رحلة صعود.. كيف تحولت تركيا إلى مورد عالمي للسلاح؟

الثلاثاء 11 فبراير 2020 04:10 م

وسط ضغوط دولية، وعقوبات أمريكية وأوروبية، ومحاولات للحصار، يبدو جليا بلغة الأرقام، أن تركيا تقدم نفسها اليوم كقوة بارزة في مجال إنتاج وتصدير الأسلحة.

وتتصدر الولايات المتحدة ودول أوروبية قائمة مستوري السلاح من تركيا بعد تحقيق الأخيرة قفزات هائلة نقلتها من خانة المستورد إلى دائرة التصنيع الذاتي وصولا إلى قائمة الدولة المصدرة.

وتفرض 9 دول أوروبية قيودا على توريد الأسلحة إلى تركيا، وهي التشيك وفنلندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وإسبانيا والسويد وبريطانيا وكندا؛ بسبب عملية "نبع السلام" التي شنها الجيش التركي في مناطق سيطرة الأكراد شمالي سوريا، العام الماضي.

  • قصة صعود

خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وصلت واردات تركيا من الأسلحة من الولايات المتحدة إلى مستويات قياسية، وذلك في عهد الحكومات التركية المتعاقبة التي هيمن عليها الجيش سابقا؛ حيث كانت تركيا خلال الفترة الواقعة بين عامي 1991 و2017 خامس أكبر مستورد للأسلحة على المستوى العالمي.

لكن تحديدا منذ وصول حزب "العدالة والتنمية" إلى سدة الحكم نهاية 2002، توجهت البلاد نحو الاهتمام بالصناعات الدفاعية، ورفعت البلاد الميزانية العسكرية في 2018، إلى 23 مليار دولار، لتصبح واحدة من بين الدول الـ15 الأكثر إنفاقا على التكنولوجيا الحربية.

واحتلت تركيا المركز الرابع عشر على قائمة الدول المصدرة للسلاح عالميا في 2018، مسجلة زيادة في صادراتها بنسبة 170% مقارنة بعام 2014.

وفي إشارة لافتة لهذا التحول، جاءت الولايات المتحدة كأكبر مستورد للسلاح من تركيا بقيمة 748 مليون دولار، ثم ألمانيا بقيمة 242.21 مليون دولار، وحلت سلطنة عمان ثالثا، تلتها قطر ثم الإمارات، وبعدها هولندا وبريطانيا والهند وبولندا وفرنسا، وفق تقارير عسكرية تركية.

ويعود هذا التحول اللافت إلى رغبة حكومة الرئيس "رجب طيب أردوغان" في تقليل اعتماد البلاد على الواردات من الخارج، لا سيما بعد حرمان أنقرة مرارا من الحصول على منظومات صاروخية وطائرات متطورة، وفرض إملاءات غربية مجحفة عليها كشرط لإبرام صفقات السلاح معها.

  • استراتيجية التأمين

وفق المحلل التركي "سمير صالحة"، فإن تلكؤ بعض دول حلف "الناتو" في مد تركيا ببعض أنواع الأسلحة المتطورة، كان محفزا لأنقرة على السعي لتأمين احتياجاتها من السلاح وتحقيق الاكتفاء الذاتي.

وخلال العامين الأخيرين، تسلمت القوات التركية مدرعات وناقلات  جنود وعربات إسعاف مضادة للقنابل وطائرات مسيّرة بدون طيار استطلاعية ومسلحة، وصواريخ مجنحة متفاوتة المدى، ورشاشات، وأجهزة رادار، وسفن حربية، وغواصات، ودبابات من إنتاج محلي.

وخلال 2018، بلغت أعداد المركبات التي تم تسليمها إلى القوات المسلحة التركية، 650 مركبة مدرعة و40 مروحية "أتاك" و90 طائرة مسيرة بدون طيار، حسب بيانات رسمية.

وضمن استراتيجية تحقيق الاكتفاء الذاتي، ارتفع عدد مشاريع الصناعات الدفاعية من 66 مشروعا عام 2002، عندما وصل حزب "العدالة والتنمية" إلى السلطة، إلى 600 مشروع عام 2018.

وجراء تلك التحولات، دخلت شركات تركية رائدة قوائم أكبر 100 شركة لصناعة الدفاع عالميا، كشركة "وروكيتسان" وشركة الصناعات الجوية التركية، وشركة "أسيلسان".

كذلك نجحت تركيا في تطوير أقمارها الصناعية الخاصة، على غرار "راسات"، وهو قمر محلي لمراقبة الأرض، علاوة على "غوك ترك-1" الذي يعتبر قمرا صناعيا عسكريا للمراقبة.

  • تحذيرات إسرائيلية

أثارت القفزة التي حققتها تركيا في مجال تصنيع وتصدير السلاح قلق دوائر إسرائيلية أبدت حسرتها على فترة كانت فيها تركيا عميلا رئيسيا للأسلحة الإسرائيلية، قبل أن تصبح الآن منافسا قويا يهدد سوق السلاح الإسرائيلي.

