«ناشيونال إنترست»: الاستراتيجية التي تحتاجها الولايات المتحدة في العراق

الاثنين 27 يوليو 2015 10:07 ص

في أغسطس/آب قبل 25 عاما، توغل «صدام حسين» في الكويت، ما تسبب في بدء عصر الاشتباك العسكري الأمريكي مع العراق ، والمستمر حتى يومنا هذا. وهيمنت نقاشات السياسة الخارجية حول ما يجب فعله حيال العراق لمدة ربع قرن، وسيكون مرة أخرى موضوع رئيسي في الانتخابات الرئاسية في عام 2016. وزار قائد العمليات المشتركة العراق مؤخرا لمراجعة عملياتنا العسكرية والمساعدة هناك، وزار البلاد أيضا وزير الدفاع الأمريكي «أشتون كارتر».

ولسوء الحظ، فإن واشنطن قد أكدت على الأخطاء التي ارتكبها الجيش في السابق، وهي التركيز على استراتيجية محددة بعدد القوات والأهداف وفعل ما يتطلبه الأمر ليحقق «لنا» النصر. وأخفت العناوين الرئيسية القضية، وهي إذا كان الشيعة والأكراد والسنة العرب مستعدين للمشاركة في حكم عراق موحد، حتى لو كانت السلطة لا مركزية.

إن ظهور تنظيم «الدولة الإسلامية» هو الفصل الأخير في صراع طويل على الكم السياسي في العراق. لذلك أي تأكيد حول ما يمكننا فعله يجب أن يكون مصحوبا بجرعة صحية من التواضع. وأكثر من أي وقت مضى، فإن مستقبل العراق في أيدي العراقيين أنفسهم. ومن الغطرسة الأمريكية المملة التفكير بأنها سوف تحدد مستقبل العراق.

ولكن يمكننا استخدام نفوذنا بصورة أكثر فاعلية. وهذا يتطلب الصبر، لأنه حين يبدأ النقاش في واشنطن فإنه يسير بسرعة تفوق الضوء وبفارغ الصبر، حيث تأتي التغييرات السياسية في العراق بشكل بطيء للغاية.

كانت هناك مشكلات لا تعد ولا تُحصى حول تدخل الولايات المتحدة في العراق بعد عام 2003، ولكن لا يوجد شيء أكثر ضررا من حملة زيادة بناء التوافق في الآراء واتخاذ القرار. وفي الواقع، فإن السبب الرئيسي الذي دفع الولايات المتحدة إلى إبقاء «نوري المالكي»، رئيس الوزراء العراقي، في منصبه هو نفاذ الصبر. فقد استنتجت الولايات المتحدة أن الأمر سيستغرق طويلا لأي رئيس وزراء آخر محتمل في الظهور، وبالتالي لن يكون هناك فريق تفاوض عراقي يخول لترتيب مستقبل الوجود العسكري الأمريكي في العراق. ويجب في الوقت الراهن إعطاء العراقيين الوقت والمساحة الكافية لكي يحلوا قضاياهم السياسية، حتى في التصدي للتحديات العسكرية.

هذا الأمر لا يشبه بالمرة منحهم شيكا مفتوحا. ويجب أن يكون هناك دورا عاما للسياسة الأمريكية، حيث إننا لا نعطي مساعدات عسكرية ناهيك عن القيام بعمليات عسكرية من دون تأمين الاتفاق حول الاستراتيجية والهدف. وفي الوقت ذاته نحن لا نتفق مع كل هؤلاء في ائتلاف حكومة الأغلبية الشيعية المهيمنة التي يرأسها «حيدر العبادي». وبالتالي، فإن التحدي الذي يواجهنا هو المساعدة في تأمين تسوية سياسية من شأنها أن تعزز المكاسب والمساعدة على التأمين عسكريا. يجب ألا نغفل عن السياسة العراقية حتى ونحن نعمل على العمليات العسكرية.

ويبدأ هذا مع إعطاء «العبادي» الحوافز اللازمة للتعامل مع المتشددين والشيعة المدعومين من إيران، والذين يشكلون جزءا قويا من ائتلافه، والذين يعرقلون أي تنازلات سياسية للكرد والعرب السنة.

ولا يزال «المالكي» مرتبطا بشدة بهذا الفصيل الشيعي. وإذا كان في الحكم حتى اليوم، ويحمل في نهاية المطاف إلى بغداد، فسيكون هناك قتال بين العراقيين لسنوات عدة، وعندها لن تكون هذه معركتنا. ولم تتمكن القوة الأمريكية صاحبة قوام 160 ألف جندي أن تسيطر على العراق خلال العقد الماضي، لذا من المؤكد ان عددا أقل بكثير من هذا لن يستطيع عمل شيء. ومن المهم أن يتم تذكر عمل «الصحوات السنية» التي بدأت في عام 2007، وأنها لم تكن مجرد نتيجة طفرة عسكرية أمريكية، ولكن أيضا اعتبارا للفرص السياسية التي أنشأتها تعهدات حقيقية من أن العرب السنة سوف يشاركون في التيار السياسي الرئيسي في بغداد والتوظيف الحكومي. إن نقض «المالكي» لهذه الوعود التي كانت تحت وصايتنا هو ما أشعل نار الجهاد السلفي.

