في آخر جلسة له في دور الانعقاد الحالي، لم تستغرق أكثر من 4 ساعات، أقر مجلس الأمة ميزانية دولة الكويت، وصادق على بيان وزير المالية، كما صادق على بيان الحالة المالية، الذي عرض في جلسة سرية، بالإضافة إلى الموافقة على قوانين أخرى.
لا جـــديــد
بيان وزير المالية عن الوضع الاقتصادي في البلد وآفاقه المستقبلية لم يأت بجديد، فهو إعادة لما تضمنه مشروع الخطة الخمسية، التي تبنت أهدافاً هي أقرب إلى شعارات غير قابلة للتحقيق، كتنويع مصادر الدخل، ورفع نسبة المواطنين في مجموع السكان، واعتبار القطاع الخاص قاطرة للتنمية، وتحول الكويت إلى مركز مالي وتجاري، وهي شعارات لا تسندها دراسات علمية توضح كيف يمكن تحقيقها، وها هي الخطة الخمسية 2015-2010 انتهت مدتها ولم يتحقق حتى 5% من الشعارات.
خـطـــة واقعـــية
لذلك، فإن المطلوب هو خطة واقعية، بل إن من الأفضل أن تستبدل هذه الخطة ببرنامج، فالمفهوم الاقتصادي للخطة لا ينطبق على خططنا، ولا على ما يسمى الرؤية الاستراتيجية، أما بالنسبة للميزانية فقد جاءت كما هو متوقع بارتفاع قيمة العجز المالي، أي نقص الإيرادات عن المصروفات، بارتفاع هذا العجز المقدر في السنة المالية التي بدأت من 2015/4/1 إلى 8.2 مليار، بينما كان العجز في ميزانية السنة السابقة 3.1 مليار دينار، أي بزيادة 5.1 مليار دينار عما كان عليه في السنة المالية الماضية، رغم انخفاض قيمة المصروفات المقدرة للسنة 2016/2015 عن السابقة بمبلغ 4.2 مليار دينار (قدرت المصروفات للسنة الحالية بحوالي 19 مليارا، مقارنة بـ 23.2 مليار دينار لسنة 2015/2014).
ولا يعزى انخفاض المصروفات في السنة المالية الحالية إلى جهد مبذول لترشيد الإنفاق، بل يعود معظمه لانخفاض أسعار البترول، التي انعكست على قيمة النفط المستخدم في توليد الكهرباء، التي انخفضت من 3.5 مليار دينار إلى 2 مليار دينار، بوفر حوالي 1.5 مليار دينار كويتي، هذا إلى جانب انتهاء سداد الأقساط المستحقة لمؤسسة التأمينات الاجتماعية نتيجة الأعباء التي تتحملها خزانة الدولة لتغطية تكاليف القوانين بمنح امتيازات مالية للتقاعد أو زيادة المرتبات.
ومن حسن الحظ أن العجز المقدر بمبلغ 8 مليارات دينار، بناء على حساب إيرادات النفط المقدرة بـ 10.5 مليار دينار كويتي على أساس افتراض سعر برميل النفط بـ 45 دولاراً، قد ينخفض إلى ما قميته 4.5 - 3.5 مليار دينار كويتي، وذلك لأن أسعار النفط ارتفعت إلى ما يقارب 60 دولاراً، وتشير معظم الدراسات إلى مراوحة أسعار النفط حول 60 دولاراً لعام 2015.
وفي هذا الصدد، أي المراوحة عند 60 دولاراً، أقل أو أكثر، يعود ذلك لاستقرار إنتاج النفط الصخري، الذي أصبح في تقدير الخبراء النفط المرجح، أي يزيد إنتاجه عند حوالي سعر 60 دولاراً، وينخفض إذا انخفض السعر عن ذلك، وهذا التحرك يحفظ توازن السوق، ولكن عند مستوى أسعار منخفضة لا تتجاوز 60 إلى 65 دولاراً، ما يؤدي إلى ظهور عجز في الميزانية، التي تتطلب سعر 77 دولاراً لكي يتوازن الإنفاق الحكومي مع الإيرادات.
الجزء الأكبر من الإنفاق في الميزانية يذهب إلى الرواتب، التي تقدر بأكثر من عشرة مليارات دينار كويتي، ومخصصات الدعم المختلفة والمتنوعة، التي تبلغ حوالي 5 مليارات، أي إن المرتبات والدعم تساوي 15 ملياراً، أو ما يفوق ذلك، أي أكثر من 75% من مصروفات الميزانية، وهو ما يمثل خللاً هيكلياً في ميزانية الدولة.
على المدى القصير، قد لا تواجه الكويت أزمة أو صعوبة في إيجاد مصادر التمويل لتغطية العجز، حيث إن لديها أرصدة مالية كبيرة مستثمرة في الداخل والخارج تقدر بمبلغ 592 مليار دولار، طبعاً ليست كلها أموالاً سائلة، وهذا الرصيد يتيح الفرصة للاقتراض من الأسواق المحلية أو العالمية، وخيار الاقتراض كما يراه الخبراء هو الأفضل والأيسر على المدى القصير على الأقل.
هذا الوضع المالي رغم أنه لا تترتب عليه هزات أو كوارث في المدى القصير، لكنه على المدى الطويل لا يضمن الاستقرار المالي، ولا التنمية المستدامة، فضلاً عن أنه يخلق اختلالات اجتماعية أهمها كفاءة قوة العمل الوطنية، التي بدأ يظهر عجزها بجلاء، وأخطره في مرفق التعليم، الذي يشكو كثيرون من تدني مستوى مخرجاته، وهم الأمل لصنع المستقبل.
وهذا فقط جزء بارز من الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية نتيجة غياب الرؤية والقدرة والإرادة.
* عبد الله النيباري أمين عام المنبر الديمقراطي - نائب سابق بمجلس الأمة الكويتي.ث