لماذا تشتري دول الخليج أسلحة لن تستخدمها أبدا؟

الثلاثاء 10 ديسمبر 2019 03:35 م

كان معرض دبي للطيران في نوفمبر/تشرين الثاني مرة أخرى فرصة لعمالقة الطيران في العالم لعرض منتجاتهم، بما في ذلك طائرة "لوكهيد مارتن" المقاتلة "إف-35 لايتنينج 2"، التي ظهرت للمرة الأولى في معرض باريس للطيران عام 2017. وكان أيضا وقتا للإعلان عن صفقات كبيرة. وعلى وجه الخصوص، تؤكد طلبيات طيران الإمارات على طائرات "بوينج" و"إيرباص"، بقيمة تقترب من 25 مليار دولار، تحول مراكز القوة التقليدية في مجال الطيران من الغرب إلى منطقة الخليج.

وكما كان معرض دبي للطيران فرصة للكشف عن بعض الاستحواذات العسكرية الهامة. وكان أحد أهم الإعلانات هو استحواذ "مجلس التوازن الاقتصادي"، الذي يعد مسؤولا عن إنشاء وتطوير صناعة دفاع وأمن مستدامة في الإمارات، على 50% من شركة "في آر تكنولوجي" الروسية التي تنتج المروحيات، وكذا الإعلان عن شراء وزارة الدفاع الإماراتية للطائرة العسكرية الأولى التي تصنع في الإمارات، وهي "كاليدوس بي 250".

وتُظهر هذه الرسائل مدى جدية قادة الإمارات بشأن وجود صناعة دفاع محلية مزدهرة تخدم أغراضا متعددة، لاسيما زيادة الاعتماد على الذات في مجال الأمن والتنويع الاقتصادي. وتطورت عمليات شراء القوة الجوية في الخليج بما يتماشى مع الاستراتيجيات الأمنية لدول الخليج العربية، وهو دليل على ظهور هذه كقوى جديدة على الساحة الإقليمية والدولية.

أولوية قديمة

ولطالما كان تطوير القوة الجوية أولوية بالنسبة لدول الخليج. وفي وقت مبكر من الثمانينيات قامت العديد من دول الخليج بالفعل بتجميع أساطيل مدهشة، خاصة الإمارات وقطر. وفي عام 1983، وفقا لتقرير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية حول "التوازن العسكري" في ذلك العام، كان لدى الإمارات، التي قدر عدد سكانها آنذاك بنحو مليون و130 ألف نسمة، 43 طائرة مقاتلة، وكان لدى قطر، التي قدر عدد سكانها آنذاك بـ 260 ألف نسمة، 11 طائرة مقاتلة. وفي الوقت نفسه، كان لدى لبنان، الذي يبلغ عدد سكانه 2.9 مليون نسمة، 8 طائرات مقاتلة، والمغرب، التي يبلغ عدد سكانها 21 مليون شخص، 102 طائرة مقاتلة.

ولكن من المثير للاهتمام أن القوة الجوية الخليجية لم تمارس حتى وقت قريب أي قتال خارج البرامج التدريبية والمناورات العسكرية. علاوة على ذلك، يعتقد معظم الخبراء أن القوات المسلحة لهذه البلدان لم تكن لديها القدرة على استخدام هذه القوة الجوية بشكل فعال على أي حال، مما أدى إلى نشوء فكرة "سراب القوة".

وبالتأكيد، يستغرق تطوير قوة عسكرية ذات مصداقية بعض الوقت، كما أن امتلاك المعدات المناسبة هو أساس مهم للبناء عليه. ومع ذلك، ليس هذا هو التفسير الوحيد للعسكرة العالية لهذه الدول الخليجية الصغيرة التي لم تستفد من قوتها النارية.

