استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

فيروس كورونا والمفردة غير السحرية

الأحد 1 مارس 2020 06:55 م

فيروس كورونا والمفردة غير السحرية

تواصل المفردة غير السحرية ممارسة ذلك العنف القاتل متعدد الأنساق والأسواق والفيروسات!

ثمة ما ينحطّ ويتسخ ويتلوث في البيئات الكونية الواسعة قبل المحلية الضيقة في الواقع.

انتشار الوباء أطلق فيروسات إيديولوجية وبائية واسعة النطاق عششت بمجتمعاتنا وإنْ في حال سبات!

لا مبالغة أن يقع اقتصاد السوق ذاته في مآزق متعاقبة إزاء احتواء الفيروس والعجز عن توفير مقاومة شاملة فكيف بوقاية فعالة.

*     *     *

برنار بيفو، الصحافي والإعلامي الفرنسي الشهير، اختار طرافة من نوع خاصّ في التعليق على فيروس كورونا الذي يجتاح العالم، بتؤدة تارة وبسرعة جنونية تارة أخرى!

فغرّد هكذا: "بتنا نعرف على نحو أفضل شخصية فيروس كورونا. إنه معادٍ للرأسمالية (هبوط أسواق البورصة)، وهو يحبّ الذهب (+8%)، ومحبّ للبيئة (رحلات طيران أقلّ في السماء)، ونافر من البشر (يكره أن يتبادل الناس الحديث)، وطهراني بيوريتاني (يحول بين البشر والملامسة)".

بعض الفلاسفة، خاصة أولئك المعنيين بهواجس الجموع والأبعاد الثقافية للاعتلال الكوني، أمثال السلوفيني سلافوي جيجيك؛ ذهب إلى أنّ انتشار الوباء قد أطلق فيروسات إيديولوجية وبائية واسعة النطاق، كانت تعشش في مجتمعاتنا وإنْ في حال سبات: الأخبار الملفقة، نظريات المؤامرة العظامية والارتيابية، انفجارات العنصرية، وانتعاش نزوعات الحظر تحت قناع الوقاية، والمزيد من الحثّ على إغلاق الحدود والفصل بين البشر.

وليس أقلّ طرافة من الفرنسي بيفو أنّ جيجيك يلجأ إلى مشهد من فيلم كوينتن ترانتينو Kill Bill، حين تنجح بياتريكس في الإجهاز على الشرير بيل خلال مبارزة تستخدم في ختامها تقنية الضربة الخماسية: "ألا تذكّر هذه الفكرة بأولئك؟ أليست فكرة أولئك الذين يتكهنون حول الكيفية التي سينتهي بها وباء كورونا إلى سقوط الحكم الشيوعي في الصين، شبيهة بهذا؟"؛ يكتب جيجيك.

نقّاد النيو ــ ليبرالية، الجديرة بتسميتها الثانية الملازمة: الليبرالية المتوحشة، لا ينطلقون من أيّ معطى عنصري حين يشيرون بأصابع اتهام عديدة إلى الخيارات التصنيعية القصوى التي اعتمدتها الحكومة الصينية، رغم تأثيراتها المدمرة على البيئة.

وعلى رأسها عمليات حرق الكربون وما يتسبب به من تلويث وأمراض تنفس وسرطانات رئة في مراحل مبكرة من العمر. الصين هي ورشة العالم الصناعية الأولى، وربع ما يُصنّع في العالم يجري في الصين، وأرقام الوفيات الناجمة عن أمراض التنفس تتجاوز 300 ألف سنوياً.

ومن العجيب أنّ حقائق علمية صلبة أفادت، وتفيد اليوم أيضاً، أنّ الفيروسات القاتلة المستجدة ليست من صنع الطبيعة، ولا ذنب فيها للبقر أو الدجاج أو الخنازير أو الخفافيش أو الأفاعي؛ بل هي من صنع البشر أنفسهم، لأنفسهم، وذلك عبر مواضعات متفاوتة الإيذاء على أصعدة التصنيع والغذاء وتلويث البيئة، قاسمها المشترك الأعظم هو المفردة غير السحرية: الرأسمالية.

وفي كتابه "أصول الأيدز" أوضح جاك بيبان جملة جذور رأسمالية، وفي قلبها معطيات استعمارية وما بعد استعمارية، أتاحت ولادة الفيروس وسهّلت انتشاره عالمياً؛ عبر قوى اجتماعية وسياسية واقتصادية واسعة النفوذ وهائلة التأثير.

ولم يكن ينقص المأساة المتعاظمة، التي بات الوباء يخلّفها في أربع رياح الأرض، سوى تدخّل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لجهة إقصاء أهل الاختصاص من علماء الفيروسات والأوبئة والوقاية الصحية (تيم زيمر، مدير الأمن الصحي العالمي والدفاع الحيوي في مجلس الأمن القومي الأمريكي)؛ لصالح تعيين أهل الأساطير والخرافات والاستيهامات الدينية (نائبه مايك بنس، صاحب السجلّ الأسوأ في الميدان الصحي حين كان حاكم ولاية إنديانا).

ولكي يكتسب المشهد الأمريكي بُعْدَ امتزاج المأساة بالمهزلة، خرج الإعلامي المحافظ راش ليمبو بنظرية مؤامرة تقول إنّ وسائل الإعلام اخترعت (قبل أن يعدّل فيقول إنها ضخّمت) فيروس كورونا بهدف أوّل أعلى هو… تعطيل إعادة انتخاب ترامب لولاية رئاسية ثانية!

وليست مبالغة، والحال هذه، أن يقع اقتصاد السوق ذاته في مآزق متعاقبة إزاء الحدّ من انتشار الفيروس، وبالتالي العجز عن توفير المقاومة الشاملة، فكيف بالوقاية الفعالة؛ وذلك بصرف النظر عن الخدمات المتوفرة في قطاعات الدولة والقطاعات الخاصة على حدّ سواء، وأياً كانت مستويات تقدّم أو تأخّر المؤسسات.

في فرنسا كما في إيران، وفي العراق على غرار إيطاليا، فضلاً عن الصين ذاتها قبلئذ؛ ثمة ما ينحطّ ويتسخ ويتلوث في البيئات الكونية الواسعة، قبل تلك المحلية الضيقة في الواقع، حيث تواصل المفردة غير السحرية ممارسة ذلك العنف القاتل، متعدد الأنساق والأسواق و… الفيروسات!

* صبحي حداد كاتب سوري

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

وفيات كورونا تتجاوز 3 آلاف حول العالم