لماذا رفضت إثيوبيا توقيع الاتفاق الأمريكي حول سد النهضة؟

السبت 29 فبراير 2020 07:13 م

حالة من الأمل والتفاؤل سادت التصريحات الصادرة عن مختلف أطراف التفاوض بشأن ملف سد النهضة، قبل آخر جولة للمفاوضات التي كان من المقرر أن تستضيفها العاصمة الأمريكية واشنطن يومي الخميس والجمعة (27-28 فبراير/شباط)، مع وجود تسريبات أشارت إلى اتفاق الدول الثلاث، السودان ومصر وإثيوبيا حول 90% من جملة نقاط الخلاف، إلا أن أديس أبابا لم تلبث أن فاجأت الجميع بطلبها إرجاء توقيع الاتفاق النهائي بحجة "الحاجة إلى التشاور" مع الأطراف المحلية المعنية قبل توقيع الاتفاق النهائي.

ويبدو أن التبرير الذي قدمته أديس أبابا للانسحاب من المفوضات يفتقر إلى المنطقية بشكل كبير، فتفاصيل الاتفاق حول ملء وتشغيل السد يفترض أنها محل مناقشات مستفيضة في الداخل الإثيوبي، كما جرى التباحث حولها خلال الاجتماعات التي عُقِدت في واشنطن في 12 و13 فبراير/شباط الجاري، وشارك فيها وزراء الخارجية والموارد المائية لمصر والسودان وإثيوبيا، وأدارها وزير الخزانة الأمريكية "ستيفن منوتشين"، وبالتالي فإن التحجج بالحاجة للتشاور تبدو محاولة لكسب الوقت أكثر منها تبريرا واقعيا.

وعزز من الشكوك حول موقف الطرف الإثيوبي حقيقة أن الأطراف المعنية بالمفاوضات استكملت تقريبا مباحثاتها بخصوص الخطوط الأساسية لاتفاق ملء سد النهضة وتشغيله، والتي تتضمن ملء السد على مراحل وإجراءات محددة للتعامل مع أوقات الجفاف التي قد تتزامن مع عملية ملء السد، وذلك خلال الجولة الأولى من المفاوضات التي جرت برعاية أمريكية.

وبينما لم يقدم بيان وزارة الموارد المائية الإثيوبية الخبر اليقين، جاء تعليق السفير الإثيوبي لدى الولايات المتحدة "فيتسوم أريغا" عبر تويتر ليقدم التفسير الأكثر صراحة لموقف أديس أبابا، إذ كتب مغردا: "إثيوبيا لن تُوقِّع أبداً على أي اتفاق يقضي بتنازلها عن حقها في استخدام نهر النيل".

انحياز أمريكي

وفي ساعة متأخرة من ليل الجمعة، أعلن وزير الخزانة الإثيوبي أن مصر وقعت بالأحرف الأولى على الاتفاق الأمريكي، مجددا تعهده بالعمل من الدول المعنية للوصول إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف.

ولكن الانسحاب المفاجئ لأديس أبابا من المفاوضات وتعليقات السفير الإثيوبي تعكس مخاوف ضمنية لدى إثيوبيا من انحياز الولايات المتحدة لصالح مصر خلال التفاوض وممارستها ضغوطاً على إثيوبيا لتقديم تنازلات لا ترى أديس أبابا أنها مضطرة إلى تقديمها، وهو ما عبّر عنه المحلل السياسي "أبيل أبات" صراحة بقوله: "يوجد الكثير من الانزعاج مؤخراً لدى الإثيوبيين بسبب سلوك الولايات المتحدة"، وفقاً لما نقلته وكالة "أسوشيتد برس".

وفي هذا الإطار، تذهب الباحثة في مركز وودرو ويلسون "مارينا أوتواي" إلى أن إثيوبيا تعتقد أن الولايات المتحدة تدعم المصريين، وأن واشنطن تدخلت في قضية سد النهضة لأن الرئيس "دونالد ترامب" أراد أن يحقق نجاحا جديدا على مستوى السياسة الخارجية، عبر إثبات قدرته على الوصول إلى حل للخلاف المحتدم حول ماء النيل.

وعليه فإن صناع القرار في إثيوبيا يعتقدون بأن الولايات المتحدة ليست وسيطا عادلا في مفاوضات السد، حسب تحليل "أوتواي".

ويفسر ذلك ما كشفته مصادر دبلوماسية مصرية بشأن طلب إثيوبيا من مصر والولايات المتحدة إرجاء التوقيع على اتفاق إلى ما بعد الانتخابات التشريعية المقررة في أغسطس/آب المقبل، بحجة ضمان استمرار حكومة "آبي أحمد" في أديس أباب لتنفيذ الاتفاق، ما بدا أنه وسيلة للتهرب من توقيع الاتفاق، وفقا لما نقله موقع "العربي الجديد".

