استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

التراث وتحيزات الاستشراق

السبت 4 يوليو 2015 04:07 ص

قد يكون السبب الرئيس للنعرة العلمية عند المستشرقين هو البيئة الأوروبية نفسها التي تربى فيها المستشرق، والتي أخذ منها مناهجه، وذلك لأن البيئة الأوروبية نفسها قد مرت بظروف خاصة حددتها طبيعة مصدرها، وتطور حضارتها. ومنذ عصر النهضة وفي العصر الحديث تطورت الحضارة بفعل قوة الرفض للقديم، بعد أن عانت منه تاريخياً وفكرياً وإنسانياً وعقلياً واجتماعياً، ورفض كل مصدر سابق للمعرفة، نظراً لخيبة الأمل التي حصلت من كشف أخطاء الموروث وكل مصدر سابق للمعرفة باسم الدين أو الحدس أو المثال، واستبدال بذلك كله الإيمان المطلق بالعقل البشري وقدرته، وبالثقة التي لا حدود لها في الفكر الإنساني، وإمكانية وصوله إلى الحقيقة بالجهد الإنساني، وإمكانية وصوله بنفسه دون الاعتماد على أي مصدر مسبق.

والفكر الإنساني على رغم أن باستطاعته الوصول إلى الحقيقة بمحض الجهد العقلي، إلا أنه قد تكوّن في ظروف هيأت لظهوره. ولهذا قامت المذاهب المادية بشتى أنواعها: حسية، وشكية، ونسبية، وتطورية، واجتماعية، وجغرافية، وتاريخية، وفردية، تخلط بين الفكر والظروف التي هيأت لظهوره، وتدرس الظروف التي هيأت لنشأة الأفكار كما اتضح أخيراً في فلسفة تصورات العالم وفي علم اجتماع المعرفة. وكل فكر أصبح تاريخاً، وكل وعي أصبح من نتائج البيئة وفعل الأساطير، وإسقاط الشعوب، وكل قيمة أصبحت متغيرة خاضعة لتحديدات الزمان والمكان. كل شيء يتغير ولا ثبات هناك إلا التغير نفسه. وأصبح من السهولة بمكان إعادة تفسير الحضارة الأوروبية والمذاهب التي نشأت فيها بالرجوع إلى ظروفها التاريخية، ثم يتحول ذلك إلى عادة تطبَع عقليات الباحثين الأوروبيين، يعممونها في كل حضارة حتى تلك التي لم يحدث فيها بعد هذا الرفض للموروث القديم كما حدث في الحضارة الأوروبية.

وفي تلك البيئة درس المستشرق. فهو باحث أوروبي بثقافته وتكوينه، وبطبعه ومزاجه، وهو باحث أوروبي إذ لم يستطع أن يتخلص من تحيزات بيئته الثقافية، ولم يستطع تجاوزها وتحييد أحكامها، وعدم الوقوع في أخطائها. وربما يصعب ذلك للغاية ولا يقدر عليه إلا باحث غير أوروبي استطاع أن يعي حضارته ويدرس الحضارة الأوروبية بإرجاعها إلى بيئتها وظروفها التاريخية دون أن تصيبه عدواها.

ولذلك، فإن دراسات المستشرقين ليست «دراسات موضوعات،» بل «موضوعات دراسة»، أي أنه لا يمكن استعمالها كمصادر علمية أو كبراهين يمكن الاستدلال بها والاعتماد عليها قبل تمحيصها أولاً والتحقق من صدقها، وبيان ما يرجع منها للباحث المستشرق بتكوينه وثقافته ومزاجه وما يرجع منها إلى الظاهرة نفسها، وإبعاد كل التحليلات التي من شأنها إما القضاء عليها، أو إفراغها من مضمونها، أو تحليلها تحليلاً صناعياً، أو إرجاعها كلية إلى التاريخ.

ونظراً لطول المهمة ونشأة الاستشراق منذ بداية العصر الحديث، فإن دراسات المستشرقين تصبح موضوع دراسة مستقل، إذ إن الجهد المبذول في تمحيصها يكون أكثر بكثير من النتيجة التي يمكن الحصول عليها منها والاستفادة بها، وتكون النتائج التي تدل على موقف المستشرق بالنسبة للظاهرة ومنهجه في دراستها أكثر وأعظم وأدل.

ولذلك، فالاستشراق ليس جزءاً من الحضارة الإسلامية، ولا يرتبط بها ولا يفيد شيئاً، بل هو جزء من الحضارة الغربية يكشف عن تكوين الباحث الأوروبي ومزاجه، ويكشف عن حقيقة ما يُسمى بالموضوعية أو العملية، كما يبين عمل شعور الباحث الأوروبي في دراساته لحضارات أخرى غير حضارته ويعرض تحيزاته.

ولما ظهرت معظم المناهج الاستشراقية في القرن التاسع عشر الأوروبي، فقد سادها المذهب الوضعي السائد، فخرجت وضعية تاريخية إلى أقصى حد، واستقر المستشرق في القرن العشرين على هذا المذهب ولم يفارقه، وأصبح متخلفاً عن زميله الباحث الأوروبي في العلوم الإنسانية. وإذا كان الباحثون الأوروبيون قد ثاروا على المناهج الوضعية في القرن التاسع عشر، فإن زملاءهم المستشرقين لم يفعلوا بالمثل، وظلوا متخلفين فكرياً ومنهجياً، لأن الدوافع ثابتة، وأهداف الاستشراق لم تتغير، ووجدوا المناهج الوضعية في القرن التاسع عشر أكثر استعداداً لتحقيق هذه الأهداف، ولم يخرج على هذا إلا القليل الذي تابع تطور مناهج العلوم الإنسانية.

 

* د. حسن حنفي أستاذ الفلسفة - جامعة القاهرة

  كلمات مفتاحية

الحضارة الإسلامية التراث الاستشراق الحضارة الغربية

الدراسات الاستشراقية .. والنعرة العلمية

الاستشراق.. وتنميط العرب في أميركا

المنهج التاريخي عند المستشرقين

الاسـتشــراق والمنـهــج الإسـقــاطي

الاسـتشـراق ومنهـج الأثـر والتـأثــر

ما بعد الاستشراق الأمريكي والعالم الإسلامي: إنتاج المعرفة في عصر الامبراطورية

اليونسكو يختار الإمارات رئيسا لبرنامج «ذاكرة العالم»

عن التراث والعنف .. هل نحرقه لكي ترضوا؟!

اكتشاف مستوطنة أثرية تعود للقرن الرابع قبل الميلاد في تبوك

مراجعة التراث .. بيدي لا بيد عمرو!