احتجاجات مصر الصادمة.. لماذا استجاب المصريون لدعوات محمد علي؟

الاثنين 23 سبتمبر 2019 01:00 م

في ظل حكومة الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" في مصر، غالبا ما تكون المعارضة السياسية باهظة الثمن، وهذا هو السبب أن خروج المئات من الناس مساء الجمعة في موجة من الاحتجاجات المتناثرة في جميع أنحاء مصر كان بمثابة صدمة كبيرة.

كان الدافع الرئيسي وراء التظاهرات غير متوقع بشكل تام: رجل يدعى "محمد علي"، وهو مقاول مصري وممثل غير متفرغ يبلغ من العمر 45 عاما، يقول إنه حصل على عقود باهظة الثمن لبناء مشاريع لصالح الجيش المصري قبل أن يهاجر إلى إسبانيا ليعيش في منفى ذاتي، ويبدأ في بث مجموعة من مقاطع الفيديو تكشف الفساد في مشروعات الجيش وتتهم الرئيس "عبدالفتاح السيسي" بالفساد والنفاق.

على مدار الأسابيع الثلاثة التي انقضت منذ ظهور مقطع الفيديو الأول له، نجح "محمد علي" في تقديم نفسه كصوت بارز يفضح النظام من داخله، وكمعارض رئيسي للسيسي وكمنظم للاحتجاجات أيضا. وقد حولته رواياته المتقنة حول فساد النظام إلى أبرز الأصوات المعارضة في مصر إلى درجة أن الاحتجاجات الأخيرة نشبت بدعوة مباشرة من "علي"، وفي التاريخ والوقت اللذين حددهما بشكل دقيق.

ولكن حجم تأثير "محمد علي" على المدى الطويل ومدى تماسك هذا التأثير وإذا ما كان قادرا على تحفيز المزيد من الاحتجاجات هي أمور لا يزال من المبكر الحكم عليها. وقد أثار صعوده من الظل إلى الصدارة أسئلة في مصر حول ما إذا كانت شهرته المفاجئة قد تم دفعها أو على الأقل استغلالها من قبل جماعات المصالح القوية في البلاد، سواء داخل النظام أو خارجه.

وقالت "إيمي هوثورن" نائب مدير الأبحاث في مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط: "إنه أمر غريب، من هو هذا الشخص؟ ومن يقف وراءه؟ وما الذي دفعه إلى الخروج بهذه المزاعم الآن؟ من الواضح أنه يمتلك علاقات وثيقة، لكن مع من؟".

بالنسبة لبعض المحتجين على الأقل لم يكن "محمد علي" ملهما بقدر ما وفر لهم فرصة للتنفيس عن إحباطاتهم.

قال "علي محمد" (19 عاما) أحد سكان حي بولاق في القاهرة وأحد المشاركين في التظاهرات الأخيرة في ميدان التحرير: "لقد خرجت لأن الطريقة التي يحكم بها السيسي خاطئة ومخزية. مصر تستحق أفضل من بيع أراضيها أو سجن شعبها".

وأضاف: "الناس كانوا ينتظرون فرصة للخروج للشارع. مقاطع فيديو محمد علي ليست هي السبب الحقيقي وراء قيامهم بذلك، السبب أنهم أرادوا التحرك".

مساء السبت، تواجه حوالي 200 متظاهر في مدينة السويس الساحلية على البحر الأحمر مع قوات الشرطة التي أطلقت الرصاص المطاطي عليهم وفق مقاطع فيديو تم بثها على مواقع اتلواصل الاجتماعي.

لكن في القاهرة، لم تظهر علامات على مزيد من الاحتجاجات. وقامت الشرطة بإغراق ميدان التحرير بشكل استباقي يوم السبت وهو الميدان الذي شهد المظاهرات الجماهيرية التي أسقطت نظام الرئيس "حسني مبارك" قبل ثمانية أعوام وأثارت آمال التغيير الديمقراطي.

