فورين بوليسي إن فوكس: الاستبداد الرقمي يتصاعد في الشرق الأوسط

الأربعاء 21 أغسطس 2019 02:57 م

منذ أشهر، على الرغم من الأدلة الواضحة، زعم الرئيس "دونالد ترامب" أنه "لا أحد وجه أصابع الاتهام بشكل مباشر" إلى ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" في مقتل الصحفي البارز "جمال خاشقجي".

وعندما ضغط عليه الصحفيون بشأن الاستنتاجات التي خلصت إليها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، والأمم المتحدة، بأن "بن سلمان" على أقل تقدير، أذن بشكل مباشر بتنفيذ عملية القتل لـ"خاشقجي" خارج نطاق القانون، تفادي "ترامب" السؤال، وأعاد التأكيد على قوة علاقته بولي العهد، قائلا: "أتوافق وأنسجم مع محمد (ولي العهد)".

إن التجاهل الصارخ للانتهاكات الدولية لحقوق الإنسان من جانب رئيس للولايات المتحدة الأمريكية ليس جديدا، خاصة عندما يرتكبها حليف.

ومع ذلك، يبدو أن هذه الديناميكية تنحدر إلى مستويات جديدة في ظل ولاية "ترامب"، الذي عزز مكانة الأنظمة غير الديمقراطية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من خلال منح القادة الاستبداديين دعمه الصريح والاستمرار في تزويدهم بالموارد العسكرية الحيوية.

وبالنظر في الفترة الراهنة التي تشهد التراجع الديمقراطي العالمي، جادل "لاري ديامومد" زميل جامعة ستانفورد، بأن تراجع الديمقراطية يمكن عكس مساره فقط إذا تولت الولايات المتحدة من جديد مهمة تعزيز الديمقراطية.

أحد الجوانب المهمة، على الرغم من أنه يتم تجاهلها في كثير من الأحيان، هو كيف ساعد انتشار تكنولوجيا المراقبة والرقابة في تعزيز الأنظمة الاستبدادية وزودها بالقدرة على خنق المعارضة من خلال مراقبة شعوبها على شبكة الإنترنت، والسيطرة على المعلومات المتاحة، وتعقب المنشقين في جميع أنحاء العالم.  

في التقرير المكون من 100 صفحة حول مقتل "خاشقجي" الذي نشرته الأمم المتحدة، على سبيل المثال، زعم أن "السلطات تمكنت من الوصول إلى اتصالات خاشقجي مع صديقه عمر بن عبدالعزيز (منشق سعودي يعيش في كندا) عن طريق استهداف هاتفه من برنامج التجسس بيغاسوس"، فيما تنفي السعودية هذه المزاعم.

يعتقد أن برنامج "بيغاسوس" صممته مجموعة NSO سيئة السمعة في (إسرائيل)، وهي شركة تكنولوجيا، تبين أنها تبيع تكنولوجيا المراقبة العدائية، إلى مجموعة من الجهات الفاعلة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

وكانت المجموعة مملوكة حتى وقت سابق من هذا العام، لـ"فرانسيسكو بارتنرز" (شركة أمريكية خاصة متخصصة في مجال الاستثمار التكنولوجي).

من أجل حماية الديمقراطية العالمية وتعزيزها وصون الحريات الفردية في المنطقة، فمن الأهمية بمكان، أن تدين الحكومة الأمريكية بأقوى العبارات الممكنة انتهاكات الحقوق الرقمية.

إن استخدام تكنولوجيا المراقبة الإسرائيلية، هو مجرد حالة واحدة ضمن قائمة طويلة من انتهاكات الحقوق الرقمية التي حدثت في المملكة العربية السعودية خلال السنوات الأخيرة.

في أحدث تقرير عن الحريات نشرته منظمة "فريدوم هاوس"، لوحظ أن "حرية الإنترنت انخفضت في السعودية خلال عام 2018، وسط تصاعد عدم التسامح (التعصب) إزاء كافة أشكال المعارضة السياسية والاجتماعية والدينية".

وفقا لتقرير صادر عن جامعة نورث ويسترن في قطر، فإن 54% من الأشخاص يستخدمون الآن VPN أو خدمات مماثلة لها في السعودية في محاولة لإخفاء نشاطهم على الإنترنت من المراقبة الحكومية.

وعلى نفس المنوال، في مصر- حيث لا تزال تدفق هناك المساعدات الأمنية الأمريكية وتبلغ 1.3 مليار دولار سنويا- والتي شهدت إجراءات قمعية عنيفة على كافة المساحات المحتملة للمعارضة، بما في ذلك الإنترنت.

