استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الصراع بين التغيير والحفاظ على الواقع الراهن

الأربعاء 5 أغسطس 2015 06:08 ص

لاسباب عديدة تشكل في الاعوام الاربعة الاخيرة تحالف بين دول اقليمية ودولية يضع خطا احمر في المنطقة لمنع تغيير الوضع السياسي الراهن والتوازن الاستراتيجي بين مكوناتها. وبرغم الضجة التي صاحبت توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى، فان ما يحدث في العلن وما يناقش وراء الكواليس يؤكد ان ثمة تفاهما حقيقيا قد تم الاتفاق عليه بين هذه الدول التي تشكل في جوهرها «قوى الثورة المضادة» لمواجهة التغيير المحتمل.

ويمكن القول ان الاتفاق النووي الإيراني كان ضمن تلك التوافقات برغم الضجيج الإعلامي من قبل الكيان الاسرائيلي. فإيران قد تشهد نموا اقتصاديا محدودا، ولكن الاتفاق، برغم اهميته، يحجم من قوتها وارادتها السياسية ونفوذها الاقليمي. 

عندما اعلنت بريطانيا العام الماضي بناء قاعدة عسكرية في البحرين، كتبت مجلة «ايكونوميست» في كانون الاول/ديسمبر الماضي مقالا مهما بعنوان: لقد رجعنا We are back». وبرغم ان نغمة المقال لم تكن داعمة لبناء القاعدة الا انه ذكر معلومة مهمة ذات بعد استراتيجي.

فقد ذكر ان ثمة تفاهما قد تم بين الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا تنقل واشنطن بموجبه ثقلها العسكري إلى جنوب آسيا والمحيط الهادىء لمواجهة توسع النفوذ الصيني خصوصا الاقتصادي، بينما ستعيد بريطانيا ثقلها مجددا إلى الشرق الاوسط لملء الفراغ الناجم عن الانكماش الامريكي المتوقع.

ونسبت المجلة لوزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند قوله: «حيث ان الولايات المتحدة تركز جهودها على منطقة آسيا والمحيط الهادىء، فان المتوقع منا نحن وحلفاءنا الاوروبيين ان نتحمل شطرا اكبر من الجهد في الخليج والشرق الادنى وشمال افريقيا». قد تكون هذه المعلومات عادية في نظر الكثيرين، ولكنها ذات اهمية قصوى لمن يريد ان يستشرف مستقبل المنطقة السياسي.

فهذا ينطوي على امور عديدة:

أولها ضمان استمرار الانظمة العربية الحليفة للتحالف الانكلوأمريكي وحمايتها من محاولات التحول الديمقراطي.

ثانيها اقامة منظومة سياسية شرق اوسطية بموازاة ذلك لضمان امن الكيان الاسرائيلي،

ثالثها: استخدام الاتفاق النووي الإيراني لإحداث تغيير في السياسة الإيرانية تجاه الكيان الصهيوني او تخفيف حدة تلك السياسة وتقليل أثرها على التوازن العسكري والسياسي مع الكيان الاسرائيلي.

رابعها: لكي تنجح المنظومة السياسية «المحافظة» لا بد من تخفيف وطأة المنظومة الامنية التي تمارسها أنظمة المنطقة مع شعوبها فتكون بمثابة الصاعق الذي يشعل فتيل الثورة والتغيير، كما تمثل إحراجا للتحالف الانكلوأمريكي الذي يحاصر بالانتهاكات الفظيعة لحقوق الانسان من قبل الانظمة الاقليمية الصديقة.

ما مدى صدقية هذه الافتراضات؟ يمكن في هذا المجال تسجيل عدة حقائق:

الاولى، ان بريطانيا وسعت دورها كثيرا بمنطقة الخليج، ولكن بشكل غير مكشوف. فهي المسؤولة الاساس عن الملف الامني في البحرين، بعد ان بعثت عددا من «خبرائها» لهذا البلد الذي يشهد ثورة شعبية منذ اكثر من اربع سنوات. وبدأت ذلك التدخل بارسال جون ييتس، النائب السابق لرئيس شرطة لندن، وعدد من «المستشارين» في مجال الشرطة والقضاء. وتشعر المعارضة البحرانية انها مستهدفة بجهاز أمن متمرس يهدف لاقتلاع المعارضة بدون ان يترك آثارا كبيرة تكشف مدى القمع. 

ثانيها: ان بريطانيا تدخلت بشكل شبه مباشر في حرب اليمن. وفي الشهر الماضي اعترف وزير الدولة لشؤون الدفاع، ايرل هاو، في جوابه لسؤال قدمه احد اعضاء مجلس اللوردات بان بلده تدعم السعودية في مجالات ثلاثة: تزويدها بالاسلحة الموجهة (من قنابل وصواريخ)، وبالمعلومات الاستخبارية العسكرية، وبالخبراء الذين يديرون تلك الاسلحة المتطورة من مراكز القيادة والتحكم السعودية.

وهذه هي المرة الاولى التي تعترف فيها دولة غربية بدور في الحرب الظالمة، الامر الذي يفسر الدمار الشاسع الذي حدث في اليمن، وان ذلك غير ممكن بدون ادارة الضربات الجوية من قبل عناصر تمتلك خبرة وتدريبا ومعرفة عميقة بطبيعة الاسلحة والعمليات.

