هل عمقت الأجواء السورية العلاقات الروسية الإسرائيلية؟

الأربعاء 17 يوليو 2019 11:38 م

كيف تحولت طائرة مسيرة صممت في (إسرائيل) إلى العين الحارسة للروس في الجو لحماية نظام "بشار الأسد" في سوريا؟، هكذا تساءل "باتريك هيلسمان"، في تقريره المنشور بموقع "ذا إنترسيبت".

وقال "هيلسمان"، الثلاثاء، إن موسكو لعبت دورًا حيويًا في حماية والدفاع عن "الأسد" الذي كان في عام 2015 على حافة الانهيار، وفي الوقت نفسه طورت علاقات عسكرية مع (إسرائيل) عبر العقود الماضية، مستشهدا بإسقاط طائرة بدون طيار في الصيف الماضي في الجولان المحتل، اتضح من معلوماتها المسجلة على ذيلها ومكوناتها الأخرى أنها من نوع فوربوست مصنعة في روسيا ومن تصميم إسرائيلي.

وأشار الكاتب، في التقرير الذي ترجمته "القدس العربي"، الأربعاء، إلى أن الأجواء السورية وعلى مدى السنين السبع الماضية كانت حافلة بكل أنواع الطائرات التي تنتمي لكل الأمم المتصارعة على سوريا، وكانت هذه بالضرورة ساحة جيدة لفحص الأنواع الجديدة من الأسلحة، حيث اتخذت (إسرائيل) من الجولان المحتل منذ عام 1967 كنقطة انطلاق، واعتبرت مجاله الجوي ملكًا لها، وانتهزت فرصة الحرب الأهلية بسوريا لضرب "حزب الله" والقوات الإيرانية. ولكن إسقاط الطائرة المسيرة "فورستوب" كشف أسوأ الأسرار في الشرق الأوسط، وهو استعداد روسيا تجاهل الغارات الجوية الإسرائيلية ضد حليفيها؛ إيران و"حزب الله" اللبناني.

ويقول الكاتب إن ضم الطائرة المسيرة المصممة في (إسرائيل) داخل الترسانة العسكرية الروسية له جذوره في نزاع مختلف، وهي الحرب الروسية – الجورجية عام 2008. فعندما أسقط الجيش الجورجي مقاتلة عسكرية روسية، قررت موسكو الاستثمار في الطائرات المسيرة المتقدمة، التي حققت دول أخرى مثل الولايات المتحدة و(إسرائيل) تقدمًا كبيرًا فيه. وفي محاولة لسد الثغرة، وبحلول عام 2010، عقدت صناعة الطيران الإسرائيلية اتفاقية بـ400 مليون دولار لنقل تكنولوجيا الطائرات المسيرة إلى روسيا.

وتوقعت الصحافة الإسرائيلية أن الاتفاقية جزء من محادثات طويلة مقابل وقف روسيا تزويد إيران وسوريا بمنظومة الصواريخ إس-300. ورغم قلق الولايات المتحدة من انتشار السلاح المتقدم هذا عبر حليفتها، إلا أن (إسرائيل) مضت قدمًا وبدأت بتدريب الروس على استخدام الطائرات المسيرة.

وفي عام 2015، عقدت روسيا و(إسرائيل) صفقة أخرى مهمة بعدما تدخلت موسكو لمنع (إسرائيل) بيع طائرات مسيرة إلى أوكرانيا، التي كانت تعد لمواجهة الانفصاليين الذين تدعمهم روسيا. وقررت (إسرائيل) التراجع عن الصفقة وأنهت عقدًا لبيع مجموعة أخرى منها إلى روسيا. وفي الوقت الذي نشرت فيه روسيا الطائرات المسيرة هذه مثل "فورستوب" في أكثر من ميدان حرب في أوكرانيا وسوريا تعلمت كيفية إدارتها.

