خيارات الفلسطينيين في مواجهة صفقة القرن

الخميس 30 يناير 2020 03:23 م

"رب ضارة نافعة".. قد ينطبق هذا المثل على الواقع الفلسطيني في مواجهة خطة السلام المزعوم التي أعلنها الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، قبل أيام، والمعروفة إعلاميا بـ"صفقة القرن".

وتنص الخطة على إقامة دولة فلسطينية "متصلة" في صورة أرخبيل تربطه جسور وأنفاق، وجعل مدينة القدس عاصمة غير مقسمة لـ(إسرائيل)، إضافة إلى سيادة إسرائيلية على غور الأردن والمستوطنات في الضفة الغربية.

ولا تلقى "صفقة القرن" تأييدا بالمرة من قبل السلطة الفلسطينية، وفصائل المقاومة، والشارعين الفلسطيني والعربي، وهو ما يعني أنها تدفع في اتجاه تبلور جبهة رفض حاشدة، قد تكون أوراقها على أرض الواقع محدودة، لكنها فاعلة وقد تسقط الصفقة برمتها.

  • جبهة الرفض

ويقود جبهة الرفض الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، الذي رفض تلقي اتصالا هاتفيا من "ترامب"، ولوح بـ"انتفاضة شعبية" داخل فلسطين وخارجها لمواجهة الصفقة المزعومة.

وقال "عباس"، في مؤتمر صحفي بمدينة رام الله بالضفة الغربية، إن "صفقة القرن لن تمر"، وتعهد قائلا: "سنحارب بكل ما لدينا من طاقات، أولها التحرك الشعبي السلمي داخل فلسطين وخارجها".

كما رفضت حركة "حماس" الصفقة الأمريكية، وأبدت موافقتها على حضور اجتماع للقوى الفلسطينية دعت إليه السلطة لبحث كيفية مواجهة الصفقة.

وقال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، "إسماعيل هنية": "جاهزون للقاء عاجل مع الإخوة في فتح وجميع الفصائل في القاهرة لنرسم طريقنا ونملك زمام أمرنا ونتوحد في خندق الدفاع عن قدسنا وحرمنا وحرماتنا".

ودعا القيادي البارز في الحركة، "محمود الزهار"، إلى انتهاج خيار المقاومة لإسقاط "صفقة القرن" الأمريكية.

كذلك، هدد عضو المكتب السياسي للحركة، "خليل الحية"، قائلا إن "أيدينا ودماؤنا وبنادقنا وجماهيرنا مقدمة لإسقاط صفقة القرن، وسنقاومها بكل الأشكال لإسقاطها".

بينما دعت حركة "الجهاد الإسلامي" إلى إجراء مراجعة شاملة للمسار السياسي الفلسطيني، واعتماد أسلوب المواجهة أمام هذه المؤامرة.

  • أوراق ضغط

ويتبلور حاليا على الساحة الفلسطينية مواقف غضب تتصاعد تدريجيا ضد الصفقة، بداية من الإضراب الشامل في قطاع غزة، إلى تنظيم احتجاجات غاضبة في غالبية محافظات الضفة الغربية ومدينة القدس، وبلدات في الداخل الفلسطيني.

ومن المتوقع تزايد وتيرة تلك الاحتجاجات وسط تأهب إسرائيلي، وانتشار لقوات الاحتلال في الضفة؛ تحسبا لتنامي الاحتجاجات الفلسطينية.

وتبرز "مسيرات العودة" كورقة ضغط في يد الشارع الفلسطيني بعد أن جرى تعليقها حتى نهاية 30 مارس/آذار المقبل، بعد أن كانت تُنظم على مدار 36 أسبوعا، مسببة الكثير من الذعر والخسائر للاحتلال، إلى جانب إعادة إحياء حق العودة، وحشد الشارع لإفشال مشاريع تصفية القضية الفلسطينية.

ولا يمكن بأي حال من الأحوال استبعاد ورقة الانتفاضة. كانت الانتفاضة الأولى في 9 ديسمبر/كانون الأول 1987، واستمرت لمدة 6 سنوات، قبل أن تنتهي بتوقيع اتفاقية أوسلو بين (إسرائيل) ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993.

وفي 28 سبتمبر/أيلول 2000، اندلعت شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية، واستمرت حتى 8 فبراير/شباط من العام 2005، وأسفرت عن استشهاد 4412 فلسطينيا و48322 جريحا، فيما قتل 1069 إسرائيليا وجرح 4500 آخرين.

