تعطيل تصدير النفط العراقي يتجاوز انهيار الاقتصاد

الأحد 24 نوفمبر 2019 06:24 م

إذا كان لبنان يخسر يوميا 700 مليون دولار في خضم الاحتجاجات الشعبية التي تجتاحه منذ أسابيع، فإن العراق بثروته النفطية الضخمة يخسر أكثر من ذلك في خضم احتجاجات مماثلة، لكنها خلفت حتى الآن مئات القتلى والجرحى.

المعطيات المتوفرة في هذا السياق من أكثر من مصدر تفيد بأن إغلاق ميناء أم قصر التجاري من قبل محتجين ومتظاهرين كلّف البلاد أكثر من 6 مليارات دولار في أسبوع واحد، أواخر الشهر الماضي وأوائل الشهر الحالي نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

ويعد أم قصر الذي يتعرض للتعطيل الجزئي عن العمل بسبب قطع الطرق إليه، الميناء الرئيسي للعراق على ضفة الخليج الشمالية، فالقسم الأكبر من صادرات النفط والواردات من الحبوب والمواد الغذائية والأدوية اللازمة لمختلف مناطق العراق تتم عن طريقه.

لا حياة للاقتصاد بدون نفط

ومن تبعات  تأخير رسو البواخر وتفريغها في الوقت المحدد تلف الكثير من من هذه المواد التي ينتظر وصولها ملايين العراقيين.

ويزيد الطين بلة أن توقف الصادرات النفطية يعني انهيار الاقتصاد ومعه الدولة العراقية خلال أشهر قليلة، لأن العراق لا يصدر في الوقت الحالي الذهب الأسود تقريبا.

كما أن كتلة الرواتب والأجور لحوالي 6 إلى 7 ملايين عراقي تعتمد على عوائد النفط. وتعد الرواتب والأجور مصدر الدخل الأساسي للعراقيين.

وتصل قيمة عوائد النفط العراقي حسب المعطيات الرسمية إلى نحو 90 مليار دولار سنويا.

غير أن الرقم الفعلي يزيد على ذلك بكثير إذا أخذنا بعين الاعتبار التصدير غير الشرعي وتهريب النفط عبر كردستان العراق والدول المجاورة.

وتشكل واردات النفط لوحدها 40% من الناتج المحلي الإجمالي المقدر بنحو 225 مليار دولار خلال العام الجاري 2019 حسب مؤسسة التجارة والاستثمار الألمانية.

أكثر من مليار دولار يوميا

ولا تقتصر الأضرار على ذلك وحسب، بل شملت مرافق حيوية أخرى مثل تعطيل إمدادات مصفاة نفط الناصرية وقطع الإنترنت والطرق الجسور وتعطيل المدارس، إضافة إلى تعطيل نقل النفط من حقل القيارة الواقع في منطقة كركوك.

كما تأجلت دورة السنة الحالية من معرض بغداد الدولي الذي سجلت نحو 800 شركة من مختلف أنحاء العالم للمشاركة فيه.

ويرى عارفون بالشأن العراقي، عن حق، بأن هذا التأجيل يشكل خسارة كبيرة للاقتصاد العراقي في وقت يسعى فيه إلى جذب شركات إلى السوق العراقية للمشاركة في بناء البلد وإعادة إعماره.

ومن الصعب تقدير الحجم الكلي لهذه الخسائر التي تزيد على مليار دولار يوميا.

فشل اقتصادي ذريع

رغم الموارد الضخمة للعراق، الذي يصدر يوميا بين 3 إلى 3.5 مليون برميل من النفط الخام، على أساس سعر برميل يتراوح بين 55 إلى 65 دولار، ورغم الآمال التي تم عقدها على النظام السياسي التعددي الحالي الذي اتخذ من النظام الفدرالي الألماني نموذجا له، فإن الحكومات العراقية المتعاقبة منذ سقوط نظام الديكتاتور السابق "صدام حسين" لم تنجح في الحد من اتساع رقعة الفساد وتوفير الخدمات الأساسية وفي مقدمتها الكهرباء للمواطنين بشكل مقبول.

كما لم تنجح، رغم وعود لا تنتهي، في القيام بالإصلاحات اللازمة للحد من تبعية الاقتصاد للنفط بشكل شبه مطلق والحد من مشكلة البطالة التي تزيد نسبتها على 16% حسب مصادر البنك الدولي.

