غضب بين أقباط مصر لتطبيق الشريعة الإسلامية على ميراثهم

الجمعة 19 يوليو 2019 11:35 م

أثار قرار قضائي، صادر من محكمة مصرية، باحتكام المسيحيين إلى الشريعة الإسلامية في الميراث، غضبا كنسيا، وظهرت اتهامات للقضاء بمخالفة نصوص الدستور.

تفاصيل الحكم، تحدثت عنه المحامية القبطية "هدى نصرالله"، التي كانت قد تقدمت بإعلان وراثة بعد وفاة والدها، وفقا للمادة 3 من الدستور، والتي تنص على احتكام غير المسلمين في مسائل الأحول الشخصية لشرائعهم.

وتضيف "هدى": "يوم إعلان الوراثة، تفاجئت أن القاضي تعامل مع قضيتي وفقا للشريعة الإسلامية، للذكر مثل حظ الأنثيين، رغم أن أشقائها الذكور قالوا له نريد تقسيم الميراث بالتساوي"، حسب "بي بي سي".

وتتابع : "ما أطالب به هو حقي باعتباري مواطنة مصرية، أريد حقوقي كسيدة مسيحية".

وتستطرد: "لجئت للطعن على القرار القضائي الذي يقضي بتطبيق الشريعة الإسلامية عليا أنا وأشقائي في تقسيم ميراث والدنا رغما عنا، لأنني أرفض أن يطبق علي هذا الحكم المخالف لشريعتي".

وتحكي "هدى"، أنها أمضت بضعة أشهر بين أروقة المحاكم، ولا تزال في انتظار القرار القضائي المتعلق بالطعن الذي تقدمت به.

وتضيف: "أشعر بظلم مضاعف ومتراكم.. فما أن أسلك طريقا حتى أجده مسدودا.. وأشعر أن الكل يبحث عن مبرر كي لا يستجيب لطلبي المشروع".

ووفقا لتقارير وإحصاءات غير رسمية، يمثل المسيحيون نحو 10% من سكان مصر، وينتمي أغلبهم للطائفة الأرثوذكسية. ويحتكمون في أمور الزواج والطلاق للائحة الأقباط الأرثوذكس، الصادرة عام 1938.

ويقول كثيرون منهم إن هذه اللائحة يتم تجاهلها في مسألة الميراث، لأسباب غير معلومة.

ويقول مسيحيون، إن المحاكم المصرية، عادة ما تطبق عليهم الشريعة الإسلامية في الميراث، سواء رضوا بذلك أم لم يرضوا.

القسمة الرضائية

ووفق مراقبين، عادة ما يلجأ المسيحيون لما يعرف بـ"القسمة الرضائية" (أي القسمة بالتراضي) فيما بينهم، بعيدا عن المحاكم، وبغض النظر عن التقسيم الوارد في إعلان الوراثة.

كما أنه أحيانا ما يلجأ الأب لتقسيم الميراث بين أبنائه وبناته قبل أن يتوفى.

ولم تقبل "هدى"، مقترح أخويها باللجوء للقسمة بالتراضي، توفيرا للوقت والجهد، وأصرت على استكمال المسيرة القانونية.

وتقول إنها تريد أن تصبح نموذجا، ينبه عموم المسيحيين لحقوقهم الدستورية، حتى يحذو آخرون حذوها.

وتضيف: "مهنتي هي الدفاع عن حقوق الناس، فكيف لي أن أتخلى عن حقي؟، آمل أن تحكم المحكمة لصالحي حتى يتشجع آخرون ويفعلوا مثلي.. فهناك كثيرون لا يعلمون أن الدستور منحهم حق الاحتكام لشرائعهم".

وبينما يلجأ بعض الأقباط لمسألة القسمة الرضائية، تنفيذا لتعاليم دينهم، يلتزم آخرون بإعلام الوراثة الصادر من المحكمة، ويبررون ذلك بأنه التقسيم الذي أقرته الدولة، حتى وإن كان يخالف تعاليم المسيحية.

وترى "هدى"، أن تمسك هؤلاء بإعلام الوارثة، في هذه الحالة يأتي بدافع المصلحة، "فالرجل في النهاية سيكون المستفيد الأكبر، إذا منحه إعلام الوراثة ضعف نصيب شقيقته".

يشار إلى أن محكمة استئناف القاهرة/أحوال شخصية، أصدرت في 9 يونيو/حزيران الماضي، حكماَ نهائيا يقضى بالمساواة بين الذكر والأنثى فى الميراث بالنسبة للمسيحيين الأرثوذكس.

غياب الوعي

هذا الحكم كان مشابها لآخر، صدر في 2016، حيث أقرت إحدى المحاكم تطبيق التعاليم المسيحية في الميراث بين أخ وأخته، لتقسم التركة بينهما بالتساوي، لكن حسب الكثير من الناشطين والمحامين المسيحيين، فإن هذا الحكم حالة غير متكررة في المحاكم المصرية.