ويؤكد تقرير عبري، نشره موقع "Israel Homeland Securit" أن الصناعات التركية تنافس بقوة نظيرتها الإسرائيلية، بل بدأت تدخل في منافسة مع العديد من الصناعات الأخرى في العالم، مشيدا بنجاح الطائرة التركية بدون طيار من نوع "أنكا" في إجراء أول رحلة جوية لها بمحرك محلي الصنع.

وتعد تركيا من أكبر ثلاث دول صاعدة في إنتاج وتصدير السلاح وفق إحصاءات عام 2017.

ويزداد القلق الغربي من تنامي القدرات العسكرية التركية، خاصة في مجال صناعة الطائرات بدون طيار؛ حيث تعد تركيا واحدة من بين أول أربع دول في العالم في هذا المجال.

وارتفع عدد طائرات "بيرقدار TB2" المسيرة التي تملكها القوات التركية من 38 إلى 94 ، لتزاحم حلف شمال الأطلسي (ناتو) في صناعة وتصدير الطائرات المسيرة.

وجرى تصدير تلك الطائرات إلى كل من قطر وأوكرانيا، بينما تجري تركيا مفاوضات لبيعها إلى إندونيسيا وتونس خلال العام الجاري 2020.

  • توطين الصناعات

ويعزز الصعود التركي في سوق السلاح توجه الحكومة بقوة نحو توطين الصناعات العسكرية؛ حيث تهدف أنقرة إلى سد نحو 65% من احتياجات البلاد القتالية عبر الإنتاج المحلي.

ويجري ذلك وفق استراتيجية تقوم على منح الأولوية للشركات التركية في إقامة أنظمة وبرامج التسليح والقتال الأساسية للجيش، في محاولة للتحرر تدريجيا من فاتورة شراء الأسلحة من الخارج.

ولتعزيز توطين التكنولوجيا، ارتفع عدد مراكز "تكنوباركس" التي تضم شركات التقنية التركية من مركزين في عام 2001 إلى 84 مركزا عام 2019 موزعة على 56 مدينة تركية.

لكن تركيا تواجه تحديات في توطين بعض الصناعات العسكرية مثل صناعة الصواريخ بعيدة المدى والطائرات الشبحية المقاتلة؛ ما دفعها لخوض سباقات لاستيراد منظومة الدفاع الصاروخية الروسية "إس 400"، ومنظومة "باتريوت" الأمريكية، ومقاتلات "إف-35".

ولتلافي ذلك مستقبلا، من المخطط، حسب وسائل إعلام تركية، أن تستثمر 12 شركة تركية، خلال الفترة المقبلة، ما لا يقل عن 1.4 مليار ليرة (350 مليون دولار) في تصنيع أنظمة الدفاع الصاروخي، والدروع، والكاميرات الحرارية، والطائرات الحربية.

وفي نهاية 2018، قررت أنقرة إنشاء أول وكالة فضاء تركية ضمن تطلعاتها لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الصناعات الدفاعية.

  • أربعة عصافير

في حصاد جدي لثمار تلك المتغيرات، فازت تركيا بمناقصة لبناء 4 سفن حربية (كورفيت) لصالح القوات البحرية الباكستانية، كما أبرمت اتفاقات وتوأمة مع دول عدة في مجال الصناعات الحربية لتوريد مروحيات "أتاك" وصواريخ "بورا" الباليستية ومدفع "فيرتينا" وغواصة "بيري ريس" البحرية وغيرها.

وضمن خطط طموحة، يهدف قطاع الصناعات الدفاعية لزيادة حجم مبيعاته إلى 26.9 مليار دولار، وصادراته إلى 10.2 مليارات دولار، وعدد موظفيه إلى 79 ألفا و300 موظف، كما يهدف لزيادة معدل الإنتاج المحلي إلى 75%، بحلول عام 2023.

وتقف تركيا حاليا على مشارف حيازة جيل جديد أكثر تطورا من الدرونز المسلحة، وامتلاك أسطول من غواصة "بيري رئيس" (محلية الصنع)، ستدخل الخدمة 2022، وكذلك إنشاء حاملة طائرات محلية ستدخل الخدمة بنهاية 2020.

ووفق مؤسسة "ستراتفور" للدراسات الاستخباراتية، فإن تركيا التي تمتلك ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف الناتو، تسعى لضرب عدة عصافير بحجر واحد من خلال هذه الجهود؛ الأول تعزيز اكتفائها الذاتي من خلال امتلاك صناعة دفاع محلية متطورة، والثاني تقليل عبء الفواتير الباهظة للإنفاق على الأسلحة الأجنبية، والثالث التحرر من هيمنة موردي الأسلحة الغربيين، والرابع استغلال صادراتها من الأسلحة كوسيلة لتعزيز حضورها ونفوذها حول العالم.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السلاح التركي توطين صناعة السلاح

تركيا تعلن تصدير مجنزرة برمائية للفلبين