بوليتيكو: جنرالات إيران الجدد الذين يجب مراقبتهم

السبت 25 يناير 2020 08:51 م

أدى مقتل اللواء "قاسم سليماني"، في وقت سابق من هذا الشهر، إلى حرمان إيران من أحد أكثر قياداتها تميزا، وأثار أسئلة جديدة حول استراتيجية إيران لبناء نفوذها والحفاظ عليه في المنطقة. وقد يكون السؤال الأهم هو: بدون قائدها ذو الشخصية الجذابة، هل تضطر إيران للتراجع والتوقف؟ أم أنها سوف تجد طرقا جديدة لمقاومة الضغط؟

بدأت استراتيجية إيران المقبلة تظهر الآن في الأفق، وهي تعطي نافذة على ما تفعله إيران، وما هي التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة.

كان "سليماني" مهما لإيران لأنه كان يرأس "فيلق القدس"، ذراع العمليات الخارجية في الحرس الثوري، الذي كان في عهده عبارة عن آلة مكرسة لدفع الولايات المتحدة والقوات الغربية الأخرى إلى خارج المنطقة، وضمان مكانة إيران كقوة عظمى إقليمية. وتحقيقا لهذه الغاية، قاد "سليماني" جهود إيران لبناء شبكة من الوكلاء، التي كانت عبارة عن فرق أجنبية من المقاتلين الشيعة من غير الإيرانيين الموالين لطهران، والتي قادها بطريقة مباشرة جدا.

وكان من الصعب إيجاد من يحل محله، لكن إيران بدأت المهمة بالفعل. أولا، سارعت إيران بتصعيد اللواء "إسماعيل قآني"، نائب "سليماني"، ليصبح رئيس "فيلق القدس" الجديد.

وهذا الأسبوع، أعلنت إيران عن إجراء جديد ربما يكون أكثر أهمية؛ حيث أعلنت أن نائب قائد فيلق القدس الجديد هو اللواء "محمد حسين زاده حجازي"، الذي تولى في الآونة الأخيرة قيادة "فيلق لبنان" التابع لفيلق القدس، وأشرف على روابط إيران مع "حزب الله"، وأنشطة فيلق القدس في جميع أنحاء بلاد الشام على نطاق أوسع.

وتعد الرسالة وراء ترقية "حجازي" واضحة، وهي أنه ربما يكون "سليماني" قد مات، لكن فيلق القدس الذي قاده يستمر في الحياة، ويتخذ تدابير فعالة لضمان قدرته على الاستمرار في متابعة الاستراتيجية الإقليمية التي دافع عنها.

وبالطبع فإن إيران مجبرة على إعادة النظر في طرق إدارة شبكة الوكلاء وآليات القيادة والسيطرة التي كان "سليماني" يتولاها بقوة شخصيته وعلاقاته. وتقوم إيران بتطوير استراتيجية جديدة للإشراف على ما سماه المرشد الأعلى "علي خامنئي" بـ"مقاتلون بلا حدود". 

ونظرا لأنه لا يوجد قائد واحد يمكنه أن يحل محل "سليماني"، فإن شبكة الوكلاء الإيرانية سيتم إدارتها الآن بواسطة لجنة، حيث سيجمع "فيلق القدس" طاقما من قادته الأكثر خبرة للقيام بأدوار "سليماني". ومن المؤكد أن الزعماء الرئيسيين لوكلاء إيران، خاصة زعيم "حزب الله" اللبناني "حسن نصرالله"، سيلعبون أدوارا رئيسية. لكن يجب على صانعي السياسة إيلاء اهتمام خاص بالتحولات الوظيفية والترقيات داخل فيلق القدس نفسه.

بطريقة ما، أثبت مقتل "سليماني" أنه كان نقطة الفشل الوحيدة لإيران؛ حيث تسببت إزاحته من المعادلة في ترك فجوة كبيرة في استراتيجية إيران الإقليمية

وفي الأعوام القليلة الماضية التي سبقت مقتله في غارة جوية بطائرة بدون طيار في 3 يناير/كانون الثاني، أصبح "سليماني" الوجه الرئيسي لمنظمة سرية تدير شبكة من الجماعات المتشددة السرية أيضا

وفي أعقاب الربيع العربي، والحرب الأهلية السورية، وصعود تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا والعراق، رأت طهران الفرصة، واستغلها "سليماني"، لبناء تحالفات إيران الإقليمية بالوكالة. وكقائد كاريزمي، طوّر "سليماني" أتباعا مخلصين بين مجموعات وكلاء طهران، بما في ذلك القادة والجنود

وكان "سليماني" قائدا عمليا، حيث لعب أدوارا مباشرة وشخصية في العمليات الرئيسية، وأقام روابط شخصية مع قادة الميليشيات الرئيسيين، وتوسط بين خلافاتهم المبتذلة أحيانا بشأن التمويل أو المكانة.

