أهلا بالصينيين.. هكذا تحول كورونا إلى فرصة استراتيجية لإيران

الاثنين 3 فبراير 2020 05:09 م

"لا نمانع دخول السياح الصينيين إلى إيران"..

أثار هذا التصريح الصادر عن مساعد وزير التراث الثقافي والسياحة الإيراني، "ولي الله تيموري"، بنهاية يناير/كانون الثاني الماضي، جدلا عالميا واسعا، في ظل تفشي فيروس كورونا في الصين، وقيام العديد من الدول بفرض حظر على دخول الصينيين.

وضاعف من حالة الجدل تبرير "تيموري" لتصريحه بأن "الإجراءات الوقائية اللازمة قد اتخذت في الصين لمنع انتشار الفيروس"، وفقا لما نقلته وكالة أنباء فارس، وزعمه بأنه "لا يوجد أي قلق بشأن الإصابة بهذا الفيروس في إيران"، ما يعني اعتماد طهران بشكل شبه كلي على إجراءات بكين في الحد من خطر كورونا.

وقد أثار هذه التصريحات جدلا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء الموقف الإيراني، الذي ينطوي على مخاطرة كبيرة.

وتكمن دوافع إيران الرئيسية على ما يبدو في مصالح الاقتصاد السياسي الراسخة بين طهران وبكين، والتي تمثل أساس تطور العلاقة الراسخة بين البلدين.

مقايضة تاريخية

تقوم العلاقات الإيرانية الصينية منذ عقود على معادلة مفادها مقايضة السلع والخدمات والتكنولوجيا الصناعية الصينية في مقابل النفط والغاز الطبيعي من إيران، وهو ما تعزز منذ عام 1993 عندما أصبحت الصين للمرة الأولى في تاريخها مستورداً صافياً للطاقة، وباتت تنافس الولايات المتحدة الأمريكية على قمة الدول المستوردة للطاقة في العالم.

ودفع هذا التحول بكين، المتعطشة لموارد الطاقة والمنعزلة في الشرق الأقصى، إلى طرق أبواب الشرق الأوسط متأخرا، وعلى أثر ذلك اتجهت لإيران باعتبارها الدولة الوحيدة المطلة على الخليج غير الخاضعة للهيمنة الأمريكية.

ويتيح الموقع الجغرافي للصين أفضلية على أمريكا في هذا الصدد، إذ يجعلها أقرب إلى القوس الجغرافي الذي يحوي حوالي 71% من احتياطات النفط عالمياً، و69% من احتياطات الغاز الطبيعي.

ويشمل هذا القوس روسيا، وآسيا الوسطى، وإيران والعراق، والسعودية، ودول الخليج العربية، ويسمح للصين بإحراز الأفضلية في التسابق على موارد الطاقة مع واشنطن مستقبلاً، شريطة أن يكون لها موطئ قدم توفره إيران بموقعها في قلب القوس المذكور.

من هنا تأتي أهمية طهران لدى بكين، خاصة في ظل طبيعة النموذج الاقتصادي الصيني الذي يعتمد على التصدير وتحقيق معدلات عالية من التنمية والتشغيل للمواطنين، ما يشترط - ابتداءً - تأمين الطلب المتزايد على الطاقة.

ووفق هذه الصيغة للمصالح المتبادلة، تحولت الصين إلى "غطاء دولي" لإيران في مجلس الأمن، حسب تعبير خبير الشأن الإيراني الراحل "مصطفى اللباد"، عبر استخدام حق الفيتو بشكل متكرر لمنع العقوبات الغربية ضد طهران منذ احتدام الأزمة حول برنامج إيران النووي، وبالتزامن مع ذلك أبرم البلدان صفقات ضخمة في قطاع الطاقة بلغت حوالى 120 مليار دولار.

في هذا السياق يمكن قراءة تقديم طهران للعلاقات الاقتصادية مع الصين على أي اعتبارات وقائية متعلقة بانتشار فيروس كورونا، خاصة أن التقديرات الدولية تشير إلى أن المرض لا يعد وباء مميتا، في ضوء إحصاء يفيد بأن نسبة المتوفين جراء الإصابة به لا تتعدى الـ2%.

وفي هذا الإطار أيضا، يمكن قراءة ما نقلته وكالة فارس الإيرانية عن "فریال مستوفي"، عضو هيئة المندوبين بغرفة تجارة وصناعة طهران، في 17 سبتمبر/أيلول الماضي، بشأن إبرام طهران وبكين عقودا بقيمة 400 مليار دولار، تتولى بموجبها الشركات الصينية المشاريع "دون مناقصات"، وتقديم إيران خصومات بين 20 إلى 30% عند بيع النفط للصين.

العامل الأمريكي

لكن معادلة العلاقات الصينية الإيرانية تعرضت لضغوط كبيرة بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية بشكل أحادي من الاتفاق النووي مع إيران وفرضها عقوبات لا تشمل طهران فقط، بل داعميها أيضا.

وبذلك، تلعب واشنطن دور "العنصر الثالث" في كيمياء علاقة التقارب أو التباعد بين بكين وطهران، حسبما يرى أستاذ العلاقات الدولية الأمريكي "جون كالابريز"، إذ طالما استفادت الصين من الحصار السياسي والاقتصادي الأمريكي المضروب على إيران، عبر شركاتها النفطية، التي دخلت السوق الإيرانية من أوسع أبوابها، وفي الوقت ذاته، فإن بكين ظلت حريصة على عدم تحدي العقوبات الأمريكية الأخيرة بشكل كامل في ضوء مصالحها الاقتصادية الكبرى مع واشنطن.