أولا، كان "عامل الاستعراض" حاضرا دائما في مشتريات الأسلحة الخارجية لدول الخليج، ولا يزال يلعب دورا حاسما في صنع القرار فيما يتعلق بشراء معدات عسكرية في المنطقة. لكن هذا لا يعني أن عمليات الشراء كانت عديمة الجدوى. ويجب فهم السعي إلى الحصول على أحدث الترسانات في إطار أهداف بناء الدولة وجلب الفخر لمواطنيها، مع تعزيز العلامة التجارية للدولة عبر جذب شركاء خارجيين، وكان هدف الردع حاضرا كذلك، على الرغم من وجود حماية من القوات الغربية، ومعظمها من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة. وقد ساهمت المعدات العسكرية الأكثر تطورا التي اكتسبتها دول الخليج الأصغر منذ أوائل الثمانينيات، بشكل فعال في أمنها، بفضل الانطباع الذي أحدثته عند المراقبين الداخليين والخارجيين على حد سواء حول قدرتها المتزايدة على حماية نفسها.

في الواقع، وفر شراء الطائرات المقاتلة فائقة الحداثة الأمن لدول الخليج العربية بشكل غير مباشر بأكثر من طريقة، وهو ما يظهر القيمة الجيوسياسية لتجارة الأسلحة. وفي مثال واضح على أهمية مبيعات الأسلحة في توفير الأمن، يمكن النظر إلى معاهدة "النفط مقابل الأمن" الضمنية الأكبر بين حكومات الخليج وشركائها الغربيين الرئيسيين، حيث جرت العادة أن تستخدم دول الخليج عائدات النفط لشراء المعدات باهظة الثمن ودعم اقتصادات الدول المصنعة للأسحة، وفي المقابل فإن هذه الدول غالبا ما كانت حريصة على توفير الأمن للدول الخليجية في المقابل لضمان تدفق هذه الأموال.

وبالنسبة لدول الخليج، تم تحقيق الأمن أيضا عبر تنويع الدفاعيين. وقد سمح ذلك لبلدان الخليج الصغيرة بالحصول على استقلالية نسبية من خلال عدم الاعتماد على شريك واحد أكثر مما ينبغي، وساعدهم على تأمين دعم مجموعة واسعة من البلدان. ويعد هذا الأمر مثيرا للاهتمام بشكل خاص، لأنه يتناقض مع الحجة المثارة غالبا بأن مثل هذا التعدد في الموردين يؤدي إلى عدم اتساق في الأساطيل الوطنية وقد يعوق قدراتها الإجمالية بسبب مشكلات التشغيل.

ويعد هذا النقاش موضوعا بالغ الأهمية، لأن دول الخليج تتطلع بشكل متزايد إلى شراكات عسكرية أخرى مع جهات غير الغربيين التقليديين، مثل الشركات الروسية، والصينية بدرجة أقل. وفي حين أن حجة وجود مشاكل في التشغيل البيني تعد صحيحة بالتأكيد، فقد تغفل نقطة حيوية تتمثل في أن هذه الاتفاقات تجلب المزيد من الدعم السياسي والأمني من الموردين بغض النظر عن القيمة العسكرية للأسلحة نفسها.

القيمة السياسية

وتعد حالة قطر أحدث الأمثلة على القيمة السياسية لمشتريات القوة الجوية. وفي حين أن الإنفاق الدفاعي لقطر ارتفع بالفعل في أعقاب ثورات الربيع العربي عام 2011، كانت هناك ذروة كبيرة في مشترياتها من المعدات العسكرية بعد الخلاف السياسي في الخليج عام 2013، وذروة أكبر في الأشهر التي تلت الحصار الذي بدأ في يونيو/حزيران عام 2017، عندما أعلنت الدوحة عن توقيع عقود أسلحة تبلغ قيمتها نحو 20 مليار دولار، شملت توريد طائرات المقاتلة من طراز "رافال" و"إف-15". وبينما تعكس هذه الصفقات بالتأكيد المخاوف من مواجهة عسكرية محتملة مع جيرانها، فقد جددت هذه العقود التزام الشركاء الغربيين بحماية بلد يستثمر كثيرا في اقتصاداتهم، خاصةً من خلال تجارة الأسلحة.

