استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

19011

الجمعة 6 سبتمبر 2019 07:28 ص

19011

مرحلة جديدة تنمحي بالكامل الحدود بينهما وينصهران: السلطة هي الثروة!

لماذا الغضب من شائعة الصيدليات بينما اقتصاد مصر مملوك مباشر بنسبة 50 أو 60 بالمئة للقوات المسلحة.

الجيش يشرف على نحو 2300 مشروع، يعمل فيها خمسة ملايين موظف مدني في جميع التخصصات.

يجري تدبير أسباب لاغلاق ما بيد الأفراد أو دفعهم للافلاس بشروط مفاجئة تُفرض عليهم فالمنافسة مع الغول العسكري والسلطوي مستحيلة.

*     *     *

حسناً! الرئيس السيسي مولود فعلاً في 19-11- 1954.. وقد تكون سلسلسة الصيدليات الجديدة المفتتَحة في مصر، وتحمل اسم "19011"، ترميزاً - مفضوحاً لو صح الأمر - الى هذا التاريخ الجليل، حين وهب الله أم الدنيا ابنها الذي يعتقد (هو يعتقد!) بقوة أنه مكلّف إلهياً بمهمة إنقاذها مما هي فيه من هوان.

أو قد يكون أحد الدهاة من رجال الاعمال، وهم باتوا في أغلبيتهم الساحقة من الضباط الكبار الحاليين أو السابقين، هو من اخترع الاسم في حركة تزلف - مفضوحة هي الأخرى - للرئيس.

مهما يكن، فالبيان الذي ينفي امتلاك القوات المسلحة لسلسلة الصيدليات الجديدة يستخدم مفردات غريبة: هناك قنوات "معادية" ووسائل تواصل اجتماعي "ممنهجة" تختلق "شائعات". ثم أنه لا ينبغي الانسياق وراء تلك "الادعاءات المغرضة" بل "تحري الدقة"..

وكأن الأمر يتعلق بالأمن الوطني أو القومي: نبرة عسكرية - سياسية من قبيل معادي، ممنهَج، مغرِض، وفوقها دعوة لتحري الدقة، والله أعلم كيف، في مكانٍ - مثله مثل سائر بلدان المنطقة - لا يمكن فيه الوصول الى المعلومة التي تحتكرها السلطات..

ليس كسرٍ عسكري فحسب بل كوسيلة للسيطرة المطلقة على شؤون المجتمع كلها، والتحكم فيها، بما يتجاوز مجرد تحقيق الأرباح وما يرتبط بها من نهب وزبائنية. ويُعتبر مشبوهاً من يبحث مثلاً في تاريخ الأمراض في القرن السادس عشر (وقد مات وفات، ولا يمثل خطراً على أحد).

وأما من يحاول الحصول على الخرائط التخطيطية للمدن، ليدرس مثلاً كيف توسعت، فمشبوه بقوة وقد يمضي بقية حياته في السجن.. وقس على ذلك. فأي دقة ممكنة في هذه الاحوال.

ثم لماذا هذا الغضب من شائعة الصيدليات حين يكون الاقتصاد المصري مملوكاً بشكل مباشر بنسبة 50 أو 60 في المئة للقوات المسلحة، وحين تكون قيمة مشاريع البنية التحتية التي يؤسسها الجيش قد تجاوزت 1.5 مليار دولار.

وقد أعلن مؤخراً المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة المصرية، العقيد أركان حرب تامر الرفاعي، أن الجيش "يشرف على نحو 2300 مشروع، يعمل فيها خمسة ملايين موظف مدني في جميع التخصصات"، بينما كان السيسي يؤكد أن قيمة مشاريع الجيش لا تتجاوز 3 في المئة من اقتصاد مصر: الرجاء من الرئيس "تحرّي الدقة" حين يقدم معلومات وأرقام ونسب.

لا يوجد قطاع لا يتغول فيه الجيش. كان زميلنا الباحث (ما هذه المهنة المشبوهة؟؟!) اسماعيل اسكندراني فك الله أسره - فهو يشرف على سنته الخامسة في الاعتقال - قد كتب نصا عن العمران في الاسكندرية  يشرح فيه آلية وضع ضباط الجيش لأيديهم على العقارات في المدينة المتوسطية الجميلة.

الأرجح أن ذلك النص قد فات عليه الزمن، أو أنه بات جزئياً ومن قبيل "الفكة" في العملة أي القروش والملاليم، لأن ما يجري اليوم مهول.

ولا يوجد قطاع، من المضاربة العقارية الى البناء الى الاراضي الزراعية الى المصانع على انواعها الى المناجم الى الدواء الى حليب الاطفال الى النقل مؤخراً (نكاية بأوبر) الى التعليم الخ الخ.. ليس للجيش فيه اليد الطولى.

ويجري تدبير الأسباب لاغلاق ما هو بيد الأفراد، أو دفعهم للافلاس عبر شروط مفاجئة تُفرض عليهم بينما المنافسة مع الغول العسكري والسلطوي مستحيلة على أي حال..

وأما آخر النكات فهو أنه "يسرّ" "جهاز الخدمات العامة للقوات المسلحة" الاعلان عن بيع اللحوم والدواجن للمواطنين.. مباشرة وبالمفرق، بواسطة سيارات صغيرة تجوب الاحياء.. وهكذا فقد يفلس أيضاً أصحاب الدكاكين الصغيرة واللحامين!

كل اجهزة الجيش مسخّرة  لهذه الانشطة: العمال هم الجنود، والشاحنات الناقلة هي تلك العسكرية، والجمارك معفاة لأن وزارة الدفاع هي التي تستورد، ولا ضرائب على الأرباح. هي الجنة إذاً.. وتاريخ 19011 فعلاً مقدس وسماوي.

.. وأما الباقي فهو التوفق بتوصيف علمي و"أرضي" لهذا النمط الغريب والجديد من الاقتصاد ومن السلطة.. وقد قيل أن السلطة في بلادنا كانت دوماً مصدر الثروة (وليس العكس، كما هو الحال في كلاسيكيات الاقتصاد السياسي في الغرب، وهو المبحوث جيداً)، فإذا بالحدود بينهما تنمحي بالكامل: السلطة هي الثروة!

* نهلة الشهال كاتبة وناشطة، رئيسة تحرير "السفير العربي".

المصدر | السفير العربي

  كلمات مفتاحية