وتدور تفاصيل الاتفاق الأمريكي بالأساس حول تحديد آلية محددة للتنسيق بين مصر والسودان وإثيوبيا في إدارة فترة ملء السد الأولى، بحيث يتم السماح لمصر بالمطالبة باتخاذ التدابير الاستثنائية بناء على مؤشرات مقياس فيضان النيل الأزرق وهو أمر ترى إثيوبيا أنه سيطيل فترة ملء خزان السد لأكثر من 7 سنوات، وسيعيق ردرة السد على إنتاج الكهرباء بشكل كاف في الفترة بين صيف 2021 وخريف 2026.

ويرى الخبير في الشؤون الأفريقية بالمجلس الأطلسي "كاميرون هادسون" أن "عدم توقع الجانب الإثيوبي لطبيعة وثقل دور واشنطن والبنك الدولي" في مسألة مفاوضات السد تكمن وراء موقف أديس أباب المفاجئ، مضيفا: "تصورت أديس أبابا أن دورهما هامشي في وقت كانا يدفعان في اتجاه اتفاق نهائي ملزم لا يخدم بالضرورة المصالح الإثيوبية على المدى الطويل"، وفقا لما نقله موقع "الجزيرة نت".

وإزاء ذلك، فإن الاعتذار الإثيوبي عن استكمال مفاوضات سد النهضة تسبب في شعور بالمفاجأة والإحباط بواشنطن، بحسب مصادر الدبلوماسية المصرية، التي أشارت إلى أنه "لا يمكن تصور أننا، وبعد 3 جولات رفيعة المستوى من المفاوضات، وبعد زيارة وزير الخارجية بومبيو لإثيوبيا، وبعد كل هذه الجهود الدبلوماسية خلال الفترة الأشهر الأخيرة، أننات سوف نصل لهذه النتيجة".

معارضة إثيوبية

لكن ثمة تفسير آخر يرى أن موقف المعارضة الإثيوبية بشأن تفاصيل التفاوض حول سد النهضة مثل عنصرا ضاعطا على حكومة "آبي أحمد" ودفعها إلى الانسحاب من الجولة الأخيرة من مباحثات واشنطن.

وفي هذا الإطار، يشير المحلل السياسي "أندو ألم سيساي" إلى أن عددا كبيرا من رموز المعارضة الإثيوبية اعتبروا مسودة الاتفاق التي رعتها واشنطن تصب في صالح القاهرة، وتفرض شروطا لا يتعين على أديس أبابا قبولها، وفقا لما نقلته قناة "الجزيرة".

ووفق هكذا تصور فإن قبول أديس أبابا للضغوط المصرية حول فترة ملء السد (وبالتالي القبول بإبطاء عملية إنتاج الكهرباء التي تحتاجها إثيوبيا بشدة) من شأنه أن تكون له تبعات سياسية خطيرة في الداخل الإثيوبي، حسب تحليل "أوتواي".

وفي السياق ذاته، يرجح المحلل السياسي "عبدالمنعم أبو إدريس" ارتباط طلب إثيوبيا المفاجئ تأجيل جولة التفاوض حول سد النهضة بالداخل الإثيوبي يرتبط بشكل رئيسي بتحديات الداخل الإثيوبي، حيث يأتي القرار استباقاً للانتخابات البرلمانية المقررة في أبريل/نيسان المقبل.

ووفقا لـ"إدريس"، فإن التحالف الحاكم بزعامة "آبي أحمد" يخشى أن توقيع الاتفاق سوف يؤثر سلبا على حظوظه في الانتخابات.

في ضوء ذلك، يقرأ "أبو إدريس" تصريح "بومبيو" بعد زيارته الأخيرة لأديس أبابا معلنا أن مفاوضات سد النهضة لن تنتهي في فبراير/شباط الجاري وأن هناك الكثير من المشكلات ما زالت عالقة وقيد المناقشة في الداخل الإثيوبي، و"ربما تحتاج إلى شهور" لحسمها.

وعليه يبدو أن هناك انقساما بين الخبراء حول تفسير أسباب انسحاب إثيوبيا من المفاوضات، وما إذا كان الهدف الرئيسي هو كسب الوقت قبل الانتخابات، أم أن هناك نية لدى إثيوبيا للانقلاب على الاتفاق بشكل كلي.

يرجح خبير القانون الدولي والمياه "أحمد المفتي" السيناريو الثاني باعتباره متسقاً مع مواقف إثيوبيا المتشددة منذ بدء المفاوضات، والقائمة على أساس النزوع إلى فرض تشغيل سد النهضة وفق إرادتها المنفردة.

بينما يرى رئيس تحرير صحيفة "المشهد" المصرية (أسبوعية) "مجدي شندي" أن دخول الولايات المتحدة كوسيط تفاوضي لن يسمح لإثيوبيا بمل السد منفردة وضرب كل ما تم التوصل إليه في المفاوضات بعرض الحائط، وفقا لما أوردته قناة "الجزيرة".

ويعتبر "شندي" أن القاهرة اكتسبت قوة في المفاوضات الأخيرة وهي قادرة إلى إجبار "أي طرف ثالث على أن سيصبح منصفا على الأقل في تحقيق الحد الأدنى من المتطلبات المصرية"، حسب قوله.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سد النهضة أديس أبابا آبي أحمد ستيفن منوشين دونالد ترامب مايك بومبيو