التمدد التركي في أفريقيا.. أردوغان يواصل حصد المكاسب

الثلاثاء 28 يناير 2020 08:28 م

ليس من قبيل المصادفة أن يبدأ الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، العام 2020، بجولة في القارة السمراء تشمل كل من الجزائر وغامبيا والسنغال، خلال الفترة بين يومي 26 و28 يناير/كانون الثاني الجاري.

وتعد زيارة "أردوغان" إلى الجزائر الأولى لرئيس دولة إلى البلاد منذ وصول الرئيس "عبد المجيد تبون" إلى السلطة في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

كما تعد زيارة "أردوغان" إلى غامبيا تاريخية كونها أول زيارة لرئيس تركي إلى هذا البلد الواقع في غرب القارة الأفريقية؛ في دلالة لافتة حول توجه أنقرة إلى نسج شبكة علاقات أكبر متانة مع القارة السمراء.

  • أرقام قياسية

ويعد "أردوغان" منذ وصوله إلى السلطة عام 2003، أكثر زعيم في العالم يزور القارة السمراء، وتجاوز عدد الدول التي زارها أكثر من 30 دولة، بعضها زارها أكثر من مرة.

وخلال السنوات الماضية، زار "أردوغان" مصر والسودان والصومال وتونس والمغرب والجزائر وتشاد وإثيوبيا وجنوب أفريقيا والجابون والنيجر والسنغال وغينيا الاستوائية وجيبوتي وكوت ديفوار وكينيا وأوغندا ونيجيريا وتنزانيا وموزمبيق ومدغشقر وغانا.

ويتبنى الرئيس التركي سياسة تنظر إلى اعتبار الشرق الأوسط والقارة السمراء عمقا استراتيجيا هاما لبلاده، وساحة لنفوذ سياسي وعسكري واقتصادي تعوض به أنقرة تقلص فرصها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

وزادت تركيا عدد سفاراتها في القارة السمراء من 12 سفارة في عام 2009 إلى 42 سفارة في الوقت الراهن، وتهدف تركيا لرفع عدد سفاراتها إلى 50، كما زاد عدد سفارات الدول الأفريقية في أنقرة من 10 إلى 35 سفارة خلال الفترة نفسها.

  • منافع متبادلة

وتنفذ تركيا إلى القارة السمراء من بوابة الاقتصاد، وفق قاعدة "الفوائد للطرفين"؛ حيث يؤكد "أردوغان" أن بلاده تريد تبادل المنفعة مع أفريقيا، وليس احتلال أو نهب موارد دول القارة كما تفعل قوى أخرى.

وخلال السنوات العشر الأخيرة، كانت تركيا واحدة من الدول الأربع الأكثر حضورا في القارة السمراء إلى جانب كلا من الصين والبرازيل والهند.

وتعد الأرقام خير دليل على القفزة التي حققتها حكومة حزب "العدالة والتنمية"؛ حيث ارتفع حجم التجارة الثنائية بين تركيا والدول الأفريقية إلى 23.8 مليار دولار في عام 2018 من 5.5 مليارات دولار في عام 2003، وسط خطط لرفع هذا الرقم إلى أكثر من 100 مليار دولار.

ونجحت تركيا في إبرام اتفاقيات للتجارة الحرة (FTA) مع 5 دول أفريقية، ولها اتفاقات حماية متبادلة للاستثمار مع 30 دولة، إضافة إلى اتفاقيات مع 13 دولة لمنع الازدواج الضريبي.

وطبقا لمعلومات تقرير مؤشر الاستثمار الخارجي لعام 2019، بمجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي، فإن استثمارات البلاد في أفريقيا ارتفعت بنسبة 11% مسجلة 46 مليار دولار.

ووسعت الخطوط الجوية التركية عملها في القارة الأفريقية؛ حيث تنظم رحلات إلى 51 نقطة في 33 دولة أفريقية.

وتقدم تركيا دعما سنويا للاتحاد الأفريقي، كما تقدم دعما إنسانيا واسعا للعديد من الدول الأفريقية في مجالات الصحة والتعليم والغذاء ومرافق البنية التحتية.

  • بوابة "تيكا"

وعبر دبلوماسية المساعدات، تعد الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا) (لديها 25 مكتبا في دول القارة) بوابة لتمدد النفوذ التركي في جميع أنحاء القارة السمراء.

وتقوم "تيكا" بتجديد المساجد وبناء المدارس وتجهيز المستشفيات وتوفير التدريب المهني لآلاف الشباب في جميع أنحاء القارة الأفريقية.