ورغم كونه غير مثالي، يعتبر رئيس الوزراء «العبادي» أكثر توافقا مع رؤية أن تكون السياسة العراقية شاملة. ولكن «العبادي» في الوقت نفسه أقل قوة. وحتى نقوم بدعمه في تنافسه مع المتشددين من السياسيين الشيعة، يتعين أن تكون استراتيجيتنا متجذرة في مبدأين مترابطين لا  ثالث لهما، المشروطية والمساءلة.

أولا: تحتاج الولايات المتحدة لربط المساعدة للحكومة العراقية بتنفيذ برنامج الإصلاح الشامل الذي بدأته الحكومة عندما تولى «العبادي» منصبه في سبتمبر/أيلول الماضي. وإذا ما نجح الشيعة والأكراد في منع تحقيق هذا البرنامج، فإن أي سلاح نقدمه لن ينجح في وقف تقدم عناصر «الدولة الإسلامية»، ولا في إبطاء انزلاق العراق نحو حرب طويلة.

وتعني «المشروطية» أنه في حال عدم تقدم الإصلاحات السياسية، فإن مساعداتنا لن تزيد أيضا. وقد يساعد إرسال مستشارين عسكريين إضافيين، أو نشر أي من المراقبين الجويين بشكل محدود في تحسين الوضع الأمني، ولكنه يشكل في الوقت نفسه إشارة نرسلها إلى المليشيات الشيعية ورعاتها السياسيين في طهران بأن الأمريكيين لا يهتمون بحل الخلافات السياسية في بغداد، بغض النظر عما تؤكده بياناتنا الصحفية. لذا من المنطقي أن يكون شرط إرسال تلك المساعدات الإضافية أو الأسلحة الثقيلة التي يريدها «العبادي» مرتبطا بالخطوات الملموسة التي اتخذتها حكومة بغداد أولا. بشكل مشابه للدلائل التي تشير بأن المسؤولين الأمريكيين يدعمون المليشيات الشيعية بدون شرط، فإنها لا ترسل تلك الرسالة الصارمة المطلوبة.

المشروطية ليست مثالية، ولكنها تمنعنا من ربط أنفسنا بأجندة طائفية في العراق، كما فعلنا لفترة طويلة جدا مع «المالكي». كما إنه يعطي العراقيين الراغبين في العمل معنا النفوذ لشن المناقشات الداخلية. وسوف يجادلون بأنهم إذا فشلوا وتخلى الأمريكان عنهم، عندها لن يكون للعراقيين خيار سوى الاعتماد على إيران بالكامل، وهي خطوة محفوفة بالمخاطر بالنسبة لهؤلاء الذين يريدون سلطة قوية في بغداد.

 وثانيا: يجب علينا تعزيز المساءلة. وأثناء تجهيزنا وتدريبنا لقوات الأمن العراقية الجديدة، يتعين علينا القيام بشيء لم نفعله بشكل كاف من قبل، وهو الإصرار على مساءلة قيادة قوى الأمن الداخلي فيما يتعلق بحالات الاعتداء وسوء الإدارة والطائفية. لقد أقال «العبادي» العشرات من كبار الضباط الفاسدين وغير الأكفاء، ويجب علينا مساعدته في هذا الشأن. ولكن تغيير الثقافة العسكرية ليس بالمهمة السهلة، بل مهمة تستغرق وقتا طويلا. وفي حال تمكنت الحكومة العراقية من إزالة المسؤولين المسيئين والفاسدين، فإن ذلك سيعطي العرب السنة شعورا بأن التغيير ممكن، وسيساهم بتقوض جهود «الدولة الإسلامية».

وسيكون من الصعب تنفيذ استراتيجية متجذرة في المشروطية والمساءلة، ولكن مثل هذه الاستراتيجية تشكل أفضل طريقة قد نستطيع من خلالها تمكين أولئك الذين نريد لهم تحقيق النجاح في العراق. وقد يكون العائق الأصعب في هذا الطريق هو أن هذه الاستراتيجية تتطلب درجةً من الصبر لم تحظً بها سياستنا في العراق لسنوات عديدة.

وتطالب هذه الاستراتيجية أيضا بالثبات. وإذا ما لبى العراقيون شروطنا وقاموا بمساءلة أنفسهم، فسيتوجب علينا أن نكون مستعدين لمساعدتهم على المدى الطويل. وفي حال فشلوا في تحقيق هذا، كما فعل «المالكي» من قبل، فيجب علينا أن نكون على استعداد للسير بعيدا عنهم.

لقد علمتنا السنوات الخمس والعشرين الماضية أنه يتعين على سياسة الولايات المتحدة أن تكون أكثر من مجرد عملية حسابية لإعداد القوات والأهداف. وقد تسهل العمليات العسكرية الأمريكية الوصول إلى عراق مستقر، إلا أنها لن تستطيع أبدا أن تحل محل الاستراتيجية السياسية.

  كلمات مفتاحية

العراق الولايات المتحدة الحشد الشعبي المالكي العبادي أوباما بغداد

«ميدل إيست بريفينج»: هل ما زال في الإمكان تفادي تقسيم العراق وسوريا؟

أمريكا دمرت العراق وتخلّت عنه

«العبادي» التائه .. في حضرة «أوباما»

«فورين بوليسي»: افتراضات أمريكية خاطئة واستراتيجية شارفت على الشلل في العراق

«ذي إيكونوميست»: الجيش العراقي ... وداعا للسلاح

«سي إن إن»: كيف أسهم الاحتلال الأمريكي في تفكيك جيش العراق؟

«ستراتفور»: ذكريات الجيش الأمريكي في الرمادي