استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

عقدة البوسفور.. تركيا والعالم ونحن

الخميس 23 يناير 2020 12:04 م

كلنا، وتركيا منا، نقوم بصنع وتنفيذ سياساتنا الخارجية على مبادئ نهج ترامب، أقصد النهج الجديد لمبادئ السياسة الخارجية الأمريكية.

أبالغ، وفى رأى البعض أتطاول حين أقرر أن نهج ترامب سيصمد خلال ولايته الثانية فى حال فوزه في نوفمبر 2020، لكن أذهب إلى أبعد فأتنبأ بصموده إلى عهود ما بعد نهاية ولايته الثانية.

لا تهم النوايا. يهمنى بشكل خاص من مبادئ هذا النهج حال إجماع مختلف دول العالم على تنويع علاقاتها كأحد أهم المبادئ الترامبية فى السياسة الخارجية. صارت منظومة علاقات الدولة تأخذ شكل مروحة اليد التى تحملها سيدات الشرق الأقصى ونقلها الغرب عنهن.

وكما أننى لا أذكر أني قابلت سيدة يابانية أو من أصل صينى فى حفل خاص إلا وكانت المروحة جزءا متكاملا مع طاقم زينتها فأنا أيضا أكاد لا أرى حاكما لا يتمسك هذه الأيام بمنظومة سياسته الخارجية القائمة على تنويع العلاقات متباهيا أحيانا ومحتميا بها دائما ومؤتمنا إياها على أمن بلاده ونظامه.

*     *     *

لا شك أن تركيا استطاعت أن تفرض نفسها رقما صعبا فى مختلف استراتيجيات الأمن والدفاع الدولية والإقليمية على حد سواء. لن نختلف كثيرا حول الاعتراف بأنها صارت تزعج أجهزة كثيرة متخصصة فى صنع القرار العسكرى والسياسى فى دول عديدة.

لست قريبا جدا من أجهزة صنع القرار فى مصر أو فى دول عربية أخرى ومع ذلك أعرف بالملاحظة والخبرة الطويلة أن عددا من ممارسات تركيا فى المنطقة العربية وخارجها صار يمثل مصدر إزعاج شديد لهذه الأجهزة.

أعرف أيضا بالملاحظة، على الأقل، أن تركيا اشتهرت منذ فترة غير قصيرة بأنها الدولة التى استطاعت بعنادها أن تصبح أحد أهم مصادر الإزعاج والتوتر بالنسبة لصناع السياسة الخارجية فى الولايات المتحدة والاتحاد الروسى ودول أوروبية كثيرة.

أذكر أننى، وكنت متابعا عن قرب لعملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية، اطلعت على ما يثبت أن مسئولين أمريكيين أرشدوا حكومة اليونان على الطرق الأسرع فى التأثير عليهم، أى على صناع السياسة الخارجية الأمريكية، وأولها تنظيم جماعة ضغط أمريكية تضغط لصالح المواقف اليونانية وكشف أخطاء مواقف تركيا خصمهم اللدود.

كان هدف الأمريكيين غير المعلن تحقيق توازن فى الضغوط يسمح للأجهزة الأمريكية بأن تواجه الضغوط التركية التى لم يوجد فى ذلك الوقت ما يعادلها فى العناد والكثافة سوى اللوبي اليهودى.

*     *     *

أجاد "أردوغان" اللعب بورقتين لعلهما فى علم الأوروبيين أهم أوراق اللعب التى يقدرهما إردوغان أيما تقدير. إحداهما ورثها إردوغان عن أسلافه من حكام تركيا الأتاتوركية وقبلها العثمانية، وثانيهما الموقع الجغرافى.

هنا يمكن أن نقول أن تركيا فى ظل حكم إردوغان ومن سبقوه قدمت للغرب وما زالت تقدم له من خلال احتلالها هذا الموقع خدمات لا تحصى، ولا يمكن أن يتجاهلها أو ينكرها.

أذكر قارئ هذه السطور بأنه الغرب نفسه الذى لا يخفى كرهه لكل ما تمثله ومثلته تركيا فى الماضى، يكرهها منذ خرجت جحافلها المسلمة تجتاح أوروبا المسيحية وتدق على أسوار بولندا وفرنسا ثم تتوقف عند التلال المحيطة بالعاصمة النمساوية.

