استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الهرج والمرج وغياب التركيز

الخميس 27 يونيو 2019 01:06 م

الهرج والمرج وغياب التركيز

قيادات لم تقرأ التاريخ ولا تعتقد بوجود ضوابط أخلاقية والتزامات وطنية وقومية في السياسة، ولا تحترم شعوبها!

البلاء الأمريكي عقبة كأداء أمام محاولات إصلاح البلاءات الذاتية، لينقلب في الحقيقة إلى هجمة إمبريالية لم يشهد الوطن العربي لها مثيلا.

موضوع الساعة ليس مماحكات هزلية بليدة بل من يغذيها ويشعل نيرانها ثم يقهقه ضاحكا مِن بلادة مَن يعيشون حياة الأوهام والهلوسات.

*     *     *

هذا الهرج والمرج الذي تعيشه الحياة السياسية العربية برمتها، بسبب الدعوة الأمريكية المشبوهة، المغطاة بألف قناع وقناع، لبحث الجانب الاقتصادي من الموضوع الفلسطيني، يجب أن يتجنب الضياع في مجادلات ومماحكات هامشية جانبية عن نية أو مسؤولية هذه الجهة العربية أو تلك.

فهذا المشروع ليس عربيا، ولن يكون قط عربيا، وإنما هو مشروع صهيوني مطبوخ في الكيان الصهيوني، تنفذه شخصيات أمريكية في الإدارة الأمريكية الحالية. فالرئيس الأمريكي وصهره ومجموعة صغيرة من حولهما من الساسة والإداريين الأمريكيين.

هؤلاء جميعا يرضعون يوميا، وبنهم ولذة سادية، من ثدي نتنياهو وحزبه اليميني الإرهابي المتطرف، حليبا صهيونيا مكونا من خليط عجيب من الأكاذيب التاريخية والأساطير التوراتية والتنبؤات المستقبلية المتوهمة.

ولن يوقف العجز والتمزق والصراعات البينية العربية الصبيانية، ولا الخلافات العربية المتعاظمة مع دول الجوار الإسلامية، التي هي الأخرى مصابة بالجنون والهلوسات، لن يوقف هذا المشهد التراجيدي عملية الرضاعة تلك، ولن يوقف نتائجها الكارثية على أوضاع الشعب العربي الفلسطيني، وأوضاع الأمة العربية التي باتت ألعوبة في اليد الأمريكية ـ الصهيونية.

ذلك المشهد التراجيدي لم يستطع إيقاف القرار الأمريكي بنقل سفارتها إلى القدس المحتلة، حتى بوجود معارضة دولية كاسحة لتلك الخطوة المجنونة، التي لم تعنها مشاعرالملايين من المسلمين والمسيحيين.

وهو أيضا لم يستطع إيقاف القرار الأمريكي بتقديم الجولان العربي هدية مجانية من صهيوني أمريكي إلى صهيوني إسرائيلي. وهو عاجز ومشلول أمام التدخلات الأمريكية في كل شبر من وطن العرب، وفي كل ساحة من ساحات الحياة العربية السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية الاستخباراتية.

إنه مشهد مخجل تقوده قيادات لم تقرأ التاريخ، ولا تعتقد بوجود ضوابط أخلاقية والتزامات وطنية وقومية في السياسة، ولا تحترم شعوبها ومؤسسات مجتمعاتها المدنية، ولا تستمع إلا لنصائح شركات الغرب ورجالات الغرب..

حتى من أمثال الكذاب توني بلير الذي قاد مع بوش حملة تدمير القطر العراقي العربي، وأوصله إلى أسفل الدركات الحضارية، وما عاد يهمها وجود جامعة عربية متماسكة فاعلة، أو وجود مجلس تعاون خليجي متفاهم، أو وجود قرارات عربية مشتركة بشأن أي جانب من الحياة العربية، أو وجود اتحاد مغاربي غير مملوء بألف علة وعلة.

ذاك الهرج والمرج، المضحك المبكي، الذي يراد له أن يقود شعوب الأمة العربية إلى المتاهات والخلافات العبثية، يحتاج إلى أن ينتقل في الحال إلى التركيز على البلاء الأمريكي في الحياة العربية.

هذا البلاء الذي اشتغل ليل نهار على خلق وتربية وتمويل وتوزيع الجماعات العنفية الإرهابية المتسترة، زورا وبهتانا وكذبا، بعباءة دين الإسلام العظيم.

هذا البلاء الذي يمارس الابتزاز يوميا ليستولي على ثروات العرب البترولية ويقودها إلى شراء الأسلحة والذمم والانتهازيين والمنافقين، بدلا من توجيهها لبناء تنمية حضارية شاملة في طول وعرض وطن العرب.

هذا البلاء الذي يدعي كذبا بأنه مع حرية وكرامة وحقوق الشعوب العربية، بينما يتصرف في الواقع لترسيخ قدم كل ديكتاتور أو فاسد أو خائن طالما أنه يخدم، كعبد ذليل، المصالح الأمريكية الأنانية، ومعها المصالح الصهيونية بكل صورها الخبيثة.

نعم، لدينا بلاءات الطبقة السياسية العربية الفاسدة في أغلب مكوناتها، والاستعمالات الانتهازية للدين، والتخلف الحضاري التاريخي في كثير من المجالات، والعجز المزمن للمجتمعات المدنية في وجه تسلط مؤسسات الدول، والموت السريري الذي تعيشه المؤسسات القومية العربية المشتركة، وضياع الترليونات من الثروة العربية في مشاريع مظهرية، أو في أسواق أزمات الآخرين، وكثير كثير من مثل ذلك.

لكن البلاء الأمريكي أصبح عقبة كأداء أمام كل محاولات إصلاح تلك البلاءات الذاتية، لينقلب في الحقيقة إلى هجمة إمبريالية لم يشهد الوطن العربي لها مثيلا.

اليوم مفاتيح حل قضايا فلسطين وسوريا واليمن والخليج العربي وليبيا والسودان ومصر والعراق والمغرب العربي هي بيد الأمريكيين، يمارسون الشد والارتخاء والمسموح وغير المسموح متى شاءوا، وحسب مصالحهم الأنانية ومصالح الثدي الذي منه يرضعون.

ما يوجع القلب هو أن الكثيرين لا يعون ذلك، وبعضهم يرحب بذلك، ومن أجل التغطية على كل ذلك يَشغل الناس بتفاهات الصراعات الجانبية والمعارك العنترية التي تمتلئ بها في كل لحظة وسائل الإعلام العربية ووسائل التواصل الاجتماعي المخترقة من بعض المؤسسات والاستخبارات العربية والأجنبية، ومن مراكز التوجيه الصهيونية الساهرة على تحقيق أحلام «اسرائيل» الكبرى.

موضوع الساعة ليس تلك المماحكات الهزلية البليدة، وإنما من يغذيها ليل نهار ويشعل نيرانها ثم يقهقه ضاحكا، وهو يرى بلادة أبطال ذلك السيرك وهم يعيشون حياة الأوهام والهلوسات.

* د. علي محمد فخرو كاتب ومفكر بحريني

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية