استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

صناعة التجهيل العربي

الاثنين 19 أغسطس 2019 02:58 م

  • هل التحالفات التقليدية التي عهدناها انتهت وانكفأت إلى غير رجعة؟
  • مطلوب بصيرة وموقف وإحياء روح الأمة الباحثة عن هوية ومضمون ومعنى.
  • أصبح مصطلح "نظرية المؤامرة" اتهام بالسذاجة لذلك يرفضها الناس بينما يؤمنون بها في أعماقهم.
  • هل وصلت الخلافات بين الأنظمة العربية حدودا لا عودة عنها بالمدى المنظور وإن تكتلات وأحلافاً جديدة تظهر في الأفق؟
  • التفوق العلمي للغرب وللشرق علينا يُطمِع العالم فينا بدءاً من رئيس وزراء الهند مودي إلى نتنياهو إلى أجهزة الاستخبارات الدولية.

*     *     *

كثرة من الناس في الوطن العربي لو سألتها مباشرة "هل تؤمن بنظرية المؤامرة؟"، سيأتيك الجواب لا. ولو أعدت السؤال بصيغة أخرى "هل تؤمن أن الولايات المتحدة والغرب يخططان لإبقاء الوطن العربي ضعيفاً مقسّماً؟ سيأتيك الجواب بالإيجاب.

لقد أصبح مصطلح "نظرية المؤامرة" تهمة بالسذاجة، ولذلك يرفضها الناس، بينما هم يؤمنون بها في أعماقهم.

ويتعرّض الوطن العربي لمؤامرات كثيرة، وباتت الأسئلة هي: هل وصلت الخلافات بين الأنظمة العربية إلى حدود لا عودة عنها في المدى المنظور، وإن تكتلات وأحلافاً جديدة بدأت تظهر على الأفق؟

هل التحالفات التقليدية التي عهدناها انتهت وانكفأت إلى غير رجعة؟

هل صارت الممنوعات والخطوط الحمراء التي ارتضينا عدم تجاوزها مجرد آثار على سطح ماء تزول مع حركة الموج وارتفاع الزبد؟ دعونا نراجع الأمور.

كنا في السابق نؤمن أن إسرائيل هي العدو الأول للوطن العربي، فوجودها تزامن مع الاكتشافات النفطية الهامة في منطقة الخليج وإيران.

ومن الواضح أن إسرائيل التي خطط لإنشائها قبل قرن تقريباً من قيامها الفعلي قد أتت ظاهرة نفطية بدأت عام 1909 باكتشاف النفط في عبدان؟

الجواب طبعاً واضحٌ ضمن السياق التاريخي، ولكن إسرائيل صارت مطلباً مصلحياً للغرب بعد ثورة اكتشافات مصادر الطاقة الجديدة في منتصف القرن الماضي.

كنا في السابق نلعن وعد بلفور، ونحتج على إصداره ممن لا يملك إلى من لا يستحق. أما الآن فصارت في وعد بلفور إشارات لا يؤمن بها بعض المتصهينين من العرب، فقد نادى بحقوق الفئات السكانية من غير اليهود، أما بعض العرب هؤلاء فيقولون إن لإسرائيل حقاً في كل فلسطين. فهل وصل الحال إلى هذا الحال؟

في السابق، لما أنشأنا جامعة الدول العربية اختلفنا على تسميتها، فهل نسميها الجامعة العربية أم جامعة الدول العربية. ووضعنا هدف الوحدة في السياسة والاقتصاد بدون أي تنازل رافداً لأعمالها. واليوم نقاطع بعضنا بعضا، ونُفشِل مشروعاتنا الإقليمية في أبسط المعاملات.

ومع أن أحداً لا يتحدث عن الحروب التجارية العربية البينية، إلا أنها حقيقة تمارس كل يوم على حدود الدول، ومطاراتها، وضد السلع والخدمات والأشخاص.

كنا نعتبر المقدسات فعلاً كذلك، لها حرمتها ومكانتها وندافع عنها، واليوم يتحدّث بعضهم عنها وكأنها ليست رموزاً لهويتنا وكياننا ووجودنا.

لم تبق بيننا في الوطن العربي محرّمات كثيرة لا نمارسها ضد بعضنا بعضا. ولقد بقيت خلافات كثيرة بين العرب على مستوى القادة تترجم نفسها إلى مضايقات للعابرين في النقاط الحدودية..

أما الآن فقد صارت ممارسات طويلة الأجل، يرى فيها العربي نفسه يقف في طابور طويل مهاناً، بينما يمر الآخرون فيه بسرعة وترحاب، متذكّرين قول المتنبي في قصيدته "مغاني الشّعب طيباً في المغاني". ولكن الفتى العربي فيها، غريب الوجه واليد واللسانِ.

ويكثر الحديث عن هذه الظواهر. ولكن السؤال الذي يجب أن نتفكر فيه: هل نحن مقبلون على التجمع، ولو بين الأقطار المتجاورة والأكثر قرباً من بعضها بعضا ثقافة ولهجة واقتصاداً وتوجهاً؟ أم أننا سنكون مرشحين لمزيد من الشرذمة والانقسامات، حتى يصبح لنا ثلاثون أو أربعون عضواً في الأمم المتحدة.

ما يُحزِن في العملية أكثر وأكثر أن الخلافات صارت تتعمق على مستوى الأفراد والجماعات في الوطن العربي. وتغذّي هذه الخلافات ثقافة التجهيل التي تمارس يومياً؛ فالأخبار المفبركة، والصور المُمَنتجة بواسطة الفوتوشوب (Photoshop)، والتحليلات الكاذبة، والأشرطة التي تُبث، صار لها أبطال بارعون في التضليل.

وقد يبدو الأمر في ظاهره كأنه من ابتداع أشخاص حانقين أو غاضبين على أوضاعهم. ولكن الواقع أن هنالك دوائر متخصصة في صنع هذه الأخبار.

لم يعد غسيل الأدمغة قصة مثيرة مارسها الصينيون والكوريون الشماليون، كما ورد في قصة "المرشح المانشوري" The Manchurian Candidate التي كتبها ريتشارد كوندون عام 1959، وأُنتج منها فيلمان سينمائيان.

وفيها يختارون شخصاً مع مجموعة من الجنود الأميركان، ويغسلون دماغهم لتجنيد ذلك الشخص، ويمهدون له الطريق، لكي يصبح رئيساً للولايات المتحدة خاضعاً لرغبات من غسلوا دماغه.

القصة والفيلمان تضعك في جو وكأنه يشبه في إثارته وغموضه وخياله العلمي قصة ماري أوين شيلي عن الدكتور المجنون "فرانكشتاين".

والواقع أن غسيل الدماغ والتحكم بالعقول والسلوك صارت علماً متخصصاً نابعاً من دمج علم النفس وعلم الأعصاب والطب والاجتماع، ومزيج هذه العلوم يمكن عبر المعلومة وشبكات التواصل الحديث من التحكّم، بالسلوك البشري واتجاهاته.

نخضع في الوطن العربي لعملية تضليل كبيرة، وخطة تجهيل واضحة، تجعلنا نشكك في كل ما هو ثابت وأصيل في حياتنا، حتى نصبح حطاماً هشّاً تذروه الرياح.

آن الأوان أن ننتبه من أن التفوق العلمي للغرب وللشرق علينا هو ما يُطمِع العالم فينا بدءاً من رئيس وزراء الهند، نارندا مودي، إلى نتنياهو، إلى أجهزة الاستخبارات الدولية.

نحن بحاجة إلى بصيرة وموقف وعودة إلى إحياء الروح في الأمة التي تبحث لها عن هوية ومضمون ومعنى. وعلى أقل تقدير، علينا أن نستوعب أهمية الاستجابة لهذا التحدي الخطير.

  • د. جواد العناني - خبير اقتصادي، نائب رئيس الوزراء ورئيس الديوان الملكي الأردني الأسبق

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية