من اللوبيات إلى الجامعات.. كيف تشتري الدول الأجنبية النفوذ في واشنطن؟

الأحد 17 نوفمبر 2019 01:42 م

يعد التأثير الأجنبي في أمريكا موضوع الساعة. فمن التحقيق في طلب الرئيس "دونالد ترامب" من دولة أجنبية إجراء تحقيقات للإضرار بمنافسه السياسي، لاتهام محاميه الشخصي، "رودي جولياني"، بتوجيه أموال أجنبية بطريقة غير مشروعة إلى الانتخابات الأمريكية، يزداد الاستنكار في البلاد لأخبار التأثير الأجنبي غير المشروع في العملية السياسية.

وفي حين أن مثل هذه الجهود لتخريب الانتخابات الأمريكية تحظى بالعناوين الرئيسية، لا يزال هناك كنز من الطرق القانونية المثالية التي تستطيع بها القوى الأجنبية تخريب الديمقراطية الأمريكية. وهم لا ينتظرون يوم الانتخابات لفعل ذلك، بل يفعلون ذلك كل يوم من أيام العام.

جماعات الضغط تسن التشريعات

ولدى القوى الأجنبية طريقة مباشرة للتأكد من أن صوتها مسموع في واشنطن؛ حيث تعمل لوبيات القوة على التحكم فيما يقوله الأعضاء المختلفون في الكونغرس. وقد يبدو ذلك قاسيا بعض الشيء على الأسماع، لكنه أمر شائع بالفعل، وقد كشف الصحفي "لي فانغ" مثالا نموذجا لهذا مؤخرا.

وفي 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، قام النائب "إد رويس"، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب آنذاك، بقراءة كلمة له في الكونغرس حرفيا من مجموعة من نقاط الحوار التي أعطاها لمكتبه لوبي يعمل لصالح الحكومة السعودية.

وبينما ناقش النائب "رو خانا"، ومجموعة من المشرعين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، الاحتجاج بقانون صلاحيات الحرب لإنهاء الدعم الأمريكي للحرب في اليمن، قام "أري فريدمان"، وهو عضو في جماعات الضغط يعمل لصالح مجموعة "هوجان لوفيلز"، التي تمثل السعودية، بتوزيع نقاط الحوار التي وضعتها السعودية على "إد رويس" وغيره. وقد قام "رويس" بطرح هذه النقاط المهمة للغاية، كلمة بكلمة.

وقد يبدو هذا نجاحًا استثنائيا لجماعة ضغط تابعة لقوة أجنبية، لكنه في الواقع أمر شائع جدا. وقد وثق تقرير صادر عن مشروع الإشراف الحكومي، شارك في تأليفه "بن فريمان"، أمثلة متعددة عن قيام عملاء أجانب بكتابة الخطب، وحتى التشريعات، لأعضاء الكونغرس.

وأظهرت التحقيقات أن وكيلا أجنبيا قد قدم تعديلات على مسار تشريع مقترح لموظف يعمل لدى السيناتور "دانييل إينو". وعندما تم تقديم التشريع أخيرا من قبل السيناتور، فقد تضمن الصيغة التي اقترحها اللوبي.

وذكرت مبادرة شفافية التأثير الأجنبي في "مركز السياسة الدولية"، مرارا وتكرارا، كيفية قيام وكلاء الحكومات الأجنبية بتقديم مساهمات مالية في الحملات الانتخابية لممثلي الكونغرس عن طريق مجموعات الضغط.

وفي بعض الأحيان يتم تقديم مثل هذه التبرعات في نفس اليوم الذي يتم الاجتماع فيه مع عضو الكونغرس. وأثناء التحقيق في شؤون اللوبي السعودي عام 2018، وجدنا ما لا يقل عن 5 حالات تلقى فيها المشرعون مساهمات لحملاتهم في اليوم الذي أمضوا فيه هم أو موظفوهم الوقت مع شخص يعمل لصالح السعوديين.

وفعلت الشركات الممثلة للسعودية هذا مع السيناتور "جيم إينهوفي"، والسيناتور "روبرت مينينديز" والسيناتور "تينا سميث"، والسيناتور "بن كاردين"، والنائب "مايك كونواي".

والأكثر إثارة للانتباه هي المساهمات التي تمت مباشرة قبل التصويت الهام في الكابيتول هيل.

وعلى سبيل المثال، تلقى السيناتور "بيل نيلسون" ما مجموعه 3 آلاف دولار من شركة "برونشتين فاربر شريك"، وهي شركة تمثل السعوديين، في الأيام الأربعة التي سبقت 20 مارس/آذار 2018، وهو يوم التصويت على القرار الذي تم طرحه لإنهاء دعم الولايات المتحدة للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.

وجاءت إحدى هذه المساهمات يوم التصويت. وانتهى الأمر بـ "نيلسون"، الذي فقد مقعده في مجلس الشيوخ منذ ذلك الحين، بالتصويت ضد القرار بما يتماشى مع المصالح السعودية.

وفي حين يُمنع الرعايا الأجانب من تقديم مساهماتهم للحملات الانتخابية، فلا شيء يحظر على المواطنين العمل نيابةً عن هؤلاء الأجانب ودفع هذه التبرعات. وقد يجادل البعض بأن المساهمات من هذا النوع تبدو بشكل ملحوظ مثل الرشوة، لكنها قانونية تماما، وفقا لقانون تسجيل الوكلاء الأجانب "فارا"، طالما أنها يتم الإبلاغ عنها.

شراء مراكز الفكر

وتتمتع القوى الأجنبية بقدرة كبيرة، من خلال جماعات الضغط التابعة لها، على التأثير مباشرة في تشريعات الكونغرس. ولديها أيضا 3 طرق قانونية تماما على الأقل ولكن غير مباشرة لمحاولة تغيير السياسة الخارجية للولايات المتحدة لصالحها، وذلك عبر مراكز الفكر والإعلام والأوساط الأكاديمية.

وكما وثق تقرير مركز السياسة الدولية الأخير عن تأثير الإمارات في أمريكا، فغالبا ما تعمل جماعات الضغط التي توظفها قوى أجنبية مباشرةً مع مؤسسات الفكر المؤثرة لتشكيل السرد حول الدول التي تمثلها.

ويجتمع ممثلو هذه اللوبيات مع خبراء في مراكز البحوث، ويزودونهم بنقاط للحديث، ويقدمون المساعدة البحثية، وفي بعض الأحيان يقدمون لهم رحلات مدفوعة التكاليف بالكامل إلى البلد المعني.

ويتم توزيع نقاط الحوار هذه على المثقفين المتخصصين في الفكر للتأثير على ما يكتبون أو سيقولون، وغالبا ما يتم مشاركة عملهم مع العديد من مكاتب نواب الكونغرس. وعبر هذه العملية، يتم توصيل رسالة القوة الأجنبية إلى خبراء الفكر المتعاطفين الذين يرددون بعد ذلك نقاط الحديث نفسها في عملهم أو خطاباتهم أو حتى شهاداتهم أمام الكونغرس، دون الحاجة إلى الكشف عن صلاتهم بتلك الدولة.

على سبيل المثال، كما وثق تقريرنا حول الإمارات، فإن "مايكل نايتس"، وهو زميل أكبر في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، كان لديه علاقة وثيقة للغاية مع جماعات الضغط التي تعمل نيابة عن الإمارات، وغالبا ما كررت تعليقاته العامة وجهة النظر الإماراتية.

وفي مقال كتبه "نايتس"، في 14 يونيو/حزيران 2018، حول تحرك الإمارات "لتحرير" ميناء الحديدة اليمني، عكس "نايتس" عن كثب ذات الآراء التي توجهها مجموعة ضغط تعمل نيابة عن الإمارات، وهي نفس الآراء التي عبر عنها "أنور قرقاش" وزير الدولة الحالي للشؤون الخارجية في الإمارات.

وتظهر ملفات "فارا" كذلك أن "نايتس" كان له علاقة وثيقة بـ "ريتشارد مينتز"، العضو المنتدب لمجموعة "هاربور جروب"، التي تمثل أيضا دولة الإمارات في واشنطن.

وبحسب ما ورد، قام "مينتز" بالتنسيق مع "نايتس" في 4 رحلات منفصلة لزيارة قوات الإمارات في اليمن.

وبعد ذلك، كتب "نايتس" تحليلا غير نقدي بشكل واضح حول عمليات الإمارات في اليمن، حيث تغافل على سبيل المثال عن ذكر برنامج الاغتيالات المستهدفة الذي أشرف عليه المسؤولون الإماراتيون هناك، أو حقيقة أن أبوظبي قدمت أسلحة مقدمة من الولايات المتحدة إلى تنظيم "القاعدة" وغيره من المجموعات المتشددة.

ورفض "نايتس" أيضا اتهام قوات الإمارات بارتكاب جرائم حرب باعتباره مجرد عمل من قبل "الوكلاء المحليين".

وفي حين يتعين على الوكلاء الأجانب المسجلين قانونا أن يعلنوا أي شيء يوزعونه نيابة عن قوة أجنبية، فليس هناك شرط من هذا القبيل لخبراء مراكز البحوث.

