ماذا وراء التقارب الخليجي الهندي؟

الخميس 29 أغسطس 2019 04:52 م

لقد استقطب الانخراط الصيني مع دول الخليج قدرا كبيرا من الاهتمام في الدوائر السياسية في الشرق الأوسط خلال الأعوام الخمسة الماضية.

وتعمل الحكومة الهندية برئاسة "ناريندرا مودي"، على تطوير روابط استراتيجية مع شبه الجزيرة العربية، لا سيما السعودية والإمارات. 

ويرى "جان-لو سمعان"، أستاذ مساعد في الدراسات الاستراتيجية ملحق بكلية الدفاع الوطني في دولة الإمارات، أن هذه الروابط تتخطى الدوافع الاقتصادية الواضحة، على غرار الاحتياجات الهندية من الطاقة والجالية الهندية الكبيرة في المنطقة، لتشمل التعاون الأمني. 

وتابع: "ثمة أسباب تدعو إلى الاعتقاد أن هذا التقارب الهندي - الخليجي، وهو ليس مؤقتاً على الإطلاق، قد يعيد تعريف العلاقة بين شبه الجزيرة العربية وجنوب آسيا في المستقبل القريب".

وأردف: "على الرغم من أن وجود العمّال الهنود في شبه الجزيرة العربية هو ظاهرة قديمة، سجّلت أعدادهم زيادة سريعة مع الطفرة النفطية في السبعينات، وفي الوقت الراهن، يُقيم نحو 8.5 مليون مواطن هندي في بلدان مجلس التعاون الخليجي التي تُعتبَر مصدراً لـ55% من التحويلات المالية إلى الهند، يردد أبناء الجالية الهندية في الخليج أن دبي هي خامس أكبر مدينة هندية".

وأكد أن "للهند أيضاً مصلحة قومية حقيقية في عبور السلع بأمان في مياه الخليج، فهي تستورد نحو ثلث إمداداتها من النفط الخام من دول مجلس التعاون الخليجي". 
 

  • مشاريع البنى التحتية

وأشار إلى أن "المستثمرين في الدول الخليجية يرون في النمو الاقتصادي الهندي فرصة لتنفيذ مشاريع جديدة، ولا سيما مشاريع في مجال البنى التحتية تشارك فيها شركات خليجية على غرار جهاز أبوظبي للاستثمار أو موانئ دبي العالمية". 

ويساهم حافز أمني مهم أيضاً في الدفع نحو هذا التقارب في العلاقات، فلطالما رأت الهند في الخليج "ملاذاً آمناً" للجريمة المنظّمة الهندية، فقد كانت "لداود إبراهيم"، المطلوب الأول في الهند، علاقات واسعة في مجال الأعمال في شبه الجزيرة العربية التي استخدمتها المجموعات الإرهابية الباكستانية أيضاً بمثابة منصّة داعمة لعملياتها.

وأوضح الكاتب أنه "في البداية، بدت خلفية مودي السياسية في تعارض مع شبه الجزيرة العربية، فهو مناصر قوي للقومية الهندوسية، وقد تلطّخت سمعته على الساحة الدولية بسبب الجدل الذي أثير عندما كان كبيراً للوزراء في ولاية غوجارات، وذلك خلال أعمال الشغب الطائفية التي شهدتها الولاية في عام 2002 وأسفرت عن مقتل مئات المسلمين". 

وتابع: "لكن قادة الخليج، ولا سيما القادة السعوديين والإماراتيين، كانت لهم نظرة مختلفة إلى مودي، إذ التقت مقاربته للتعاطي مع الإسلام السياسي انطلاقاً من الاعتبارات الأمنية مع مقاربتها الخاصة". 

ووصف ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان"، في كلمة ألقاها في حفل أقيم في دلهي في شباط/فبراير الماضي، رئيس الوزراء الهندي بأنه "شقيقه الأكبر". 

وبالمثل، أقام "مودي" روابط غير مسبوقة مع ولي العهد الإماراتي "محمد بن زايد"، وحتى إنه وجّه إليه دعوة ليكون الضيف الأساسي في يوم الجمهورية في الهند في عام 2017، وهو شرفٌ محفوظ تقليدياً لرؤساء الدول. 

وبدأت شركة بترول أبوظبي الوطني "أدنوك" العمل في عام 2018 على عقد مدّته 7 سنوات لملء الخزّانات بـ5.860 مليون برميل من النفط الخام في منشأة في مانغالور. 

وتعمل شركة "أدنوك" أيضاً مع شركة "أرامكو" السعودية من أجل تنفيذ خطة لبناء مصنع لتكرير 1.2 مليون برميل نفط يومياً في ولاية ماهاراشترا الهندية وتُقدَّر كلفته بـ44 مليار دولار. 

تُسلّط هذه الأمثلة الضوء على النمو المطرد في التعاون الثنائي. 

  • مستوى أعمق

ولكن على مستوى أعمق، يتشارك صنّاع القرار في أبوظبي ودلهي آراء متطابقة عن الأولويات الأمنية، ففي ظل قيادة "محمد بن زايد"، تعتبر أبوظبي أن التيارات الإسلامية، خصوصاً "الإخوان المسلمون"، هي التهديد الأكبر لها، وربما يتقدّم هذا التهديد على الأطماع الإقليمية الإيرانية. 

وتلتقي وجهة النظر هذه مباشرةً مع آراء "مودي" ومهندس سياسته الخارجية "أجيت دوفال" الذي كان عميلا سابقا في الاستخبارات، ويشغل حاليا منصب مستشار مودي لشؤون الأمن القومي منذ عام 2014. 

تترتب عن العلاقات الهندية - الخليجية نتائج على الروابط الخليجية - الآسيوية بدءاً من باكستان التي كانت تاريخياً الشريك الآسيوي الأقرب لبلدان مجلس التعاون الخليجي، بفضل وجود يد عاملة باكستانية كبيرة في شبه الجزيرة العربية، والهوية الدينية المشتركة، والدور الأساسي الذي أدّته القوات المسلحة الباكستانية في بناء الملكيات الخليجية. 

بيد أن رفض إسلام آباد الانضمام إلى التحالف الذي تقوده السعودية في الحرب اليمنية في عام 2015 ألقى بثقله على التعاون الباكستاني - الخليجي.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

التقارب الخليجي

ف.بوليسي: الإسلاموفوبيا تفسد مكاسب الهند في الخليج