وتعد "فورستوب" من أكثر الطائرات المسيرة استخدامًا من الترسانة الروسية. وعلى خلاف "بريتدتر" و"ريبير" الأمريكيتين اللتين تستخدمان للأغراض الهجومية، فـ"فورستوب" ليست كذلك. ومهمتها استطلاعية ولجمع المعلومات الأمنية والمراقبة.

وما يثير الاهتمام في إسقاط "فورستوب" الصيف الماضي أن تصنيعها تم في الصناعات الجوية الإسرائيلية، وتم استخراج رخصتها من روسيا، فف النهاية أسقطت (إسرائيل) واحدة من طائراتها.

ورغم منشأ الطائرة في (إسرائيل) إلا أن روسيا حاولت وضع بصمتها عليها، وصور التلفزيون الروسي لقطات لها في قاعدة حميميم، وكان الروس واضحين حول الدور الذي تلعبه الطائرة في العمليات الرقابية بدون طيران. وهناك شائعات عن تطوير الصناعات الروسية نموذجًا جديدًا اسمه "أوريون إي". وزعمت وزارة الدفاع أن عدد الطلعات للطائرات المسيرة بداية النزاع كان 400 كل شهر، إلا أن العدد الحقيقي في نهاية 2017 هو 1000 في الشهر، حسب "سام بنديت"، الخبير في تكنولوجيا الطائرات بدون طيار الروسية.

ومن هنا، فوجود طائرة مسيرة تحمل رخصة روسية ومصممة في (إسرائيل) تعكس التعقيد الذي يمتد للعلاقات الدبلوماسية بينهما. ورغم التواطؤ الإسرائيلي في استخدام روسيا التكنولوجيا لدعم "الأسد" وبالضرورة إيران و"حزب الله"، إلا أنها لم تعارض التدخل الروسي في سوريا.

وفي الحقيقة فالتعاون التكتيكي بين روسيا و(إسرائيل) معروف ونشر عنه الإعلام. فعندما تدخلت روسيا عام 2015، نفى وزير الجيش الإسرائيلي "موشيه يعلون" أن يحد ذلك من النشاطات الإسرائيلية في سوريا. وقال: "لا نتدخل به وهم لا يتدخلون بنا".

وأنشأ الروس والإسرائيليين خطًا ساخنًا لتخفيف التوتر، وسمحت طبيعة العلاقات بينهما للعمل بطريقة من الحرية لا تؤدي إلى خرق الخطوط الحمراء. وبهذه الطريقة، ركز كل طرف على تحقيق أولوياته: وهي للروس حماية نظام "الأسد" وتجنب سقوط ضحايا من قواتها. وبالنسبة لـ(إسرائيل) منع "حزب الله" الاقتراب من حدودها ووصول السلاح المتقدم له من إيران عبر سوريا.

وكانت (إسرائيل) مع أهداف روسيا للحفاظ على نظام "الأسد"، بل واستعادته المناطق القريبة منها، فعدو تعرفه أحسن من مسلحين لا تعرفهم. ورغم الدعم المحدود الذي قدمته (إسرائيل) لجماعات المعارضة، إلا أن رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" ضغط على حلفائه بعدم تقديم صواريخ مضادة للطائرات لها. وأكد على أنه يعارض وجود إيران و"حزب الله" ومع بقاء "الأسد" في السلطة. وقال العام الماضي في مؤتمر صحافي بموسكو: "لم تطلق ولا رصاصة من الجولان خلال الـ40 عامًا الماضية".

ولم تخل العلاقة من مواقف متناقضة؛ إذ شجبت روسيا هذا العام اعتراف الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بسيادة (إسرائيل) على مرتفعات الجولان. ولكن العلاقة بين الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، و"نتنياهو" ودية لدرجة قدمت فيها موسكو دعمًا للحملة الانتخابية له عندما أسهمت في إعادة جثة الجندي الإسرائيلي الذي اختفى في لبنان عام 1982. وكانت إعادة رفات "زخاري بوميل" دفعة انتخابية لـ"نتنياهو". ورغم نفي سوريا لعب دور في اكتشاف رفاته، مع أن بوتين أكد هذا، إلا أن "نتيناهو" أطلق سراح سجينين وسلمهما إلى سوريا، وهما "أحمد خميس" و"زيدان طويل".

