دبلوماسية أربعة عقود.. «الفيصل» بين رفض غزو العراق ودعم انقلاب مصر

الخميس 9 يوليو 2015 09:07 ص

توفى وزير الخارجية السعودي السابق، الأمير« سعود الفيصل»، اليوم الخميس، بعد شهرين من تركه منصبه، الذي ظل يشغله أربعين عاما.

وخلال وجوده في هذا المنصب شهد عدوان دولة الاحتلال الإسرائيلي على لبنان في أعوام 1978 و1982 و2006 وانتفاضتين فلسطينيتين في 1987 و2000 والحرب العراقية الإيرانية (1980- 1988) وغزو الكويت عام 1990، واحتلال التحالف، الذي قادته الولايات المتحدة، للعراق عام 2003.

كان «الفيصل» على طبيعته سواء وهو يرتدي الدشداشة العربية أو الملابس الغربية ورابطة العنق، وسواء كان يتحدث باللغة العربية أو الإنجليزية، وأثبت براعته في توصيل جوهر الرسالة السعودية بكل ذكاء متجاوزا التفاصيل الدبلوماسية المنمقة، وفق تقرير لوكالة«رويترز» للأنباء.

وخلال لحظة توتر في علاقات السعودية مع الولايات المتحدة حليفها الرئيسي عام 2004، وصف الرجل العلاقة بأنها «زواج إسلامي» تستطيع فيه المملكة الاحتفاظ بعدة زوجات ما دامت تستطيع أن تعدل بينهن.

وفي السنوات الأخيرة احتفظ بتوقد ذهنه وبراعته حتى عندما جعلت شكوى مزمنة من آلام الظهر وأمراض أخرى يديه تبدوان مرتعشتين وكلامه غير واضح في المناسبات العامة.

ففي أوائل عام 2012، سئل عما إذا كان يعتقد أن تسليح مقاتلي المعارضة السورية فكرة جيدة فجاء رده سريعا «أعتقد أنها فكرة ممتازة».

ولد الأمير «سعود الفيصل»، وهو أحد أبناء الملك «فيصل بن عبد العزيز آل سعود» عام 1940 في مدينة الطائف الجبلية قرب مكة (غرب) حيث ساعد عام 1989 في التفاوض على اتفاق الطائف الذي وضعت بمقتضاه الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاما أوزارها.

حصل «الفيصل» على البكالوريوس من جامعة «برنستون» في الستينات من القرن الماضي، ثم قضى أعواما في وزارة البترول تحت رعاية وزير البترول السعودي «أحمد زكي يماني» صاحب الشخصية الكارزمية، والصديق المقرب من والده.

وبدأت مسيرته في العمل الدبلوماسي في ظروف صعبة؛ فقد اختاره الملك «خالد»، عقب توليه الحكم، وزيرا للخارجية بعد اغتيال والده الملك «فيصل»، حيث ظل الأخير محتفظا بمنصب وزير الخارجية بعد أن أصبح ملكا عام 1962.

ورغم كل مهاراته كدبلوماسي أخفق الأمير «الفيصل» في جعل وزارة الخارجية السعودية وزارة ذات عمق مؤسسي كبير.

قال دبلوماسيون في الرياض إن السياسة الخارجية السعودية مثل جهاز الضوء الكاشف قادرة على التركيز الشديد على المجال الذي يهتم به الملك، والأمير «الفيصل» أكثر من غيره، غير أنها تعجز عن المتابعة عندما يتحول الاهتمام إلى مجال آخر.

عندما تم تعيين «الفيصل» وزيرا للخارجية في مارس/آذار عام 1975، تمثلت العوامل المهيمنة على المنطقة في مساجلات الحرب الباردة ومنافساتها، وبدا أن القومية العربية والاتجاهات العلمانية هي التي تحمل في طياتها وعود المستقبل.

فلم تكن مصر ودولة الاحتلال الإسرائيلي وقعتا معاهدة السلام، وكان «ياسر عرفات» يقود «منظمة التحرير الفلسطينية» من مخيمات اللاجئين في لبنان، وكان شاه إيران يجلس على عرش الطاووس. أما في العراق فكان «صدام حسين» يخطط للوصول إلى الحكم.

وهيمنت علاقة الرياض بـ«صدام» على فترات طويلة من السياسة الخارجية السعودية في ظل «الفيصل»، وتحولت من التأييد الحذر خلال الحرب العراقية الإيرانية إلى العداء الشديد بعد اجتياح الكويت.

ورغم التاريخ المعقد كان «الفيصل» يعارض علانية غزو العراق عام 2003، ويخشى بفطنته وبصيرته ما قد يحدثه من فوضى تؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة.

وقال في مقابلة مع التلفزيون البريطاني: «إذا كان التغيير سيأتي بتدمير العراق فأنتم تحلون مشكلة وتخلقون خمس مشاكل أخرى».

في عام 2002، دعم الفيصل أكبر مبادرات الملك «عبد الله بن عبد العزيز» في السياسة الخارجية، والتي تمثلت في خطة عربية للسلام مع دولة الاحتلال الإسرائيلي مقابل انسحابها من كل الأراضي المحتلة وتسوية مشكلة اللاجئين.

وقال لدولة الاحتلال الإسرائيلي في ذلك الوقت إنها إذا قبلت الاقتراح فستقيم المنطقة كلها سلاما معها وتعترف بحقها في الوجود وأكد أنه إذا لم يحقق ذلك لها الأمن فلن يوفره لها السلاح.

ولم توافق دول الاحتلال على هذه المبادرة وكثيرا ما ردد الأمير «الفيصل» أن أكبر سبب للإحباط في مسيرته كان الإخفاق في إقامة الدولة الفلسطينية.

لكن ما أثار الجدل مؤخرا، هي دعم الفيصل للانقلاب العسكري في مصر، الذي أطاح بـ محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في مصر، وهو ما قاله وزير الخارجية المصري «سامح شكرى»، اليوم، في تصريحات نعى بها الراحل حيث قال إن «الشعب المصري لا يمكن أيضا أن ينسى للمغفور لَه مواقفه الداعمة لإرادته في 30 يونيو (حزيران 2013) وتحركاته الخارجية الداعمة لمصر»، في إشارة إلى المظاهرات التي اتخذها قادة الجيش ذريعة للانقلاب على « مرسي».

وكشفت وثيقة «منسوبة» للدبلوماسية السعودية نشرها موقع «ويكيليكس»، مؤخرا، أن «الفيصل»، حذر من تبعات فوز «مرسي» برئاسة مصر على استقرار الأردن، حاثا العاهل السعودي الراحل، «الملك عبد الله بن عبد العزيز» على التدخل.

  كلمات مفتاحية

السعودية سعود الفيصل وفاة

«كيري» ناعيا «الفيصل»: كان من بين وزراء الخارجية الأكثر حكمة

الديوان الملكي يعلن وفاة «سعود الفيصل» عن عمر 75 عاما

«ويكيليكس»: «سعود الفيصل» حذر من تبعات فوز «مرسي» على استقرار الأردن

الأمير «سعود الفيصل» للملك «سلمان»: «سوف أظل الخادم الأمين»

«سعود الفيصل»: لسنا في حرب مع إيران لكن عليها التوقف عن دعم الحوثيين

نعي عربي ودولي واسع لـ«عميد الدبلوماسية» الأمير «سعود الفيصل»

السعودية تودع «سعود الفيصل» في جنازة مهيبة بالحرم المكي

ماذا بعد «سعود الفيصل»؟

لجنة «شيلكوت»: بريطانيا تسرعت فى غزو العراق و«بلير» استند على معلومات خاطئة