وكان "سليماني" مؤهلا بشكل فريد للعب هذا الدور، لكن خليفته "إسماعيل قآني" ليس كذلك. ومن غير المرجح أن يكون "قآني" قادرا على ممارسة كل الأدوار والمسؤوليات التي اضطلع بها "سليماني". ولعل أكثر مناطق العمليات أهمية بالنسبة لفيلق القدس اليوم هي بلاد الشام، وبالتالي فإن تعيين قائد سلاح فيلق القدس في لبنان، المعروف أيضا باسم "وزارة 2000"، نائبا لـ"قآني" يعد مهما للغاية.

وقبل تعيينه خلفا لـ"سليماني" كرئيس لفيلق القدس، كان "قآني"، أحد النواب الرئيسيين لـ"سليماني"، مسؤولا عن فرع "أنصار القدس"، الذي يغطي أفغانستان وباكستان وآسيا الوسطى نيابة عن فيلق القدس

وعلى الرغم من خبرته في آسيا الوسطى، افتقر "قآني" إلى خبرة عميقة في العالم العربي. وعندما تم تصنيفه إرهابيا من قبل وزارة الخزانة عام 2012، كان في سياق دوره اللوجستي بإرسال الأموال والأسلحة لـ"حزب الله" في لبنان وعناصر "فيلق القدس" في أفريقيا

ويقال إن "قآني" لا يتكلم اللغة العربية، ولن يكون مناسبا تماما لاستبدال "سليماني" كرجل مهم للعلاقة التشغيلية الحميمة لإيران مع وكلائها في العراق واليمن، وسوريا ولبنان على وجه الخصوص.

ويتمتع "حجازي" بمهنة طويلة في فيلق القدس، الذي انضم إليه وقت تأسيسه عام 1979. وبحسب ما ورد، كان "حجازي" من بين قوات الحرس الثوري الإيراني، إلى جانب "سليماني" و"قآني"، اللذين تم إرسالهم إلى الجماعات الكردية الإيرانية في الشمال. وترقى "حجازي" عبر الرتب ليصبح نائبا وقائدا لميليشيا "الباسيج" في الحرس الثوري

وقاد "حجازي" ميليشيا "الباسيج" لمدة 9 أعوام تقريبا، حيث تورطت جماعات "الباسيج" في قائمة طويلة من انتهاكات حقوق الإنسان وفقا للأمم المتحدة.

وفي سبتمبر/أيلول 2007، تم تعيين "حجازي" رئيسا للأركان في الحرس الثوري الإيراني، وبعد شهر، صنفته وزارة الخزانة إرهابيا، إلى جانب "سليماني" ومسؤولين آخرين في الحرس الثوري، لدوره في انتشار أسلحة الدمار الشامل الإيرانية. واستمر "حجازي" في شغل العديد من المناصب القيادية العليا، بما في ذلك نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، ونائب رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية.

كما ترأس "حجازي" فيلق "ثار الله" التابع للحرس الثوري الإيراني في طهران، والذي لعب دورا رئيسيا في حملة القمع التي أعقبت الانتخابات عام 2009. وحينها، كتب "حجازي" رسالة تم إرسالها إلى وزارة الصحة في 26 يونيو/حزيران 2009 يحظر فيها الكشف عن الوثائق أو السجلات الطبية لأي شخص مصاب أو يدخل المستشفى خلال أحداث ما بعد الانتخابات، مما يعني أمرا بالتستر. ونتيجة لذلك، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على "حجازي" عام 2011 لدوره في انتهاكات حقوق الإنسان في إيران.

ومع تحول استراتيجية إيران الإقليمية نحو حرب إقليمية غير متكافئة أكثر عدوانية، احتاج "سليماني" إلى يد من ذوي الخبرة للإشراف على عمليات فيلق القدس سريعة التوسع في بلاد الشام. وتولى "حجازي" بعد ذلك قيادة "القوة 2000" التابعة لفيلق القدس، حيث أشرف على جميع عمليات فيلق القدس في بلاد الشام. ولا يشمل ذلك دعم "حزب الله" فحسب، بل يشمل أيضا دعم الجماعات المسلحة الفلسطينية مثل "حماس" و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين". كما كان مسؤولا عن الإشراف على دعم فيلق القدس لنظام "بشار الأسد" في سوريا.