وتعرضت العلاقة المعقدة بين (إسرائيل) وروسيا لهزات، خصوصًا عندما صعدت (إسرائيل) من غاراتها على العمق الإسرائيلي، واعتراف القادة الإسرائيليين بشن مئات الغارات منذ بداية الحرب.

ويعني اعتراف (إسرائيل) أن الأجواء السورية مفتوحة لها وبدون اعتراض من الروس أو تفعيل للأنظمة الدفاعية الجوية التي نشرتها روسيا في البلاد. وبعبارات أخرى أظهرت روسيا أنها مستعدة لغض النظر عندما تقوم (إسرائيل) بغاراتها ضد حلفاء النظام داخل سوريا.

وقال "يفغيني فينكل"، الخبير في العلاقات الروسية – الإسرائيلية بجامعة جون هوبكنز: "يحاول كل طرف تجنب مواجهة مباشرة لأنهما لا يريدانها"، وربما تم تجنب حادث إسقاط الطائرة المسيرة.

وظل الوضع القائم حتى سبتمبر/أيلول 2018، عندما فعلت سوريا نظام الصواريخ وأسقطت طائرة روسية على متنها 15 جنديًا. وحملت موسكو (إسرائيل) المسؤولية، إذ كانت المقاتلات الإسرائيلية تختفي وراء الطائرة الروسية. وقالت وزارة الدفاع إنها لم تتلق تحذيرًا إلا قبل دقيقة، وهي فترة لم تكن كافية لتأمين الطائرة. وكرد على الحادث، قررت روسيا تزويد النظام السوري بنظام إس-300 الصاروخي. وبعد فترة من الهدوء، أعادت (إسرائيل) غاراتها على أهداف سورية، واستمرت حتى هذا الصيف وكان آخرها في بداية الشهر الجاري، وجاء وسط لقاء مهم بين قادة الأمن القومي الروس والأمريكيين والإسرائيليين.

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد قتل في الهجوم الذي استهدف مخزنًا لـ"حزب الله" ومركز أبحاث في الريف عشرة من الموالين للنظام وستة مدنيين نصفهم أطفال. ورغم تفعيل الدفاعات الصاروخية إلا أن لا أدلة عن دور لنظام إس-300 في مواجهة الهجوم. وجرى استخدام نظام إس-200، وسقط صاروخ في قبرص. وعلى ما يبدو لم يتوصل السوريين إلى طريقة جيدة بعد لمواجهة الغارات الإسرائيلية.

وفي النهاية، يقول الكاتب إن الحرب السورية عمقت العلاقات الروسية – الإسرائيلية، رغم وقوف كل منهما على الجانب الآخر من النزاع، فكلاهما منخرط في صفقات أسلحة كبيرة وخفض للتوتر والتأثير في بعضهما خدمة لمصالحهما. وفي الوقت الذي يدور فيه الحديث عن قرب نهاية الحرب السورية وانتصار "الأسد"، يواصل الجيشان القويان، الروسي والإسرائيلي، معاركهما الخاصة، ومهما كانت النتيجة فستواصل روسيا و(إسرائيل) طلعاتهما المتناقضة في الأجواء السورية.

المصدر | الخليج الجديد + القدس العربي

  كلمات مفتاحية

هآرتس: تحالف جديد يضم أمريكا وروسيا وإسرائيل ضد إيران

واشنطن تتوقع التوصل لتفاهم أكبر بشأن إيران مع روسيا وإسرائيل

الكرملين يعلن الاتفاق على نقاط تعاون بين روسيا وإسرائيل بشأن سوريا

إسرائيل تشدد الرقابة على هاكر روسي قبل تسليمه لأمريكا