لماذا فقدت أوروبا نفوذها على نظام السيسي؟

الجمعة 20 ديسمبر 2019 08:37 م

منذ أن تمت الإطاحة بـ"حسني مبارك" من منصب الرئاسة في مصر عام 2011، شهدت أهداف أوروبا ونفوذها في البلاد سلسلة من التقلبات.

وفي عهد "مبارك"، كانت لمصر علاقة مباشرة إلى حد ما مع أوروبا، وكانت هذه العلاقة ترتكز على سياسة الاستقرار الاستبدادي التي اعتمدت عليها الدول الأوروبية لتعزيز مصالحها الاقتصادية والأمنية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكذلك على صداقات "مبارك" مع العديد من القادة الأوروبيين.

ورغم أن الانتقال السياسي في مصر بعد عام 2011 خلق في البداية فرصة لتطوير علاقة أعمق بين الطرفين تساعد فيها أوروبا على تشجيع عملية إصلاح سياسي واقتصادي حقيقي، فإن النزاعات الإقليمية، وأزمة الهجرة، وعودة مصر إلى الاستبداد في عهد الرئيس "عبدالفتاح السيسي"، كلها عوامل تسببت في عودة أوروبا إلى سياستها التقليدية تجاه مصر في الأعوام القليلة الماضية.

المشهد من القاهرة

وترى السلطات المصرية أن قوة أوروبا الحقيقية تكمن في قوتها الاقتصادية والثقافية، وليس قدرتها على إبراز القوة العسكرية.

وتعد أوروبا أكبر شريك تجاري لمصر، في حين أن الشركات الأوروبية لها وجود واسع النطاق في البلاد.

واستحوذ الاتحاد الأوروبي على 29.7% من تجارة مصر عام 2017.

وفي عام 2018، كان الأوروبيون يمثلون غالبية السياح في مصر، مما ساهم في إنعاش القطاع الذي يعد شريان الحياة للعملة الصعبة اللازمة للاقتصاد المصري.

وتوفر الحزم والاستثمارات المالية الأوروبية أيضا تمويلا مهما لمجموعة متنوعة من المشروعات في مصر.

وبالإضافة إلى التمويل المباشر من الاتحاد الأوروبي، حصلت مصر على دعم من البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير عام 2015. وبعد ثلاثة أعوام، تفوقت مصر على تركيا كأكبر وجهة استثمارية للبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، حيث تلقت نحو 1.2 مليار يورو للأعمال الزراعية، والعقارات، والطاقة المتجددة وغيرها من مصادر الطاقة، والسياحة، ومشاريع النقل.

وتوفر بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وخاصة ألمانيا وفرنسا، مبالغ كبيرة من المساعدات الإنمائية الثنائية وغيرها من أشكال الدعم المالي لمصر.

وشهدت مصر انتعاشا للاقتصاد الكلي منذ عام 2014، لكن النمو السكاني السريع، والمستويات العالية من بطالة الشباب، تشكل تحديات اجتماعية واقتصادية كبيرة.

وفي حين أن الإصلاحات الاقتصادية قد حسنت المالية العامة لمصر، وزادت احتياطياتها من العملات الأجنبية، فإن إجراءات التقشف وتعويم الجنيه المصري أضرت بفقراء البلاد بشكل غير متناسب.

ومع استمرار مصر في مواجهة هذه المشكلات، سيظل الدعم الاقتصادي من أوروبا ذا أهمية حاسمة للاقتصاد المصري.

ولدى أوروبا بعض النفوذ السياسي على القاهرة. ويمتلك الاتحاد الأوروبي قدرة - رغم أنها محدودة - على إضفاء الشرعية على أي انتقال سياسي في مصر أو نزع الشرعية عنه، كما يمكنه إبراز انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد.

وتعد الحكومة المصرية حساسة للغاية للنقد العلني لسجلها في مجال حقوق الإنسان.

ومن الواضح أن "السيسي" يتوق إلى اعتراف دولي واسع بشرعيته يشمل الدول الأوروبية.

وقام "السيسي" أحيانا بإيماءات صغيرة، مثل إطلاق سراح عدد قليل من السجناء السياسيين، في الفترة التي سبقت ظهوره في الجمعية العامة للأمم المتحدة وغيرها من المنتديات الدولية من أجل كسب المزيد من الشرعية.

لكن المؤسسات المصرية رفضت بشدة أي إدانة من قبل أوروبا للتوجه السياسي الأوسع في البلاد.

وفي محاولاتها للاستجابة لانتقادات البرلمان الأوروبي أو الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، تحاول الحكومة المصرية إما احتواء أي جدل بهدوء أو الرد على ذلك بخطاب قومي.

على سبيل المثال، في عام 2018، وصف البرلمان المصري انتقاد البرلمان الأوروبي للنهج المصري تجاه حقوق الإنسان بأنه تدخل في شؤون مصر الداخلية.

وصرح البرلمان المصري أنه يجب على البرلمان الأوروبي بدلا من ذلك "بذل المزيد من الجهد لاحتواء الانتهاكات المتفشية للحقوق والحريات الأساسية في القارة الأوروبية، ووقف موجة العنصرية، ومعالجة خطاب الكراهية وتزايد المشاعر المعادية للمسلمين في المجتمعات الأوروبية".

ويدرك النظام المصري أنه من غير المرجح أن يتخطى الاتحاد الأوروبي النقد المعتدل، لأن أوروبا تعتمد على تعاون مصر لحماية بعض مصالحها الرئيسية.