وتؤمن تلك القوة الناعمة استثمارات الأتراك في الدول الأفريقية، فضلا عن ترسيخ حضور أنقرة كشريك استراتيجي يؤمن مصالحه وفق خطط طويلة المدى.

ومن خلال "تيكا"، أعادت أنقرة تموضعها في منطقة القرن الأفريقي، وأقامت قاعدة عسكرية في الصومال تطل على خليج عدن، إضافة إلى خطط لإقامة قاعدة بحرية في جزيرة سواكن السودانية، وأخرى في جيبوتي، ووجود عسكري في ليبيا، قد يترجم مستقبلا بقاعدة على البحر المتوسط.

وقبل أيام، أعلن "أردوغان" عن دعوة تلقتها بلاده من الصومال للتنقيب عن النفط في مياه البلاد الإقليمية، في خطوة تفتح الباب أمام استثمارات تركية ضخمة، ومزيد من النفوذ الاقتصادي لأنقرة. وجاء ذلك تزامنا مع توقيع أنقرة اتفاقية مع حكومة "الوفاق" الليبية، لترسيم الحدود البحرية، والتنقيب عن الطاقة، والتعاون العسكري.

وفي نجاح لافت لزيارته إلى الجزائر، أعلن الرئيس "عبدالمجيد تبون" أن الجزائر وأنقرة اتفقتا على تأسيس مجلس تعاون رفيع المستوى، وخطط لرفع التبادل التجاري بينهما إلى 5 مليارات دولار سنويا.

  • رؤية طويلة الأمد

وتعتبر القارة السمراء الواجهة المستقبلية للاستثمار العالمي؛ حيث تعد أحد أسرع 10 اقتصادات نامية في العالم، وهي تحتاج إلى 93 مليار دولار سنويا لتلبية خططها الاستثمارية في البنية التحتية.

ومن المتوقع نمو إنفاق المستهلكين في أفريقيا إلى أكثر من 1.4 تريليون دولار خلال العام الجاري 2020.

لذلك لم يكن التمدد التركي في أفريقيا وليد اللحظة، أو محض صدفة، بل يمكن القول إنه ثمار 17 عاما من العمل منذ العام 2003، حينما أعدّت مستشاريّة التجارة الخارجية التركية استراتيجية تحمل اسم "استراتيجية تطوير العلاقات الاقتصادية مع الدول الأفريقية".

ولإنجاح تلك الاستراتيجية، بدأت تركيا في توظيف مختلف الأدوات بدءاً من إقامة المعارض، إلى إرسال البعثات التجاريّة، وعقد مجالس الأعمال، وتشكيل اللجان الاقتصادية المشتركة، وفتح المكاتب التجارية، وعقد الاتفاقيات.

لكن القفزة النوعية جاءت بإعلان الحكومة التركية العام 2005 "عام أفريقيا"، وفي المقابل أعلن الاتحاد الأفريقي عام 2008 تركيا شريكا إستراتيجيا له.

وفي العام ذاته، عقدت قمة التعاون الأولى بين تركيا وأفريقيا في إسطنبول بمشاركة 49 دولة أفريقية، وتم تتويج العلاقات بين الجانبين بقبول منح تركيا صفة "مراقب" داخل الاتحاد الأفريقي، كما أصبحت تركيا عضوا في بنك التنمية الأفريقي، ومنظمات إفريقية أخرى.

وليس من شك في أن المصالح الاقتصادية التركية تشكل السبب الرئيسي خلف جولات "أردوغان" الأفريقية؛ حيث تبحث أنقرة -على المدى المتوسط والبعيد- عن أسواق بديلة للأسواق المنهارة في الشرق الأوسط، مثل سوريا والعراق.

وتضرب أنقرة عبر هذا التمدد، عدة عصافير بحجر واحد، بما يشمل جني أرباح اقتصادية، وتنويع مصادر النفط والغاز، إلى جانب إعادة تموضعها العسكري، وبسط نفوذها في المنطقة، عبر قواعد قرب البحرين الأحمر والمتوسط، وهي تحركات تأتي في المجمل ضمن خطة أنقرة الكبرى للتحول إلى قوة إقليمية عظمى في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات التركية الأفريقية استثمارات تركية بأفريقيا العلاقات الأفريقية التركية

«أردوغان»: سفاراتنا في أفريقيا تضاعفت إلى 41 سفارة

جاويش أوغلو: بعد كورونا الشراكة التركية الأفريقية ستكون نموذجا

بعد الشرق.. لماذا تسعى تركيا لتعزيز نفوذها في غرب أفريقيا؟

كاتب فرنسي: تركيا تعزز نفوذها في أفريقيا وتلعب مع الكبار