وتتزايد وتيرة شراء القوة الجوية في الخليج بشكل متزايد، تماشيا مع طموحين رئيسيين، هما تأكيد النفوذ والتنويع الاقتصادي. وقدم السياق الإقليمي الجديد منذ عام 2011 تحدياتٍ وفرصا لقطر والإمارات والسعودية، ودفعها بالفعل إلى أن تصبح أكثر نشاطا وحزما على الساحة الشرق أوسطية، بما في ذلك عن طريق نشر القوات المسلحة في الخارج. وبالنسبة للإمارات والسعودية، يرتبط تطوير صناعة الدفاع المحلية بالدفع نحو التنويع الاقتصادي.

وفي الوقت الذي تسعى فيه دول الخليج حول أهداف مثل إبراز النفوذ والتنويع الاقتصادي، فإنها تعيد تصميم قوائم مشترياتها العسكرية لتتوافق مع احتياجاتها المتجددة، وهو ما يفسر ميل هذه الدول مؤخرا لشراء الطائرات دون طيار، بما في ذلك طائرات "لونج 1" الصينية المسلحة، وتجدد اهتمامها بالمروحيات كمصدر لإسقاط النفوذ، والسعي لإنشاء خطوط إنتاح في الداخل بهدف تطوير صناعة دفاع محلية ذات مصداقية.

ومن المحتمل أن يكون لهذه التطورات الأخيرة في شراء المعدات الجوية في منطقة الخليج تأثيرات ملحوظة على تجارة الأسلحة العالمية، وديناميات القوة المرتبطة بها، خاصة وأن دول الخليج تتطلع بشكل متزايد إلى إنشاء قواعدها التكنولوجية والصناعية الخاصة وتطوير قدرات الدفاع المحلية.

وتقود الإمارات هذا الاتجاه في المنطقة، ولا يقتصر الأمر على استضافة البلاد عددا متزايدا من شركات الدفاع الوطنية، لكنها تعمل على بناء مجمعها العسكري بطريقة فعالة بشكل متزايد.

وبعد إنشاء شركة الإمارات للصناعات الدفاعية عام 2014، التي تهدف بالفعل إلى تحسين تنظيم صناعة الأسلحة المحلية، وإضفاء الطابع المركزي عليها، أعلنت القيادة الإماراتية في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني عن تشكيل شركة "إي دي جي إي"، وهي مجموعة شاملة للدفاع والتكنولوجيا.

وعلى خطى جارتها، بدأت السعودية أيضا تطوير صناعة أسلحة محلية عبر إنشاء "الهيئة العامة للصناعات العسكرية" و"الشركة السعودية للصناعات العسكرية". وفي الواقع، يبدو أن قطر أيضا تفكر في طرق مماثلة للتنويع الاقتصادي، مع دعم محتمل من تركيا.

وفي حين أن هذه المبادرات تعتبر وسيلة إضافية لتحقيق الاستقلالية في القدرات الدفاعية، فمن غير المحتمل أن تؤدي إلى انخفاض واضح في المشتريات العسكرية لدول الخليج من الشركاء الخارجيين. فبالنظر إلى البعد السياسي المستمر لتجارة الأسلحة في الخليج، والتوترات الإقليمية الحالية، فمن المرجح أن تستمر دول الخليج في الاستثمار بكثافة في مشتريات الدفاع من القوى الدولية التي تضمن أمنها.

المصدر | معهد دول الخليج العربي في واشنطن - ترجمة الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

دول الخليج العربي مبيعات أسلحة عقود الأسلحة

معهد ستوكهولم: ارتفاع مبيعات الأسلحة في العالم بنسبة 5%

الأمريكيون تسوقوا أسلحة تكفي مشاة البحرية في "الجمعة السوداء"

واشنطن ترسل محققين للسعودية بعد وصول أسلحة أمريكية لميليشيات يمنية

مبيعات الأسلحة الأمريكية.. إدمان يتجاوز عصر ترامب

وسط العسكرة الإقليمية.. كيف تؤثر مبيعات الأسلحة على العلاقات الأوروبية الخليجية؟

مشتريات الخليج العسكرية.. سباق تسلح أم تنافس على سبيل الفخر؟