وتمت تسمية الرئيسي المصري الديكتاتور، "عبدالفتاح السيسي"، بـ"الشخص العظيم" من قبل الرئيس "دونالد ترامب"، بالرغم من أنه مسؤول عن حبس حوال 60 ألف سجين سياسي وفقا لمنظمة "هيومن رايتس ووتش".

ونظرا لأن الحكومات في جميع أنحاء المنطقة تتطلع بشكل متزايد إلى الحفاظ على السيطرة عبر خنق حرية التعبير على الإنترنت، تم تقويض الحريات الديمقراطية المتكاملة.

ومع ذلك، لم تمكن الرقابة مستوحاة فقط من خلال قمع المعارضة الداخلية، فعلى نحو متزايد أثرت الصراعات داخل المنطقة أيضا على التحكم في المحتوى.

وكما يقول، "حلمي نومان" من مركز أبحاث بيركمان كلاين، فإن الرقابة الحكومية تمنع الوصول إلى وجهات النظر، وإعداد التقارير متعددة الآراء، في الصراعات الثنائية والداخلية، التي تتناقض مع روايتهم، وهو ما يدل على مدى محدودية التسامح في مناقشة أو تغطية محايدة مع وجهة نظر الدولة.

إن منع انتشار وجهات النظر الأخرى (البديلة) قد يؤدي إلى إطالة أمد الصراعات في المنطقة ويزيد من حدتها، حيث لا يستطيع المواطنون مطالعة مجموعة متنوعة من وجهات النظر.

ولم يقتصر الأمر على صمت "ترامب" بشأن هذه القضية، بل هناك أيضا أدلة أن الشركات الأمريكية عملت بشكل مباشر مع منتجي التكنولوجيا الاستبدادية.

وكما أظهر تقرير استقصائي حديث، أورده موقع "إنترسبت"، عملت شركة IBM وXilinx الشركة المصنعة للشرائح الإلكترونية مع شركة Semptian الصينية المعروفة بإنتاجها تكنولوجيا مراقبة يتم استخدامها في جميع أنحاء المنطقة.

ومع تزايد التوتر حول عدم الشفافية المتعلق ببيع تكنولوجيا المراقبة، قدم المقرر الخاص لحرية التعبير في الأمم المتحدة توصيات بشأن وقف عالمي لبيع برامج التجسس.

وفى بيانه كتب: "مراقبة أفراد معينين، غالبا الصحفيين والناشطين وشخصيات معارضة ونقاد وغيرهم ممن يمارسون حقهم في حرية التعبير، ثبت أنها تؤدي إلى الاحتجاز التعسفي وأحيانا إلى التعذيب وربما القتل خارج نطاق القانون".

إلى جانب الوقف، يجب على الحكومات في جميع أنحاء العالم أن تبدأ أيضا في إدانة علنية لاستخدام تقنيات (تكنولوجيا) القمع.

من أجل الديمقراطية العالمية وحقوق الإنسان الدولية، من الضروري إذن أن تأخذ الإدارة الأمريكية في الاعتبار انتهاكات حقوق الإنسان الرقمية، وكيف يتم استخدام التكنولوجيا الحديثة وبيعها من قبل حلفائها.

إذا لم يتحقق ذلك فقد تستمر انتهاكات حقوق الإنسان الوحشية في الازدهار.

في النهاية يجدر بنا أن نتذكر الكلمات التي نشرها "جمال خاشقجي": "كان هناك زمن اعتقد فيه الصحفيون أنّ الإنترنت سيحرر المعلومات من الرقابة والسيطرة المرتبطَين بوسائل الإعلام المطبوعة، لكن هذه الحكومات التي يعتمد بقاؤها الفعليّ على السيطرة على المعلومات أعاقت الإنترنت بشدة".

يبقي احتمال أن يكون الإنترنت قوة تحرير، ومع ذلك، يتطلب هذا الأمر، كحد أدني، توجيه الانتقاد العلني للدول عندما تنتهك الحقوق الرقمية المتكاملة.

المصدر | الخليج الجديد+فورين بوليسي إن فوكس

  كلمات مفتاحية

حكومات الاستبداد مراقبة الإنترنت تكنولوجيا المراقبة والتجسس شبكة التجسس الإسرائيلية وكالات التجسس مقتل جمال خاشقجي محمدبن سلمان عبدالفتاح السيسي

لوب لوغ: الاستبداد الرقمي أكبر خطر يهدد الديمقراطية بالشرق الأوسط