هل يكون العراق ساحة للمواجهة الإيرانية الأمريكية المقبلة؟

الأربعاء 5 فبراير 2020 03:04 م

في العراق؛ يمكن لمزيج الميليشيات العنيفة والسياسة المضطربة أن يصبح الشرارة التي تودي بإيران والولايات المتحدة إلى دوامة صراع مسلح، آخذة معها أي بقايا من الاستقرار في بغداد.

في يونيو/حزيران الماضي، أعلنت الولايات المتحدة أن قتل أي من المواطنين أو العسكريين الأمريكيين في العراق يستدعي الانتقام، ثم أثبتت واشنطن رغبتها في تعزيز ذلك الخط الأحمر في سلسلة من الغارات والضربات في أعقاب هجوم صاروخي أسفر عن مقتل متعاقد أمريكي في ديسمبر/كانون الأول.

في أعقاب اغتيال الجنرال الإيراني "قاسم سليماني" في 3 يناير/كانون الثاني، يمكن القول إنه بالكاد تم تجنب شرارة محتملة لنزاع شامل بين الدولتين عندما لم تقم غارة إيرانية مضادة بصواريخ باليستية بقتل أي من أفراد القوات الأمريكية في العراق.

ولكن ليس هناك ما يضمن أن الجولة التالية من الاشتباكات الناجمة عن هجوم قاتل آخر لن تدفع البلدين إلى حافة الهاوية، ومع تكدس العراق بالميليشيات والأسلحة والاضطرابات، يقدم هذا البلد الموقع المثالي لتحقق مثل هذا السيناريو.

المشهد جاهز للتصعيد

طبيعة المسرح العراقي نفسه توضح أن كلًا من إيران والولايات المتحدة على استعداد لاستخدام عمل عنيف ضد بعضهما البعض في أعقاب تصاعد التوترات في الآونة الأخيرة.

فالعراق لا يزال غير مستقر ومليء بالأسلحة، والحكومة العراقية عاجزة عن بسط إرادتها على مجموعة واسعة من الميليشيات المتباينة العاملة في البلاد.

من بين العشرات من الميليشيات في العراق التي لا تخضع لسيطرة الدولة، هناك 3 فصائل رئيسية: تلك المتحالفة عن كثب مع إيران، وتلك المتحالفة بشكل وثيق مع الزعيم الشيعي "مقتدى الصدر"، وتلك التي تندرج تحت قيادة سلطة رجال الدين الشيعة الأكثر انتشارًا في مدينتي النجف وكربلاء الشيعيتين المقدستين.

كل هذه الميليشيات تتألف إلى حد كبير من مقاتلين شيعة عراقيين، وساعد الكثيرون منهم أيضًا وعملوا جنبًا إلى جنب مع القوات الفيدرالية العراقية وحتى أحيانًا قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية".

وعلى الرغم من أن أياً منها لا يخضع مباشرة لقيادة الدولة وسيطرتها، فإن معظم الميليشيات العراقية تندرج أيضًا تحت مظلة منظمة، هي "قوات الحشد الشعبي"، التي أصبحت مكونًا رسميًا في قوات الأمن التابعة للدولة العراقية.

وفي حين أن الميليشيات المتحالفة مع إيران تقع منطقياً بشكل أوثق تحت قيادة طهران وسيطرتها، إلا أنها تظل جهات فاعلة مستقلة.

وتوفر هذه المسافة لإيران بعض الإنكار المعقول بشأن مسؤوليتها عندما تهاجم جماعة مسلحة هدفًا أمريكيًا أو مدنيًا في العراق.

لكن استعداد الولايات المتحدة لإلقاء اللوم مباشرة على إيران يتزايد حتى عندما تكون جماعة بالوكالة هي المسؤولة عن الهجوم، ما قد يؤدي إلى هجمات انتقامية من الميليشيات ويحفز دائرة من التصعيد.

تستهدف القوات الأمريكية في العراق بالفعل بشكل متزايد الوكلاء الإيرانيين ذوي الثقل الكبير مثل "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق".

بعد وقت قصير من اغتيال "سليماني"، استضافت إيران سلسلة من الاجتماعات مع قادة الميليشيات العراقية، ومع تزايد التصعيد الأمريكي الإيراني، ستكون هناك جهود إضافية بين طهران ووكلائها العراقيين لتنسيق الانتقام من الولايات المتحدة.

ولكن العديد من من الجماعات المسلحة الكثيرة في العراق معادون بالفعل للقوات الأمريكية في البلاد دون أن يكونوا موالين لإيران بالضرورة.

هذا يعني أن بعض قوات الميليشيات العراقية - بغض النظر عما إذا كانت متحالفة مع طهران - لديها الدافع والوسائل لمزيد من الهجمات بقذائف الهاون أو الصواريخ أو العبوات الناسفة على القوات الأمريكية القريبة.