من هنا يرى "اللباد" أن الصين سوف تحافظ دائما على موقف وسط في علاقاتها مع إيران، فلا يمكن لبكين أن تؤيد ضربة عسكرية لإيران تدمر خلالها حقول النفط والغاز التي استثمرت فيها عشرات المليارات من الدولارات، كما لن يكون بمقدورها أيضا أن تنخرط في صراع عسكري مع واشنطن من أجل حماية إيران من هجوم أمريكي عليها.

ولذلك، حرصت بكين تاريخيا على صقل قدراتها في المناورة بين واشنطن وطهران، لكن مع تصاعد وتيرة التصعيد في الملف النووي باتت الصين أمام لحظة الخيار التي لا تستطيع عندها الاستمرار في المناورة.

انسحاب اضطراري

وفي هذا الإطار، جاء انسحاب شركة النفط الحكومية الصينية (CNBC)، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، من صفقة تطوير حقل بارس الجنوبي، الذي يوفر معظم الغاز الطبيعي الإيراني، بتكلفة تصل إلى 5 مليارات دولار، بعدما أقدمت شركة "توتال" الفرنسية على الإجراء ذاته في مايو/أيار 2018، بسبب العقوبات الأمريكية.

وبذلك خسرت طهران خطة لحفر 20 بئرا ومنصة كانت تهدف لرفع الطاقة الإنتاجية للمشروع إلى ملياري قدم مكعب من الغاز الطبيعي يوميا.

وفي أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، فرضت واشنطن عقوبات على شركات شحن صينية، قالت إنها تنقل النفط الخام الإيراني في انتهاك للعقوبات الأمريكية.

ولذا يرجح "محمد محسن أبوالنور"، رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات العربية "أفايب"، أن يكون "الحديث عن عقود صينية مع إيران بقيمة 400 مليار دولار، مبالغا فيه"، وفقا لما نقلته وكالة سبوتنيك الروسية.

ويستند "أبوالنور" في تشكيكه إلى حقيقة أن "الرئيس الإيراني "حسن روحاني" كان يستهدف من الاتفاق النووي الذي وقعه مع الأوروبيين وأمريكا عام 2005، الحصول على مبلغ 80 مليار دولار، فقط، مشيرا إلى أن المبالغة في أرقام الصفقات بين بكين وطهران قد تكون بإيعاز صيني "لاعتبارات تتعلق بالتنافس الصيني الأمريكي والأوروبي".

ويعضد وجهة النظر هذه التزام الصين بأغلب العقوبات الأمريكية على إيران في الأشهر الماضية، بحسب "أبوالنور"، الذي نوه إلى تخفيض بكين بعض العقود الآجلة مع طهران فيما يتعلق بالمشتريات النفطية.

وفي سياق مقارب، يتوقع المحلل الاقتصادي "أفيجيت جول" في مقال نشره موقع "أوبزرفر ريسيرتش فاونديشن"، مستقبلا قاتما لإيران؛ مؤكدا أن "الصين حليف مهم لإيران، لكن سيكون صعباً عليها تحدي حملة الضغط الأمريكية ضدها".

وبينما يرى المسؤولون في إيران أن ضم بلادهم إلى مشروع الممر الاقتصادي الصيني - الباكستاني (الحزام والطريق)، وهو عبارة عن شبكة من مشاريع البنية التحتية لربط الصين بالعالم، يعد منفذا للالتفات على العقوبات الأمريكية، فإن خطة إيران تواجه عقبات كبيرة.

ويرى الخبير الاقتصادي الباكستاني "شهيد حسن صديقي" أن فرصة قبول إسلام آباد لهذا الضم مستبعدة من الناحية العملية، في ظل ما تواجهه طهران من عقوبات متزايدة من جانب الولايات المتحدة، وفقا لما نقلته وكالة الأناضول.

فباكستان لم تستطع تنفيذ مشروع خط أنابيب الغاز مع إيران، الذي تبلغ قيمته مليارات الدولارات خلال الـ25 عاما الماضية بسبب الضغط الأمريكي، رغم أن طهران أكملت الجوانب الخاصة بها في المشروع منذ فترة طويلة، وهو مؤشر كاف للكشف عن معرفة مصير رغبة طهران في الانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق، حسب "صديقي".

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

فيروس كورونا حسن روحاني الحزام والطريق

ارتفاع عدد وفيات كورونا بالصين إلى 361

إيران تعلن انسحاب الصين وفرنسا من تطوير حقل فارس الجنوبي للغاز

وفيات كورونا تتجاوز حصيلة سارس.. والوباء يهز أسواق الصين

هل يمنح التصعيد الإيراني الأمريكي فرصة للصين بالشرق الأوسط؟

جورج فريدمان: الجغرافيا السياسية لفيروس كورونا

مؤامرة كورونا.. إيران تهدد بتحويل الفيروس إلى وباء عالمي

في تحد لأمريكا.. الصين وإيران تقتربان من شراكة تجارية وعسكرية