ويقول "النجار" إن العرف الجاري منذ سنوات طويلة، والذي يطبق الشريعة الإسلامية على الأقباط في المحاكم، من الصعب أن يتم تغييره بنص الدستور فحسب.

ويوضح أن المسألة "بحاجة لحملات توعية إعلامية. وينبغي على الكنيسة أن تنشر الوعي بين الأقباط، بحقوقهم القانونية والدستورية".

وتؤكد "هدى" على مسألة الوعي، موضحة أن قضيتها ربما تسهم بعض الشيء في تعريف الأقباط بحقوقهم.

وتقول إن الدعم، الذي وجدته من مثيلاتها من المسيحييات، سيمكنها من مواصلة طريقها حتى تحصل على حكم ينتصر لها ولهن.

قانون الأحوال الشخصية

ولا تزال الكنائس الثلاث تتباحث بشأن إصدار قانون أحوال شخصية للأقباط.

وفي أبريل/نيسان الماضي، كشف المتحدث الرسمي باسم الكنيسة الكاثوليكية "هاني باخوم"، عن تطورات إيجابية بشأن قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين، كاشفا أنه تم التوصل لصيغ توافقية بين الطوائف المسيحية الثلاث (الأرثوذكسية، والإنجيلية، والكاثوليكية) بعد جدل تصاعد داخل أوساط المجتمع القبطي في مصر، حول صيغ قانون موحد للأحوال الشخصية.

ويتوقع المستشار القانوني للكنيسة الأرثوذكسية "منصف سليمان"، أن يصدر القانون قريبا.

ويقول إنه تم التوافق بالفعل بين الكنائس الثلاث على جميع التفاصيل، ويرى أن صدور القانون سينظم مسألة الميراث للأقباط إلى حد كبير.

ويتبنى المحامي "رمسيس النجار"، نفس الرأي، إذ يرى أن تأخر صدور مثل هذا القانون يسهم في تعطيل المادة (3) من الدستور بشكل كامل.

ويرى "رمسيس"، أن القاضي لا يزال "ينظر للائحة باعتبارها أقل من القانون، وأن القانون المصدق عليه من مجلس النواب سيكون ملزما للقاضي والمحامي والمواطن".

لكن "رمسيس"، يقول إنه كان من المفترض العمل بلائحة الأقباط الأرثوذكس في مسألة الميراث، حتى يصدر القانون الجديد، خاصة أنها تطبق منذ أكثر من خمسين عاما في أمور الزواج والطلاق.

جدير بالذكر أن مشروع قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين في مصر واجه عدة صعوبات ناجمة عن الاختلافات في صيغ توافقية للتعديلات بين الطوائف المسيحية، تركزت في إشكاليات الطلاق، والزواج الثاني في المجتمع القبطي، باعتباره نقطة خلافية بين الطوائف الثلاث.

كما واجه المشروع تعثرا بسبب تباين الطوائف المسيحية الثلاث بشأن الطلاق، حيث لا تقر الكنيسة الكاثوليكية مبدأ الطلاق، وتعترف فقط بمصطلح "الانفصال الجسدي"، ومن ثم فإن موقف الأرثوذكس ينحصر فقط حول الزواج والمواريث، دون الطلاق.

وتعود إشكالية قانون الأحوال الشخصية للأقباط إلى العام 2008، على خلفية التعديلات التي أجراها البابا الراحل شنودة الثالث على لائحة الأحوال الشخصية المعروفة بـ"اللائحة 38"، واقتصرت تلك التعديلات، على تحديد مسببات الطلاق في الزنا، أو تغيير الملة، ما انعكس سلبًا على فئة من المجتمع القبطي، حيث باتت الكنيسة في صراع مع المتضررين أسريًا ومن لا تشملهم شروط الانفصال.

ونالت تعديلات الكنيسة، في عهد البابا "تواضروس" على لائحة الأحوال الشخصية بتوسيع أسباب الطلاق، الاستحسان من الطائفة المسيحية لمنح المتضررين والعالقين على أبواب المجالس الإكليريكية من طالبي الطلاق الأمل بنيل مطالبهم.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

بابا أقباط مصر الإخوة الأقباط قانون الأحوال الشخصية محاكم الأحوال الشخصية قضايا الأحوال الشخصية

النواب المصري ينتظر رأي الأزهر في قوانين الأحوال الشخصية

لحل خلاف أقباط مصر.. ‏صيغة موحدة لقانون الأحوال الشخصية

جدل مساواة الميراث يصل لمصر.. هل يتكرر سيناريو تونس؟

جدل اجتماع كنائس مصر لتعديل قانون الأحوال الشخصية يتجدد

قناة مسيحية في مصر تثير جدلا بعد الاستعانة بمذيع مسلم

تحقيق مع رئيس تحرير مجلة مصرية بسبب الإساءة للكنيسة