وتقدر نسبة العاطلين عن العمل في صفوف الشباب بين 20 و 23% حسب تقديرات غير رسمية.

على ضوء هذا الواقع المعقد جدا، جاءت الاحتجاجات المحقة والمطالبة بالإصلاحات ومكافحة الفساد الذي عزز مواقع الفاسدين من مختلف الأطياف في مؤسسات الدولة ومراكز صنع القرار السياسي والاقتصادي بشكل لا يمكن تحمله.

لا مبرر

بالطبع لا يسع المرء المؤيد لحق العراقيين في العيش الكريم سوى تأييد المتظاهرين السلميين ومطالبهم المحقة، غير أن قيام البعض باستهداف المنشآت الحيوية من مرافئ وطرق ومراكز تجارية ومصارف ومحاولة الاعتداء عليها لا يمكن تفهمه والقبول به أيا كانت الجهة والمبررات لذلك.

وربما يكون هؤلاء الذين يستهدفون المنشآت عناصر مندسة من قبل أجهزة الأمن والمخابرات بهدف تشويه سمعة المحتجين وإبعاد الأنظار عن مطالبهم المحقة.

ويصف الخبير الاقتصادي العراقي "ضرغام محمد" تبعات استهداف المؤسسات العامة بأنه "أمر خطير ولا يعبر عن مطالب المتظاهرين رغم أنه يعد ورقة ضغط على الحكومة لتلبية هذه المطالب".

وأضاف الخبير في حديث لوكالة الأنباء الألمانية: "أن لاستهداف المنشآت انعكاسات سلبية على مجمل الاقتصاد وحركة السلع والأسعار التي ترتفع بشكل مخيف بسبب صعوبة إيصال الإمدادات إلى السوق".

غير أن عددا من المتحمسين لاحتجاجات العراق يرد على الآراء المحذرة من الاعتداء على الممتلكات العامة بكلام على غرار أن "كل شيء يهون في سبيل التغيير والثورة على النظام القائم".

الملفت هنا أن هناك من يطالب بتغيير النظام في العراق رغم أنه تعددي في إطار لامركزي وديمقراطي صاغته وقبلت به غالبية العراقيين ونخبتهم السياسية بمباركة دولية.

أما وقوع القائمين عليه في أسر فساد قل مثيله وتبعيته لمصالح خارجية وتبذيره ونهبه لعوائد الثروة النفطية على حساب تحسين معيشة غالبية العراقيين، فأمر آخر يتطلب إصلاح الثغرات القائمة في هذا النظام وتشديد الرقابة والمحاسية وفرض الشفافية على النخب السياسية تستأثر بقسم كبير من ربع النفط لمصالحها الذاتية.

ميثاق سلمية الاحتجاجات

إن الاعتداءات على المنشآت العامة خلال الاحتجاجات والثورات ليست ظاهرة عراقية وحسب، بل تتكرر بشكل خاص في بلدان عربية وبلدان العالم الثالث خلال ثورات شعوبها من أجل إصلاح نظمها السياسية وتحسين مستوى معيشتها.

ويدل على ذلك ما شهدته بلدان مثل لبنان وتشيلي ومصر وإيران من اعتداءات على هذه المنشآت التي تم بناؤها من أموال المواطنين ودافعي الضرائب وليس من أموال الفاسدين والديكتاتوريات.

كما أن تدميرها والاعتداء عليها يؤدي إلى تدهور مستوى المعيشة على عكس ما يطالب به المحتجون والمتظاهرون.

ومن هنا فقد حان وقت وضع ميثاق شرف خاص بالاحتجاجات يمنع على المحتجين التعرض للممتلكات والمؤسسات العامة وتشكيل لجان من صفوفهم للحفاظ عليها وفضح محاولات قوى مدسوسة بينهم لتخريبها وتحميلهم مسؤولية ذلك.

المصدر | DW

  كلمات مفتاحية

النفط العراقي نفط العراق أم القصر

محتجون يسدون مدخل ميناء أم قصر العراقي.. وتراجع عملياته 50%

بغداد: اتفاق مبدئي مع أربيل على مشروع الموازنة والنفط

العراق يصدر 1.287 مليار برميل في 2019

العراق يواجه كارثة مالية والسلطات في حالة إنكار