لذلك، ففي حين أن معظم هجمات الميليشيات على القوات الأمريكية في العراق ربما ترتبط بطريقة أو بأخرى بإيران (بما في ذلك الهجوم الأخير على السفارة الأمريكية في 26 يناير/كانون الثاني)، فإن الضربة التي تؤدي إلى سقوط ضحايا أمريكيين يمكن أن تأتي أيضًا من فصائل مسلحة مختلفة على الأرض، وقد يُساء فهمها من قبل واشنطن على أنها عملية بقيادة إيران أو أنها موجهة.

استمرار عدم الاستقرار العراقي

ومما يعمق احتمالية عدم الاستقرار في العراق، المنافسة الشديدة بين مجموعات الميليشيات المختلفة، وكذلك عجز بغداد عن بسط نفوذها وسيطرتها على أي منها.

في نفس الغارة الجوية التي أدت إلى مقتل "سليماني"، قتلت الولايات المتحدة القيادي البارز بالحشد الشعبي "أبومهدي المهندس".

وكان "المهندس" بصفته موحدًا قويًا للقوات، مركزًا للثقل داخل مظلة المنظمة الجامعة لقوات الحشد الشعبي، وبالتالي فإن غيابه سوف يفتح المجال في النهاية لمنافسة أكبر بين الميليشيات العراقية، ما يزيد من ضعف السيطرة التي كانت تتمتع بها بغداد على ميليشيات البلاد في خضم تسابق تلك الميليشيات للحصول على مزيد من السلطة.

وسيزيد هذا من خطر العنف، ويحول دون التعاون بين الولايات المتحدة والحكومة المركزية العراقية في عمليات مكافحة الإرهاب.

ومما يضاعف من حدة الفوضى في بغداد أيضًا؛ حركة احتجاج وطنية جريئة مناهضة للحكومة تطالب بإصلاحات حكومية منذ أكتوبر/تشرين الأول.

ونفذت قوات الأمن العراقية حملات قمع واسعة ضد المتظاهرين، الذين تمكنوا من إجبار رئيس الوزراء السابق "عادل عبدالمهدي" على الاستقالة في نوفمبر/تشرين الثاني.

ومن المرجح أن تزداد حدة الاضطرابات في ظل محاولة الفصائل السياسية المختلفة في العراق التلاعب بالحراك، بما فيها تلك التي يقودها "الصدر".

يعكس قرار "الصدر" الأخير بالانتقال من دعم الاحتجاجات إلى معارضة الحراك رغبته في الحفاظ على سلطته السياسية، والتي نمت على مر السنين مع ضعف سلطة الحكومة المركزية.

ويبدو أن هذه الخطوة تُظهر بعض التنسيق بين "الصدر" والميليشيات المتحالفة مع إيران والحكومة الفيدرالية الذين توجد لديهم من ناحية أخرى رؤى متضاربة بشأن مستقبل العراق السياسي.

ولكن بدلاً من مواءمة سياسية أكبر، فإن قرار "الصدر" بالتراجع عن موقفه يعني بشكل أكبر رغبة مشتركة بين النخب السياسية في العراق لتجنب إرباك الوضع الراهن الذي سمح لهم بالازدهار في بغداد.

لكن من المرجح أن يؤدي ظهور جبهة أكثر تنسيقًا ضد الحراك المناهضة للحكومة إلى إحباط المحتجين من كافة الفصائل والنخب العراقية، ما يزيد من خطر حدوث المزيد من الاضطرابات، وبالتالي؛ المزيد من القمع المزعزع للاستقرار على المدى القريب.

ووسط تصاعد التوترات في الآونة الأخيرة بين واشنطن وطهران، لا تزال هناك احتمالية كبيرة لتجاوز إيران الخط الأحمر الأمريكي المتعلق بوقوع ضحايا الأمريكيين.

ومع كون السيطرة أقل على كل من مجموعات الميليشيات المسلحة والمواطنين الغاضبين، لن يكون بمقدور الحكومة العراقية القيام بالكثير لمنع اندلاع حرب دامية بالوكالة على أرضها.

ومع استمرار العراق في كونه جبهة نشطة بين إيران والولايات المتحدة، فإنه سيكون بالتالي واحداً من أكثر المناطق قابلية لاشتعال مواجهة أخرى في المستقبل المنظور.

المصدر | إيميلي هاوثورن | ستراتفور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مقتل سليماني الحكومة العراقية مليشيات الحشد الشعبي العلاقات الإيرانية الأمريكية

زيارة أمريكية سرية للعراق للتحذير من خسارة دعم واشنطن

هكذا تضغط أمريكا على العراق لوضع حد لتقاربه مع إيران

أمريكا بين قواتها بالعراق والجارة إيران.. ماذا تفعل؟