وعلى خلفية فوضى الحرب الأهلية السورية، قررت إيران عام 2013 شحن صواريخ موجهة بدقة إلى "حزب الله" في لبنان عبر سوريا. وكانت إيران تأمل أن يتم إخفاء عمليات نقل الأسلحة هذه في ضباب الحرب السورية، لكن الغارات الجوية الإسرائيلية أحبطت بعض هذه القوافل. وبحلول أوائل عام 2014، حصلت الصحافة على نافذة عن برنامج الصواريخ الإيرانية.

ووفقا للسلطات الإسرائيلية، في البداية كانت الاستراتيجية الإيرانية تتضمن شحن صواريخ موجهة بدقة كاملة إلى "حزب الله"، ولكن بعد ذلك نقلت التروس، وسعت إلى تهريب أجزاء الصواريخ التي يمكن تجميعها في لبنان. وفي عام 2019، قام "حزب الله" وفيلق القدس بتحديث المشروع من خلال بناء منشآت التصنيع والتحويل في عدة مواقع في جميع أنحاء لبنان، وفقا للسلطات الإسرائيلية. وشمل ذلك إرسال أفراد رئيسيين في فيلق القدس للعيش والعمل في لبنان، والإشراف على العمليات اليومية هناك

وفي أغسطس/آب 2019، نشر الجيش الإسرائيلي علانية تفاصيل هذا الجهد، بما في ذلك أسماء وصور 3 من نشطاء فيلق القدس. وكان من أهم هؤلاء "حجازي"، الذي انتقل إلى لبنان مع أسرته للإشراف على المشروع.

ويعد القرار الجديد بسحب "حجازي" من لبنان، حيث يظل مشروع الصواريخ الموجهة بدقة أولوية لفيلق القدس و"حزب الله"، مثالا واضحا على الكيفية التي تخطط بها إيران لمحاولة ملء الفراغ الضخم الذي خلفه "سليماني"، مع إعطاء أولوية لجهودها في تسليح ودعم الجماعات المسلحة في لبنان وسوريا.

وسيكون هناك شخص آخر يجب مراقبته، وهو اللواء "عبد الرضا شهلاي"، الضابط البارز حاليا في جهود فيلق القدس في اليمن، لكنه شخص يتمتع بخبرة قيادية واسعة في العراق أيضا

وبحسب ما ورد، فقد تم استهداف "شهلاي" في عملية منفصلة في اليمن في نفس الليلة التي قُتل فيها "سليماني"، لكنه نجا واختبأ

وبعد تصنيفه إرهابيا من قبل وزارة الخزانة الأمريكية، لدوره في مؤامرة اغتيال استهدفت السفير السعودي في واشنطن العاصمة عام 2011، ووضع مكافأة قدرها 15 مليون دولار على رأسه من برنامج المكافآت من أجل العدالة التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، ذكرت وزارة الخارجية الأمريكية أن لـ"شهلاي" تاريخ طويل من استهداف الأمريكيين و حلفاء الولايات المتحدة على الصعيد العالمي.

ويؤكد الترويج لورقة قديمة من ذوي الخبرة مثل "حجازي"، الذي يمتلك خبرة في أوراق اعتماد النظام المتشدد في الداخل، احتمال أن تكون الأوامر الموجهة لـ "فيلق القدس" هي المضي قدما في حملة "سليماني" الإقليمية العدوانية للحرب بالوكالة غير المتماثلة

وبدلا من تخفيض الجهد أو التراجع، تشير إيران إلى أنه من المحتمل أن تعتمد بشكل أكبر على ما أسمتهم "مقاتلون بلا حدود" التابعين لفيلق القدس كوسيلة لممارسة النفوذ في جميع أنحاء المنطقة.

وفي حديث له بعد وفاة "سليماني"، دعا زعيم حزب الله "حسن نصر الله" وكلاء إيران، أو ما سماهم بـ"محور المقاومة"، لتكثيف العمليات لإجبار القوات الأمريكية على الخروج من المنطقة. ومن المحتمل أيضا أن يكون حلفاء أمريكا الإقليميون أهدافا؛ لأن طهران تسعى لرفع كلفة الانحياز إلى الولايات المتحدة واستضافة القوات الأمريكية.

المصدر | ماثيو ليفيت - بوليتيكو ـ ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مقتل سليماني حزب الله اللبناني الحرس الثوري الإيراني