استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

مستقبل الدولة الوطنية العربية

الاثنين 13 يناير 2020 10:32 ص

مستقبل الدولة الوطنية العربية

الهشاشة البنيوية للدولة الوطنية تجعلها غير مؤهلة لمواجهة التحديات والمستجدات.

ما البديل عن الدولة الوطنية؟ أهو العودة للهويات العصبية والطائفية أم نمط جديد من الفيدرالية السياسية أو الكيان العالمي؟

مشروع بناء الدولة الوطنية ظل طموحاً أيديولوجياً لدى نخب سياسية وفكرية أكثر من كونه مشروعاً تاريخياً موضوعياً للإنجاز!

فكرة الدولة الوطنية كأُفق لتحديث المجتمعات العربية تواجه اليوم تحدياً صعباً مع انبثاق مؤشرات تحلل وانهيار هذا النموذج.

ظلت الدولة الوطنية شكلا مؤسسياً مجرداً وغريباً عن واقع اجتماع وثقافة البلاد التي زُرع فيها عنوةً لذلك مصيرها الحتمي التحلل والانهيار.

*     *     *

اعترف المفكر المغربي عبد الله العروي في محاضرة هامة ألقاها الأسبوع الماضي في الرباط أن مشروعه الفكري الذي تمحور حول فكرة الدولة الوطنية كأُفق لتحديث المجتمعات العربية يواجه اليوم تحدياً صعباً مع انبثاق مؤشرات تحلل وانهيار هذا النموذج، ليصبح السؤال هو:

ما البديل عن الدولة الوطنية؟ هل هو العودة إلى الهويات العصبية والطائفية أم هو نمط جديد من الفيدرالية السياسية أو الكيان العالمي كما تصوره فلاسفة القرن الثامن عشر في أوروبا؟

ومع أن العروي لم يجب على هذا الإشكال، فإن الرجل الذي قضى نصف قرن كامل يحفر في المتخيل السياسي العربي، بعقلية المؤرخ والفيلسوف معاً، كان قد نبّه في أعماله الفكرية إلى أن مشروع بناء الدولة الوطنية ظل في غالب الأحيان طموحاً أيديولوجياً لدى النخب السياسية والثقافية أكثر من كونه مشروعاً تاريخياً موضوعياً للإنجاز.

في الفلسفة السياسية الحالية نقاش مستفيض حول تأثير حركية العولمة على البناء السياسي المركزي للدولة بمحدداتها الثلاثة الأساسية، أي الإقليم والسيادة والتمثيل، بما ينجر عنه أحد توجهين:

- إعادة تأسيس الدولة الوطنية من منظور فكرتي السيادة المتقاسمة والتمثيل الهوياتي الموسع، أو

- إعادة الاعتبار لنموذج المجموعة السياسية التشاركية وفق اعتبارات الثورة التقنية الراهنة.

ما نراه هو أن واقعنا العربي بعيد عن هذا الجدل وإن أصابه بعض أثره، فما نعيشه ليس التشبع بالدولة الوطنية إلى حد عجزها عن احتواء التحديات التي تطرحها مقتضيات الترابط الكوني الراهنة، بل الهشاشة البنيوية لهذه الدولة مما يجعلها غير مؤهلة لمواجهة التحديات والمستجدات.

وفي بداية التسعينيات كتب المفكر السياسي الفرنسي «برتراند بادي» كتاباً شهيراً حول «الدولة المستوردة» في الشرق الأوسط وأفريقيا، معتبراً أنها ظلت شكلا مؤسسياً مجرداً وغريباً عن الواقع المجتمعي والثقافي للبلدان التي زُرع فيها عنوةً، لذلك فمصيرها الحتمي هو التحلل والانهيار.

لا يمكن حسب اعتقادنا تفسير أزمة الدولة الوطنية العربية حالياً من هذا المنظور، فمهما كانت هشاشة هياكلها المؤسسية فقد حققت هدفين أساسيين: وضع الأسس المركزية الإدارية والقانونية لشكل الحكم السياسي لمجتمعها، والاندماج في المنظومة العالمية التي هي الأفق التاريخي الموضوعي للكيانات السياسية الحديثة.

ومهما كان النقاش مشروعاً حول خلفيات تَشكُّل الدولة الوطنية في العالم العربي، فالواقع أن هذه الدولة نجحت غالباً في مشروع التحديث وأصبحت طرفاً فاعلاً في المنظومة الدولية. وإن عجزت في أكثر الساحات عن بناء هوية وطنية صلبة تحصِّن المجتمع من مخاطر التفكك على أساس الانتماءات الطائفية والقبلية.

لقد كان الجيل الأول من بناة الدول واعياً بهذه المخاطر، وهو في غالبه تكوَّن في المختبر السياسي الأوروبي وتشبّع بقيم التنوير الحديثة، مثل مصطفى النحاس ونوري سعيد والحبيب بورقيبة. ولذا بحثوا عن آليات لبناء أمة سياسية صلبة، بالتركيز على الهياكل البيروقراطية والعسكرية والنظام المدرسي.

ما حدث إذن مع الانتفاضات الاحتجاجية التي عرفتها عدة دول عربية خلال السنوات التسع الأخيرة ليس الانهيار الحتمي المقرر سلفاً للدولة الوطنية الحديثة، وإنما إخفاق نظام الحكامة السياسية في امتصاص صدمات التحول الداخلية والتدخلات الخارجية في إنقاذ فكرة المجموعة الوطنية المندمجة في ما وراء الصراعات الظرفية على السلطة.

ما نعيشه عملياً ليس تخلي المجتمع الأهلي أو القوى السياسية عن الدولة الوطنية، بل إن مدار الصراع كله هو منافع ومواقع وإمكانات هذا الكيان المركزي ولو تحول إلى صورة افتراضية رمزية.

ما يميز التجربة الإسلامية في الاجتماع السياسي هو تخارج الحالة السلطوية من حيث هي حكم وغلبة، والنظم المعيارية الضابطة للأخلاقية العمومية المشتركة، وذلك ما استند إليه وائل حلاق في قوله باستحالة بناء الدولة القومية السيادية في السياق الإسلامي.

لكن التجربة التاريخية بيّنت بوضوح أن الهياكل المؤسسية المركزية الصلبة للدولة كفيلة بتوليد المجتمع السياسي الملائم لها، أي أن الدولة هي التي تصنع الأمة لا العكس، كما قال من قبل المؤرخ فرناند بروديل.

* د. السيد ولد أباه أكاديمي موريتاني

المصدر | الاتحاد الظبيانية

  كلمات مفتاحية