وفي الواقع، لا يتعين على مثل هذه المؤسسات أن تكشف أنها تتلقى تمويلا من قوى أجنبية. وبموجب القانون الحالي، من القانوني تماما للباحثين الذين يتم تمويل أعمالهم من قبل حكومة أجنبية صياغة مقال أو بحث مع الوكلاء الأجانب المسجلين لتلك الحكومة دون الكشف عن أي تفاصيل.

وقد يصبح هذا مشكلة خاصة عندما يدلي هؤلاء الخبراء بشهادتهم أمام الكونغرس دون الكشف عن تضارب المصالح المحتمل. ويطلب مجلس النواب من الشهود الكشف بالكامل عن التمويل الأجنبي وحالات تضارب المصالح قبل الإدلاء بشهاداتهم.

لكن في العديد من الحالات، لا يكشف هؤلاء الخبراء عن الأموال التي تتلقاها مؤسساتهم من الحكومات الأجنبية. ويسمح للعديد من الشهود باعتماد تفسير ضيق للغاية "لتضارب المصالح" في شهادتهم. ويعني ذلك أنهم ببساطة لا يكشفون عن علاقاتهم الخارجية.

على سبيل المثال، فشل خبراء من "المجلس الأطلسي"، الذي تلقى ما لا يقل عن 2 مليون و585 ألف دولار من التمويل الأجنبي في عام 2018، في الكشف عن هذا التمويل عند مثولهم أمام الكونغرس.

ولعل أبرز ما حدث أن خبيرين من المجلس الأطلسي شهدا بشأن "إصلاح مجلس الأمن القومي" و"هزيمة الإرهاب في سوريا" لم يكشفا عن أكثر من مليون دولار تلقاها المجلس الأطلسي من سفارة الإمارات في واشنطن، على الرغم من أن الإمارات بلا شك كانت مهتمة بكل من هذه القضايا.

تشكيل السرد في وسائل الإعلام

وتعد وسائل الإعلام هدفا رئيسيا آخر لعمليات التأثير الأجنبية. وتدير بعض الحكومات، بطبيعة الحال، منافذها الإعلامية الخاصة بها في أمريكا، ويُطلب من العديد منها التسجيل بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب.

ومن الأمثلة الواضحة على ذلك "سي سي تي في" الصينية، و"آر تي" الروسية، التي تمت الإشارة إليها باعتبارها "منفذ الدعاية الدولي الرئيسي للكرملين" في تقرير مدير الاستخبارات الوطنية حول التدخل الروسي في انتخابات عام 2016.

وبالطبع، تواصل القوى الأجنبية الانخراط في عدد من الأنشطة غير القانونية في مواقع "تويتر" و"فيسبوك" بهدف التأثير على السياسة الداخلية، وكذلك وجهات النظر الأمريكية في تلك البلدان. وفي أوائل نوفمبر/تشرين الثاني، على سبيل المثال، تم اتهام موظفين سابقين في "تويتر" بالتجسس لصالح السعودية والوصول إلى المعلومات الخاصة بنقاد المملكة في الولايات المتحدة.

وبينما كان النفوذ الأجنبي في السياسة يتصدر عناوين الصحف على الدوام، إلا أنه يمكن القول إنه منتشر بنفس القدر في الجامعات الأمريكية. وقد حظى النفوذ الصيني في هذا المجال، باهتمام كبير في الأعوام الأخيرة.

وكانت معاهد "كونفوشيوس"، والمراكز اللغوية والثقافية في الكليات الأمريكية، التي مولتها الحكومة الصينية، محط اهتمام تحقيقات الكونجرس المفتوحة حول الدور الذي يمكن أن تلعبه الحكومات الأجنبية في الحرم الجامعي.

ووفقا لتقرير صادر عن مجلس الشيوخ في أوائل عام 2019، فإن "تمويل معهد كونفوشيوس يأتي بقيود قد تضر بالحرية الأكاديمية"، مما يسمح للحكومة الصينية بلعب دور الرقابة على المؤتمرات الأكاديمية على التراب الأمريكي، وحتى على مواد المقررات التي تنتقد الصين.

واحتل النفوذ الصيني في الحرم الجامعي العناوين الرئيسية مؤخرا، لكن هذا البلد هو واحد من أكثر من 100من الدول التي أنفقت 9 مليارات دولار من الأموال الأجنبية على الجامعات الأمريكية في الأعوام الخمسة الماضية، وفقا لوزارة التعليم، ولم تكن الصين اللاعب الأكبر بينها. ويذهب شرف الصدارة في هذا المجال إلى قطر التي قدمت أكثر من 1.3 مليار دولار للجامعات الأمريكية منذ عام 2014، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف ما قدمه الصينيون.