أكبر من "محمد علي"

ومن المرجح أن يأتي الاختبار الحقيقي لتأثير "محمد علي" نهاية هذا الأسبوع. وفي مقطع فيديو نشر مساء السبت، دعا "محمد علي" لتنظيم جولة جديدة من الاحتجاجات ضد "السيسي" يوم الجمعة المقبل.

على الرغم من أن الشرطة لم تقتل أي متظاهرين يوم الجمعة الماضية، إلا أن قوات الأمن لم تتردد في استخدام القوة المميتة في الماضي، ومن المرجح أن يأمر "السيسي" بشن حملة قمع سريعة وشاملة إذا استمرت الاحتجاجات.

ومنذ وصوله إلى السلطة عبر انقلاب عسكري في عام 2013، عزز "السيسي" قبضته من خلال القمع القاسي الذي أسكت النقاد وقلص حرية التعبير.

وقالت جماعة مراقبة مصرية، هي المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، يوم الأحد إن ما لا يقل عن 274 شخصًا قد قُبض عليهم في الاحتجاجات، وأن بعض المتظاهرين أبلغوا عن تعرضهم للضرب بالغاز المسيل للدموع.

ونظرًا لخطورة العواقب المحتملة للخروج للشارع، يجادل المراقبون أن خروج الناس إلى الشوارع أكبر بكثير من تأثير رجل يبث مقاطع فيديو ضد "السيسي" من ملاذه الآمن في أوروبا.

لكن مقاطع الفيديو على فيسبوك التي نشرها المقاول المصري تحت اسم "أسرار محمد علي" تحولت إلى وجبة يومية ينتظرها الشباب على وسائل الإعلام الاجتماعية، حيث يستمتع هؤلاء بمشاهدة "علي" كل يوم أو يومين وهو يتحدث إلى الكاميرا مدخنا سيجاره بينما يهين "السيسي" بألفاظ مثل "قزعة"، أي قزم، و"عار".

وفي خطابه لعوام الشعب المصري والطبقة العاملة، يلعب "علي" على وتر هيمنة الجيش المتزايدة على الاقتصاد المصري، وهو ينتقد الحكومة لاستدانة مليارات الدولارات من أجل أعمال بناء غير مجدية، ويتهم "السيسي" بإهدار المال العام في مشاريع تهدف لإرضاء غروره الشخصي مثل بناء قصور رئاسية جديدة بملايين الدولارات.

وقد لاقت دعاوي "علي" القبول من العديد من المصريين الذين شهدوا قيام "السيسي" ببناء مشروعات ضخمة في الوضع الذي تتدهور فيه أوضاعهم المالية. وذكرت الحكومة المصرية في يوليو/تموز أن ثلث المصريين يقبعون تحت خط الفقر.

وتمت إزالة العديد من مقاطع "محمد علي" من قبل فيسبوك لأسباب غامضة، لكنها كانت قد حصلت بالفعل ملايين المشاهدات. وعلى تويتر، مزح المصريون قائلين إن حلقات "محمد علي" كانت أكثر إمتاعا من حلقات "نيتفلكس".

ثقة.. وشكوك

وفي الأسبوع الماضي ، دعا "محمد علي" المصريين إلى النزول إلى الشوارع مساء الجمعة بعد مباراة لكرة القدم بين أكبر فريقين مصريين.و يبدو أن ذلك أفسح المجال أمام مئات المصريين -وكثير منهم من الشباب من الطبقة العاملة- للمشاركة في الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك ميدان التحرير وحي الوراق الفقير في القاهرة، وكذلك في الإسكندرية والسويس والمحلة الكبرى.

ومع استجابة المصريين لدعوات "محمد علي" ظهرت نظريات غير مبنية على معلومات حقيقية تشكك في حقيقة دوره. وتكهن بعض المراقبين بأن "محمد علي" قد يكون دمية يسيطر عليها، على الأقل جزئيًا ، كيان آخر، وربما أشخاص في حكومة "السيسي" يسعون إلى تقويض أو حتى الإطاحة بالرئيس أثناء وجوده في الولايات المتحدة لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع.