وحال اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، مع الأخذ في الاعتبار تطور إمكانات المقاومة، وتوسع أجنحتها العسكرية، وامتلاكها خبرات قتالية واسعة، ومخزونا صاروخيا كبيرا، فإن الصفقة قد تصبح مجرد حبر على ورق، وقد تدفع إلى تفاهمات جديدة على الأرض، تراعي مصالح الطرف الفلسطيني.

  • حق الفيتو

وقد تدفع "صفقة القرن" فصائل المقاومة، خاصة "فتح" و"حماس"، للتقارب وتجاوز الخلافات العميقة بينهما، في اتجاه اصطفاف وطني ينهي الانقسام الفلسطيني المستمر منذ سيطرة "حماس" على قطاع غزة 2007.

ووفق تقديرات مركز الدراسات الأمنية والاستراتيجية الأمريكي "ستراتفور"، فإن الخطة الأمريكية قد تخاطر بظهور حكومة أكثر تشددا في رام الله إذا شعر الفلسطينيون أنهم يفتقرون إلى خيارات أخرى.

ويعتقد الخبير العسكري، اللواء المتقاعد "واصف عريقات"، أن الخيارات أمام الشعب الفلسطيني في مواجهة صفقة القرن الأمريكية الإسرائيلية متعددة، منها تصعيد المقاومة في كل مكان.

ويرى "عريقات" أن "صفقة القرن" تحتاج إلى انتفاضة عارمة في كل الأراضي الفلسطينية كما أنها تحتاج أيضا إلى مواجهات متفرقة حسب الظروف المواتية.

ويصف الأستاذ في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن (SOAS) "جلبير الأشقر"، احتمالية اندلاع انتفاضة شعبية على غرار الانتفاضة الأولى بأنها "ورقة قوة"، قائلا للإذاعة الألمانية إن "الانتفاضة الأولى أربكت إسرائيل كما لم يربكها أي عمل آخر في تاريخ النضال الفلسطيني".

وتلوح خيارات سياسية أخرى في الأفق، منها الانسحاب من اتفاقات أوسلو الموقعة في سبتمبر/أيلول 1995، ووقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وانحياز سلطة "عباس" ومكونات "فتح" إلى خيار المقاومة.

في موازاة ذلك، فإن الخطوات الفلسطينية في حاجة ماسة إلى حملة تضامن عربي وعالمي طويلة المدى، وفرض مقاطعة شاملة على الاحتلال وداعميه، على أملا تغير موازين القوى في البيت الأبيضحال جاء رئيس ديمقراطي لسدة الحكم نهاية 2020.

ومن وجهة نظر الخبير في "أوراسيا غروب" (شركة مختصة في إجراء الدراسات والبحوث)، "هنري روم"، الذي تحدث لـ"فرانس برس"، فإن "حماس لديها حق الفيتو"، في إشارة إلى قدرتها على صناعة ردود فعل قوية لرفض سياسة الأمر الواقع.

وتتفق معه الدبلوماسية الأمريكية السابقة "ميشيل دون"، الباحثة في برنامج كارنيجي للشرق الأوسط، مؤكدة إن الفلسطينيين "بقدر ما هم ضعفاء، يمكنهم دائما أن يقولوا كلا"، ملمحة إلى أن خطة "ترامب" تهدد بتسريع انتقال الفلسطينيين من النضال في سبيل دولة مستقلة "إلى نزاع من أجل الحقوق على غرار ما كان يحصل في جنوب أفريقيا" خلال نظام الفصل العنصري.

وليس من شك في أن الفرصة مواتية لاستعادة أجواء الانتفاضة الأولى (1987-1993)، والثانية (2000- 2005)؛ وهو ما قد يقلب الطاولة على الرابحين من خطة "ترامب"، ويجعل أمن (إسرائيل) على المحك؛ ما قد يصيغ قواعد اللعبة في المنطقة من جديد. 


 

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

صفقة القرن انتفاضة فلسطينية

العراق والأردن يبحثان تأثيرات صفقة القرن على استقرار المنطقة

العرب يعطون أولوية لعلاقاتهم مع أمريكا ضد إيران على حساب الفلسطينيين

الكويت وصفقة القرن.. غموض حذر وموقف غير معتاد

أردوغان: نظرتنا لفلسطين نفس نظرة السلطان عبدالحميد

السلطة الفلسطينية في حل من الاتفاقات المترتبة على أوسلو

كارتر ينتقد صفقة القرن ويحذر من تنفيذها

أرقام وأوهام اقتصادية تلخص صفقة القرن المزعومة