مستقبل قطاع النفط العراقي في ظل التوترات المحلية والإقليمية

السبت 22 فبراير 2020 05:52 م

تتنافس طهران وواشنطن على النفوذ في العراق منذ الغزو الأمريكي قبل 17 عاما. ودفع اغتيال الجنرال الإيراني البارز "قاسم سليماني"، العراق إلى خضم الصراع بين أمريكا وإيران. ويعاني العراق بالفعل من العنف والاحتجاجات المناهضة للحكومة في الداخل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019، لكنه وجد نفسه في حالة اضطراب جديدة مع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران.

وبعد وقت قصير من مقتل "سليماني"، صوت البرلمان العراقي على طرد القوات الأمريكية من البلاد. وحث "مقتدى الصدر"، رجل الدين الشيعي العراقي البارز، الذي يعادي التأثيرات الأجنبية في العراق، أبناء شعبه على تنظيم مسيرة مليونية ضد الوجود الأمريكي في العراق.

وبينما رأى المتظاهرون المناهضون للحكومة في العراق أن المسيرة المليونية تخدم استمرار النظام السياسي الحالي، احتشد مئات الآلاف في شوارع بغداد للمطالبة بأن تغادر القوات الأمريكية البلاد. ولم ترفض إدارة الرئيس "دونالد ترامب" القيام بذلك فحسب، بل هددت أيضا بفرض عقوبات على العراق وتجميد حساب إيرادات النفط لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، الذي يحظى بنحو 90% من الميزانية الوطنية العراقية.

وسوف يؤدي تجميد الحساب إلى انهيار الاقتصاد العراقي وإغراقه في حالة أكثر قتامة. ولا تتمتع بغداد بالرفاهية للمخاطرة بإيراداتها من صادرات النفط، فهي شريان الحياة الاقتصادي الوحيد في البلاد. كما تهدد عقوبات واشنطن مستقبل قطاعها النفطي الذي ينمو رغم المشاكل الهيكلية الخطيرة وأعوام الحروب والفوضى.

ورغم تمكّنه من استغلال نسبة صغيرة فقط من 143 مليار برميل من احتياطيات النفط المؤكدة حاليا، فإن العراق ينافس بالفعل المنتجين الرئيسيين للنفط في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، بفعل تكاليف الإنتاج المنخفضة والجيولوجيا السهلة.

ونظرا لكونه ثاني أكبر منتج للنفط في "أوبك" بعد المملكة العربية السعودية، فقد تضاعف إنتاج العراق من النفط خلال العقد الماضي، من 2 مليون برميل يوميا في عام 2005 إلى 4.5 مليون برميل يوميا في عام 2017. 

والآن، تهدف وزارة النفط العراقية إلى رفع الإنتاج إلى 8 ملايين برميل يوميا في الـ20 عاما المقبلة، لكنها مهمة صعبة بالنظر إلى النقص الحاد في المياه والكهرباء اللازمين لإنتاج النفط، وكذلك بسبب الأزمات السياسية المتكررة التي تقلل من حماس المستثمرين الأجانب. وتشكل هذه العوامل حواجز أساسية أمام النمو المستقبلي لقطاع النفط، بينما تهدد العوامل الجيوسياسية بتراجع تقدمه الحالي.

ويعتمد قطاع الطاقة في العراق على ضخ المياه في حقول النفط للحفاظ على ضغط الخزان وزيادة الإنتاج. ولا يعد خيار حقن الغاز الطبيعي لصيانة الضغط في حقول النفط ممكنا في الوقت الحالي في العراق؛ بسبب نقص البنية التحتية اللازمة. ولم يتم بناء مرفق إمدادات مياه البحر المشترك الذي طال انتظاره، والذي سيعالج مياه البحر من الخليج العربي ويرسله لجهود استخراج النفط عبر خطوط الأنابيب.

ويبقى مستقبل مرفق إمدادات مياه البحر غير مؤكد؛ بسبب تردد المستثمرين في تنفيذ المشروع نظرا لشروط العقود غير المناسبة. وتعد المياه المطلوبة لحقن حقول النفط أعلى طلبا في جنوب العراق، الذي ينتج ثلثي نفط العراق وحيث تندر المياه. وبدون هذا المرفق، لن يتمكن العراق من زيادة إنتاجه النفطي.

ونظرا لأن الزيادات الكبيرة في إنتاج وصادرات النفط تعتمد على استخدام الكهرباء، يتوقف تشغيل محطات التصدير في بعض الأحيان في حال نقص الطاقة دون ضخ النفط في الصهاريج. وفي كثير من الأحيان، يجب على شركات النفط إنتاج الكهرباء الخاصة بها لمواصلة عملياتها.