وقال "خالد داود"، وهو صحفي ومتحدث باسم أحد أحزاب المعارضة في مصر: "الأمر برمته مريب بعض الشيء. لم يقدم محمد علي نفسه كسياسي ولكن كمبلغ عن الفساد. وفجأة قرر أن يتحول إلى قائد ثوري".

ولكن آخرين تسالوا عما إذا كانت الاحتجاجات تلقائية بالفعل، أم أنها تم تنظيمها من قبل جماعات معارضة مثل جماعة الإخوان المسلمون، الجماعة الإسلامية التي سعى "السيسي" إلى قمعها بلا هوادة منذ توليه السلطى بعد الانقلاب على أول رئيس منتخب في تاريخ مصر.

وقال "داود" إن المعارضة، التي فقدت الكثير من قيادتها للسجن أو المنفى، كانت تنتظر لترى كيف تتطور الاحتجاجات ولترى من الذين يحتجون بالضبط قبل أن تقرر المشاركة.

ويزعم داعمو "السيسي" إن جماعة الإخوان هي من تسيطر على الاحتجاجات من وراء الكواليس. وعلى الرغم من صعوبة قياس الرأي العام بدقة في مصر، إلا أنهم يدعون إن الكثيرين من المصريين يؤيدون إصلاحات "السيسي" الاقتصادية والاستقرار الذي جلبه في خضم الاضطرابات المستمرة في جميع أنحاء المنطقة.

وبدا أن معظم المحتجين يوم الجمعة كانوا شبابا في سن المراهقة أو أوائل العشرينات من العمر، ويعني ذلك أن هؤلاء كانوا أطفالا إبان احتجاجات الربيع العربي التي أطاحت بحكم "مبارك" عام 2011.

وقال محللون إنه من الجيد أن ينظر إلى "محمد علي" على أنه بطل شعبي، وهو رجل لم يحظ بتعليم رفيع كسب بنفسه ثروة تقدر بالملايين، وهو يدعي أنه يدافع عن مصالح الطبقات العاملة. ولا يتحدث "محمد علي" كناشط ديمقراطي أو سياسي ولكن كواحد من الشعب.

وقالت "رباب المهدي" أستاذة العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة: "إنه يلقى قبولا من قطاع واسع من المصريين بطريقة لم يفعلها أحد من قبل. هم ينظرون إليه ويرون نسخة ناجحة من أنفسهم".

ربما ليس من المستغرب أن "محمد علي" لا يفتقر للكاريزما أمام الكاميرا. وسبق لـ"علي" أن أنتج وقام ببطولة فيلم حول شباب مصريين يقومون برحلة خطيرة عبر البحر المتوسط ​​إلى أوروبا. وفاز الفيلم يجائزة "الفن من أجل السلام" في لوكسمبورج في يونيو/حزيران من العام الحالي.

لكن دوافع "علي" تظل غامضة، وكذلك مكان وجوده بالضبط في إسبانيا. وفي مقال نُشر في الطبعة الإسبانية لمجلة "فانيتي فير" في يوليو/تموز، قال "علي" إنه قرر الإقامة في برشلونة ومتابعة المشاريع التجارية هناك بعد قضاء عطلة في المنطقة.

ورغم ذلك، يمكننا أن نعزو الثقة التي حازها علي بين المصريين إلى حقيقة كونه أحد المستفيدين من النظام الذي يسعى لهدمه الآن، وأيضا لحقيقة أن لا يبدو مدفوعا بأي أيديولوجيا.

المصدر | نيويورك تايمز

  كلمات مفتاحية

رايتس ووتش تحذر من استخدام أسلحة مميتة ضد متظاهري مصر

وسما "ترامب يدعم سارق" و"السيسي كاذب" يتصدران تويتر مصر

المخابرات الحربية بمصر تتهم 16 ضابطا بالترويج لفيديوهات محمد علي

استطلاع: المصريون لا يؤيدون الخروج في احتجاجات جديدة ويفضلون روسيا على أمريكا