ثالثها: ان بريطانيا لعبت دورا كبيرا للتأثير على نص الاتفاق النووي المذكور، وذلك بطلب من السعودية. وتميز الموقف البريطاني بانه يسعى لاسترضاء الحلفاء الخليجيين وعدم تسهيل مهمة التوقيع الا بعد ان تتوفر ضمانات حقيقية بان الاتفاق سيؤدي إلى اضعاف تأثيره وفاعليته. يضاف إلى ذلك ان بريطانيا ربما تعهدت بمساعدة بعض دول الخليج لاقتناء مفاعلات نووية لمنافسة إيران.

وفي الاسبوع الماضي فوجىء الكثيرون عندما ظهر على موقع وزارة الخارجية البريطانية كشف بالصادرات إلى البحرين وعلى رأسها «مفاعلات نووية»، فماذا يعني ذلك؟

رابعها: ان السياسة البريطانية لم تكن متحمسة لمواجهة «داعش»، بل ترددت كثيرا عندما قررت امريكا تشكيل التحالف ضدها. ولم تتحمس للمشاركة الا بعد مقتل ثلاثين سائحا بريطانيا قبل أسابيع بتونس، وبعد ان اتضح ان عدد المواطنين البريطانيين الذين يلتحقون بذلك التنظيم في سوريا تجاوز الالف.

خامسها: ان بريطانيا تسعى لاحداث توازن بين احتمال تطور العلاقات بين امريكا وإيران، وعلاقاتها مع دول الخليج، لمنع محاولات زعزعة تلك الانظمة او مطالبتها بالتحول الديمقراطي. وفي العامين الاخيرين لوحظ حماس بريطاني واسع للدفاع عن بعض حكومات الخليج خصوصا البحرين والسعودية بوجه الانتقادات الدولية في مجال حقوق الانسان.

وطرح وزير الخارجية البريطاني في مؤتمر الامن بالمنامة في شهر ديسمبر الماضي قوله الشهير: «امنكم هو امننا»، 

قد يطرح التساؤل التالي: إذا كانت امريكا تسعى لفك الارتباط بشكل تدريجي مع المنطقة ونقل ثقلها العسكري إلى آسيا والمحيط الهادىء فلماذا تواصل استهداف تنظيم «داعش» في العراق وسوريا؟

ثمة حقائق لا يمكن اغفالها في هذا المجال.

أولاها: ان بريطانيا لا تستطيع وحدها القضاء على ظاهرة الإرهاب في المنطقة. لقد استطاعت امريكا توجيه ضربات شبه قاضية لتنظيم القاعدة، فبعد ان قتلت اسامة بن لادن في العام 2011 استهدفت عناصره في باكستان واليمن حتى استطاعت ان تشل التنظيم تماما. بينما بقي ايمن الظواهري معزولا عن العالم وغير قادر على توفير قيادة ميدانية بديلة لتنظيم «داعش» الذي تمدد حتى في افغانستان. 

ثانيها: ان حركة طالبان هي الاخرى استهدفت من قبل الامريكيين وكذلك من داعش التي تمددت في شرق افغانستان على حسابها.

وجاء الإعلان الاسبوع الماضي عن «وفاة» الملا محمد عمر، الزعيم الروحي لطالبان، ليزيد الحركة ضعفا ويشتت افرادها بين المجموعات الاخرى خصوصا داعش التي استقطبت الكثيرين منهم. وإضعاف القاعدة وطالبان جانب اساس في الاستراتيجية الغربية المدعومة من بعض دول الخليج.

هذا التحالف الخليجي ـ الغربي روج "داعش" بديلا لهما، الا انه اصبح الآن عبئا على هذا التحالف، فاصبح هو الآخر مستهدفا ايضا. لقد استخدم داعش لتحقيق امور عديدة:

أولها ضرب مجموعات الإسلام السياسي، وقد تحقق جزء كبير من ذلك.

وثانيها اضعاف الحراك الشعبي للتغيير الديمقراطي واستبداله بالمشروع الطائفي والاقتتال الداخلي، وتحقق ذلك ايضا اما بسبب الصدود الشعبي نتيجة تصاعد موجات العنف والتطرف والطائفية او بسبب رفع شعار التصدي لداعش مؤخرا.

وثالثها ازالة التهديد الذي كان موجها للدول الغربية من قبل القاعدة.

ورابعها: صرف الانظار عن قضية فلسطين تمهيدا للتطبيع مع الكيان الاسرائيلي في لحظة استغفال للشعوب التي اشغلت بتمزقها الداخلي.

هكذا تبدو الخريطة السياسية في الشرق الاوسط مضطربة ومشوشة ومستعصية على الاستيعاب خارج اطار الصراع المحتدم بين الاستبداد والديمقراطية وبين الإسلام ومشروعه السياسي من جهة ومناوئيه واعدائه من جهة اخرى.

لذلك شمرت بريطانيا عن سواعد الجد فيما تتوجه امريكا بعيدا عن المنطقة بعد ان تحتوي الاخطار والتحديات المذكورة. انها النسخة الاخرى من سايكس بيكو التي تمزق الامة وتبعدها عن الصراع الحضاري باشغالها بالاقتتال الداخلي والعنف الذي يأتي على الاخضر واليابس، في غياب المواقف المسؤولة من العلماء والكتاب والإعلاميين والمثقفين.

٭ د. سعيد الشهابي كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

  كلمات مفتاحية

الخليج أمريكا آسيا المحيط الهادىء الدولة الإسلامية العراق سوريا