التي يجبر القانون الإسرائيلي الجمعيات نفسها على إعلانها.

وتوضح الأرقام أن تبرعات قيمتها تربو قليلا على 100 مليون شيقل (26 مليون دولار) قدمت لأربع وعشرين من أنشط المنظمات غير الحكومية خلال الفترة 2012-2014 من بينها جماعة كسر الصمت التي تجمع شهادات سرية من الجنود الإسرائيليين لا تكشف عن أصحابها وجمعية عدالة وهي منظمة للحقوق القانونية يتركز نشاطها على الفلسطينيين.

وتقول منظمة بتسيلم وهي من المنظمات الرئيسية التي تتلقى هبات من الخارج إنها حصلت على 13.3 مليون شيقل من متبرعين في الولايات المتحدة وأوروبا في تلك الفترة تمثل حوالي ثلثي تمويلاتها الإجمالية.

وإذا تم إقرار التشريع الذي اقترحته «شاكيد» فإن «ميخائيلي» تعتقد أن بوسع المنظمة مواصلة عملها بميزانية أصغر كثيرا. وربما تضطر منظمات أخرى أصغر للتوقف عن العمل.

لكن ما أزعج المدافعين عن الجمعيات الأهلية ليس ما قد تفقده من تمويل بقدر ما هو الرسالة التي يبرزها طرح مثل هذا التشريع حتى إذا لم يحصل على الدعم البرلماني.

وفي بلد اعتاد على الانتقادات يكشف هذا الاتجاه عن موقف أقل تقبلا للرأي المعارض خاصة ممن يعتبرون أصحاب برامج يسارية.

وقال «مات داس» رئيس مؤسسة سلام الشرق الأوسط في واشنطن «ثمة إحساس في اليمين الإسرائيلي بأن وجهات النظر التقدمية أو الليبرالية تمثل خطرا وأنه يجب التصرف في هذا الشأن».

وأضاف «وهذا يخلق بيئة معادية لمن يبدون انتقادات مشروعة وسيضع إسرائيل في مصاف دول غاية في السوء».

وتقول جماعة «إن.جي.أو مونيتور» ىالتي شككت في دقة معلومات جمعتها منظمات مثل بتسيلم إنها لا تؤيد أي تشريع ينزل العقاب بمجتمع المنظمات الأهلية.

غير أن رئيسها «جيرالد ستاينبرج» يتهم بتسيلم ومنظمات أخرى بشن شكل خطير جدا من أشكال الحرب على إسرائيل ويقول إن من الضروري سن تشريع للتصدي «للسياسة الأوروبية المدمرة القائمة على تمويل المنظمات الأهلية السياسية»

ويرى آخرون هدفا مختلفا وراء طرح التشريعات الجديدة.

وقال «داس»:أعضاء الحكومة يسعون لتسوية الحسابات، وأشار إلى انتقاد رئيس الوزراء «بنيامين نتنياهو» يوم الانتخابات لجماعات يسارية لم يحددها اتهمها بالمساعدة في نقل ناخبين من عرب إسرائيل إلى مراكز التصويت.

وأضاف  «داس»: «هذا جزء من محاولة أوسع لتقليص الفضاء السياسي وتقييد حرية الآراء المعارضة».

  كلمات مفتاحية

إسرائيل المنظمات الأهلية حكومة نتنياهو الجديدة الأموال الحكومية الجيش الإسرائيلي نزع الشرعية