هو الغرب الذى يحتاج الآن وجود دولة قوية فى شبه جزيرة الأناضول ليردع من على أرضها خطرا لا يغيب، خطر الزحف الروسى المتوقع دائما أن يتقدم نحو الغرب ليحقق حلم أوراسيا، الحلم الذى كثيرا ما داعب خيال القياصرة ومن جاء بعدهم.

زحف روسي آخر يزمع أن يتقدم نحو الجنوب حتى شواطئ البحار العربية الدافئة والغنية مارا بطريقين، طريق سهول وجبال وصحارى آسيا المنتهية فى شبه القارة الهندية وطريق سهول وصحارى بلاد المشرق العربى المنتهية فى المياه الدافئة.

عاد الموقع بفضل أزمات كثيرة الورقة الأعظم فى ترسانة القوة التركية. عاد بفضل أزمة اللاجئين من سوريا والعراق، حشود بالملايين جاهزة بإشارة واحدة من أردوغان للانطلاق نحو السهول الأوروبية الواسعة والمدن الغنية.

عاد أيضا بفضل أزمة الصواريخ الروسية (إس400) وصفقة طائرات إف35. هذه الأزمة خلفت معلومة ونصيحة. المعلومة مفادها أن الدب الروسى قابع منذ قرون فى وضع الاستعداد للقفز وتركيا أول ضحاياه، أما النصيحة فجوهرها أن حلف الناتو لا يستغنى عن تركيا، السدادة المحكمة لعنق البوسفور.

وأن تركيا لن تستغنى عن حلف الناتو الخادم المطيع غالبا. كلاهما لا يستغنى عن الآخر ولن يجد بديلا له. قدمت تركيا للحلف وتُقدم نصيبا معتبرًا من طاقة بشرية عجز عن توفيرها فى دول الحلف الأوروبية.

قدم الحلف لتركيا تزكية سمحت لها بتوظيف جالية معتبرة فى ألمانيا ودول أوروبية أخرى، سمحت لها أيضا بأن تضع لهذه الجالية معايير ولاء لتركيا وطنا أم وحيدا لا يقبل شريكا له فى الوطنية.

لا أحد ينكر أنه بامتلاكه هذه الأرصدة ضمن إردوغان لتركيا دخولا فى سوريا ودحرا للأكراد ونزولا فى ليبيا بصخب مكتوم وتكلفة بسيطة. أتوقع يوما تنجب الجامعات مؤرخا ينسب كل نصر قادم يحققه إردوغان للورقة الأهم فى مخزون أرصدة تركيا، وهى دخوله سوريا وإخضاعها لإرادة تركيا. ففى سوريا ومن سوريا سوف يتشكل كالعادة مستقبل الإقليم.

*     *     *

يبقى الأمر غير المفهوم وإن كنت بين الفاهمين بحكم تجربتى الطويلة مع العمل الجماعى العربى. أعتقد، وبكل الفهم الممكن، أن التاريخ، أيا كانت نية وجنسية وعقيدة من يؤرخه، لن يمر مرور الكرام على المسئولية المباشرة للنظام الإقليمى العربى عن تعاظم الدور التركى فى المنطقة وفى العالم.

المسألة ببساطة يوجزها الاعتراف بأن التقاعس المتعمد عن إقامة أمن جماعى عربى وتكامل اقتصادى عربى، وعن تسوية جميع النزاعات الناشبة بلا معنى أو هدف، وعن الانتباه إلى أن الشرق الأوسط الحالى ليس هو الإقليم الذى كان ولن يعود كما كان، وعن مواجهة الحقيقة المرة وهي أن دولا ثلاث إقليمية صارت تهيمن قليلا أو كثيرا وتدفع بمصالح العرب بعيدا عن طموحاتهم وأهدافهم المشروعة.

المسألة توجزها كل هذه النقائص ونواحى القصور، يوجزها أيضا اقتناعى بأن روسيا، المهيمن الأكبر لسنوات قادمة، لن تهتم كثيرا بنصح وإرشاد من قرر بإرادته المطلقة أن يكون شريكا أضعف.

- جميل مطر كاتب ومفكر مصري مهتم بالشؤون الدولية والعولمة والإصلاح والتحول الديمقراطي.

المصدر | الشروق المصرية

  كلمات مفتاحية