وبدون مورد طاقة موثوق، لن يتمكن العراق من إعادة بناء البنية التحتية لاقتصاده، بما في ذلك أنظمة نقل وتوزيع النفط. وتسبب انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة في حدوث اضطرابات في جميع مدن العراق الرئيسية، وساهم في الاحتجاجات الحالية.

وفي حين أن الأزمة السياسية المستمرة لم تضعف بعد قدرة العراق على إنتاج النفط، على الرغم من قطع حركة المرور من قبل المتظاهرين أمام الوصول إلى حقول النفط الجنوبية، تبدو آفاق نمو قطاع النفط الآن أكثر قتامة.

أولا، تسببت الحملة العنيفة ضد المحتجين، والشلل السياسي، وتوسع نفوذ إيران، في تجنب المستثمرين الأجانب لقطاع الطاقة العراقي. وكان الفساد، والروتين، وضعف الوصول إلى الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والماء، مصدرا للإحباط للمتظاهرين العراقيين في الشوارع والمستثمرين الأجانب على حد سواء. وساهمت المشاورات البطيئة لتشكيل حكومة جديدة، في أعقاب استقالة رئيس الوزراء "عادل عبدالمهدي"، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، في تشكك المستثمرين في بيئة الاستثمار في العراق.

علاوة على ذلك، من المرجح أن يتسبب قرار بغداد بطرد القوات الأمريكية، وإمكانية فرض عقوبات انتقامية من الولايات المتحدة وتجميد الحساب المصرفي للعراق في نيويورك، في الحد من الاستثمارات الغربية، التي يحتاجها العراق بشدة لإعادة بناء قطاع الطاقة والاقتصاد ككل.

ثانيا، بدأت بعض شركات النفط الكبرى، مثل "شيفرون" و"إكسون"، في سحب موظفيها الأمريكيين من العراق بعد وفاة "سليماني" وتزايد التوترات بين بغداد وواشنطن. وحتى الآن، لم يؤثر الانسحاب المحدود للموظفين الأمريكيين على إنتاج النفط في العراق. لكن إذا تحولت الاحتجاجات المستمرة إلى مزيد من العنف، فقد تخفض شركات النفط الدولية الكبرى وجودها في البلاد، حيث كانت تتذمر بالفعل بسبب عقود إنتاج النفط "غير العادلة".

وقد تتساءل شركات الطاقة الأجنبية عما إذا كانت ممارسة الأعمال التجارية في العراق تستحق المخاطرة. ووفقا لتوقعات الوكالة الدولية للطاقة في يناير/كانون الثاني 2020، فعلى المدى المتوسط، ستزيد المخاوف الأمنية من صعوبة بناء القدرة الإنتاجية للعراق.

وللبقاء على قيد الحياة في ظل أزماتها الاقتصادية والسياسية، قد لا يكون أمام بغداد أي خيار سوى واشنطن. وفي 10 فبراير/شباط، وافقت الولايات المتحدة على تمديد إعفاء العراق لاستيراد الغاز الطبيعي من إيران لمدة 120 يوما أخرى. وستكون أزمة الكهرباء أسوأ من دون استيراد الغاز الإيراني. وبدون الإعفاء، سيواجه العراق عقوبات أمريكية إذا اشترى الطاقة الإيرانية بطريقة غير مشروعة.

وتحت ضغط من الولايات المتحدة، قد يتمكن العراق أخيرا من إضافة المزيد من الطاقة المحلية لتوليد الطاقة وتقليل واردات الغاز الإيراني، حيث يسعى جاهدا لبناء بنية تحتية لمعالجة الغاز المشتعل من مواقع إنتاج النفط واستخدامه لإنتاج الكهرباء.

وفي نهاية المطاف، يبدو أن إمكانات إنتاج النفط في العراق تتوقف على التوازن بين تصرفات إيران وردود فعل واشنطن، بقدر ما تتعلق بحل المشاكل الداخلية. ولسوء الحظ، فإن مستقبل قطاع النفط في العراق أصبح مرتبطا بشدة بالتطورات الجيوسياسية في المنطقة أكثر من أي وقت مضى.

المصدر | سلطنات بردكيفا - إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

نفط العراق نفوذ إيران بالعراق العلاقات الإيرانية الأمريكية

صادرات العراق النفطية تنمو في نوفمبر رغم الاحتجاجات

العراق يفقد نصف إيراداته جراء هبوط أسعار النفط

السعودية والعراق لن يعوضا قفزة أسعار شحن النفط

إيرادات النفط العراقي تنخفض إلى النصف في أبريل