أولا، تلعب مصر دورا في مكافحة الهجرة غير المنظمة في البحر المتوسط، وهو أمر تؤكد عليه القاهرة بقوة في التعامل مع شركائها الأوروبيين.

ثانيا، تملك مصر تأثيرا على استقرار الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ فهي لاعب رئيسي في الصراع الليبي، ولديها القدرة على جمع الفصائل الفلسطينية المشاركة في أي صراع يندلع مع (إسرائيل).

ثالثا، تعد مصر شريكا أمنيا موثوقا به لأوروبا حيث تعمل أجهزة المخابرات المصرية عن كثب مع نظرائها الأوروبية في مجال مكافحة الإرهاب.

رابعا، إلى جانب المصالح الاقتصادية التي نوقشت أعلاه، فإن بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، خاصة فرنسا، تنظر إلى مصر كعميل مهم لصناعات الأسلحة لديها.

وأخيرا، فإن اكتشاف شركة الطاقة الإيطالية "إيني" لحقول "ظهر" و"النورس" في شرق البحر المتوسط ​​قد وضع مصر في وضع قد يمكنها من أن تصبح مركزا إقليميا للغاز، مما قد يساعد في تلبية احتياجات أوروبا من الطاقة.

وبالنسبة لأوروبا، فإن التعاون المصري في بعض هذه المجالات له قيمة غير قابلة للنقاش.

ونتيجة لذلك، يستغل "السيسي" تصورا مفاده أن أوروبا لا تستطيع تحمل الانفصال عن مصر.

تنويع العلاقات

وعلى الرغم من أهمية أوروبا لصانعي السياسة المصريين، إلا أن القوى الأخرى، ولاسيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لها نفوذ أكبر على مصر.

ومنذ عام 2013، قدم البلدان منحا وقروضا منخفضة الفائدة وشحنات وقود بمليارات الدولارات لدعم استقرار الاقتصاد المصري.

وتعد مصر عضوا رئيسيا في تحالف إقليمي بقيادة السعوديين والإماراتيين، وهو تحالف لعب بارزا في مختلف التحولات السياسية والصراعات في جميع أنحاء العالم العربي، بما في ذلك في ليبيا والسودان واليمن.

وتاريخيا، أكدت مصر على علاقتها بالولايات المتحدة، على الرغم من أن العلاقة بين البلدين انحسرت وتذبذب في الأعوام الأخيرة.

وبعد تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر تحت رئاسة "باراك أوباما"، عادت واشنطن إلى موقف غير انتقادي تجاه القاهرة في عهد خليفته، "دونالد ترامب"، الذي وصف "السيسي" بأنه "ديكتاتوره المفضل".

ولا يزال الجيش المصري يفضل الأسلحة الأمريكية، وكذلك التدريب والتنسيق المشترك مع الجيش الأمريكي.

وقبل كل شيء، يضعف موقف واشنطن الحالي من مصر قدرة أوروبا على الضغط على البلاد لإجراء تغييرات سياسية.

وشهدت العلاقة بين مصر وروسيا نهضة ذات أبعاد سياسية وأمنية واقتصادية.

وكجزء من هذه التطورات، تبادل قادة الدولتين زيارات عالية المستوى، كانت آخرها في أكتوبر/تشرين الأول 2018، عندما سافر "السيسي" إلى روسيا.

كما سعت الصين إلى تعميق علاقتها مع مصر، جزئيا من خلال إقامة شراكة استراتيجية شاملة مع القاهرة تنطوي على مستوى أعلى من التواصل المؤسسي، بما في ذلك الاجتماعات رفيعة المستوى المنتظمة بين كبار القادة.

ووفقا لوزارة التجارة والصناعة المصرية، تعد مصر ثالث أكبر شريك تجاري للصين في أفريقيا.

وفي عام 2017، بلغت قيمة التجارة بين البلدين نحو 10.9 مليار دولار، في حين بلغت قيمة واردات مصر من الصين أكثر من 8 مليارات دولار، أعلى من أي بلد آخر في شمال أفريقيا.

النظر إلى المستقبل

وفي الأعوام الأخيرة، قلل تنويع القاهرة لسياستها الخارجية وعلاقاتها الاقتصادية من اعتمادها المفرط على الشركاء التقليديين في الولايات المتحدة وأوروبا.

ويمكن ملاحظة ذلك في الجهود التي تبذلها مصر لتعميق علاقاتها ليس مع روسيا والصين فقط، ولكن أيضا مع الدول الأفريقية.

ويعد شراء المعدات العسكرية جزءا أساسيا من استراتيجية التنويع هذه.

ويضع هذا أوروبا في مأزق.

وتريد أوروبا التركيز على أمور مثل الحوار السياسي والديمقراطية وقضايا حقوق الإنسان في مصر، ولكن من شأن هذا أن يخاطر بإغضاب القيادة السياسية في مصر.

وبدلا من ذلك، تعيش أوروبا مخاوف تكرار الثورة المصرية وتراهن من جديد على وهم الاستقرار الاستبدادي.

وقد يسبب هذا مشاكل على المدى الطويل، لأن تطلعات معظم المصريين ستبقى غير محققة.

ومع ذلك، يمكن لأوروبا أن تتخذ طريقا وسطا؛ حيث يمكنها استخدام ما لها من تأثير لدعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية لمصر وتعزيز حكم القانون، مع اتخاذ موقف مهذب ومبادئي في نفس الوقت بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد.

المصدر | عادل عبد الغفار - المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية

  كلمات مفتاحية

العلاقات المصرية الأوروبية حقوق الإنسان في مصر