وفي حين أن ما لا يقل عن 24 جامعة قطعت علاقاتها مع معاهد "كونفوشيوس"، فإنها كانت أكثر ترددا في قطع العلاقات مع الحكومات الاستبدادية الأخرى.

وبعد القتل الوحشي لـ "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية في اسطنبول بتركيا، على سبيل المثال، واجهت الجامعات ومؤسسات الفكر ضغوطا كبيرة لقطع العلاقات مع السعودية، لكن القليل منها فعل ذلك. ومنذ عام 2014، تلقى معهد "ماساتشوستس" للتكنولوجيا، وهو واحد من أعرق المؤسسات الجامعية في البلاد، أكبر قدر من المال من السعوديين بواقع 77 مليون دولار على الأقل، وفقا لسجلات وزارة التعليم.

وبعد الغضب الذي أعقب اغتيال "خاشقجي" الوحشي، بدأ المعهد في إعادة تقييم علاقاته المالية مع المملكة. ومع ذلك، في فبراير/شباط، عندما لم يعد هذا الغضب من مقتل "خاشقجي" في صدارة الاهتمامات، تم تسريب رسالة مرسلة إلى طلاب المدرسة والمعلمين خلصت إلى أن الكلية يجب أن تكون "قادرة على مواصلة ارتباطاتها الحالية مع الزملاء والطلاب، والجهات الراعية للبحوث العامة والخاصة، من السعودية، طالما بقيت هذه المشاريع متسقة مع سياسات وإجراءات معهد "ماساتشوستس" للتكنولوجيا والقوانين واللوائح الأمريكية.

وقد يكون التأثير السعودي في الحرم الجامعي أكثر مباشرة من التمويل. وفي حالة واحدة على الأقل، كان وكيل أجنبي مسجل نيابة عن المملكة يعمل أستاذا في حرم الكلية.

ووفقا لتقرير صادر عن "براين ماك غلنشي"، الخبير في النفوذ السعودي في أمريكا، فقد كان "بيل سمولين"، رئيس الموظفين السابق لوزير الخارجية "كولن باول"، وكيلا يعمل نيابة عن المملكة بينما كان يشغل منصب مدير كلية "ماكسويل" لدراسات الأمن القومي بجامعة "سيراكيوز".

وتُظهر ملفات "فارا" أن "سمولين" حصل على المال لـ "دعم العلاقات العامة" للسعوديين، بينما كان يشغل منصب رئيس برنامج الأمن القومي المرموق. وعندما تم سؤاله عما إذا كانت الأموال السعودية قد تدفعه إلى إظهار المملكة في ضوء أفضل في "سيراكيوز"، سرعان ما رفض "سمولين" الفكرة قائلا: "لا أعتقد أن هناك أي تضارب في المصالح".

توسيع دائرة الضوء ليشمل التأثير الأجنبي القانوني

يعد التدقيق الذي تم بحق الجهات الفاعلة الخبيثة، مثل شركاء "رودي جولياني"، وتعاملاتهم المزعومة مع النخب الأوكرانية للتأثير في الانتخابات الأمريكية، أمرا مبررا بالتأكيد، فنحن نعيش في عالم تظل فيه قدرة القوى الأجنبية على تقويض الديمقراطية الأمريكية تشكل تهديدا حقيقيا. ومع ذلك، نادرا ما يفكر أي شخص في التأثير الذي تمارسه القوى الأجنبية عبر عمليات قانونية تماما لا يتم تغطيتها العناوين الرئيسية.

ويمكن القول أن النظام السياسي الأمريكي، الذي كان دائما عرضةً للتأثير الخارجي، قد أصبح أكثر عرضة للتدخل الأجنبي الآن مما كان عليه منذ عقود، ومعظم هذا التدخل قانوني تماما.

ومن الشهود الذين يدلون بشهاداتهم أمام الكونجرس، إلى العملاء الأجانب الذين يملأون صناديق الحملات بالأموال، وصولا إلى مراكز الفكر والمؤسسات الإعلامية والجامعات، لا تزال هناك مجموعة من الطرق القانونية تلعب القوى الأجنبية من خلالها لجعل سياسة واشنطن تعمل وفق إرادتها.

وإذا أرادت واشنطن الحفاظ على ديمقراطيتها نظيفة، فيجب تسليط الضوء على  جميع أشكال التأثير التي تسعى إلى تقويض ذلك الأمر.

المصدر | رايان سامرز وبن فريمان - لوب لوج

  كلمات مفتاحية

اللوبيات الممولة جماعات ضغط أمريكية الديمقراطية الأمريكية التدخل في الانتخابات الأمريكية تمويل أجنبي

«ذا إنترسبت»: السعودية استبقت زيارة «ترامب» بإنفاق مكثف على أنشطة الضغط والدعاية في واشنطن