استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الديموغرافيا والجيوبوليتكا .. «المعجزة اليهودية الثانية»

الأربعاء 5 أغسطس 2015 06:08 ص

روى يفغيني بريماكوف الأكاديمي والسياسي المعروف ومستشار الأمن القومي ورئيس الوزراء الأسبق لروسيا في كتاب صدر له مؤخراً باللغة الروسية بعنوان: «روسيا.. الآمال والسياسة»: وقد قرأت تقريضاً كتبه مترجمه الخاص عبد الله حبه جاء فيه: إن الطغمة الأوليغارشية اليهودية سيطرت على جميع مقاليد اقتصاد الدولة ودوائرها الإعلامية في عهد الرئيس بوريس يلتسين وذلك باستغلال العلاقة مع زوجته اليهودية، كما أشار إلى أنه أثار حفيظة الأوليغارشيين الذين سعوا إلى إبعاده من موقع السلطة لوقوفه ضدهم ونجحوا في ذلك. 

مع حديث بريماكوف نستعيد موضوع الدور الذي لعبته القوى الصهيونية في «تهجير» يهود الاتحاد السوفييتي السابق إلى «إسرائيل»، وفي تخريب النظام الاشتراكي، وأقتبس هنا كلمة «تهجير» من عنوان مهم لعباس شبلاق صدر قبل أسابيع يتناول فيه ظروف وملابسات «هجرة» يهود العراق. 

عندما قال رئيس الوزراء «الإسرائيلي» الأسبق أيهود أولمرت في أواخر العام 2007: إن النجاح الذي حققه اليهود (المقصود فرض التهجير) كان أحد أسباب انهيار الاتحاد السوفييتي، وبالمقابل فقد جعل «إسرائيل» دولة غنية ومزدهرة ولكن حديثه لم يؤخذ على محمل الجد الكامل واعتُبِر من باب المبالغة وتعظيم الأدوار، لكن مثل هذا الاعتقاد لم يقتصر على الزعماء «الإسرائيليين» وحدهم، بل يشاطرهم فيه بعض قادة الاتحاد السوفييتي السابق، وهو ما كشف عنه بريماكوف مؤخراً. 

لقد وصف شامير هجرة اليهود السوفييت ب«المعجزة اليهودية» الثانية، وهو يعني بالمعجزة الأولى قيام دولة «إسرائيل»، حيث يدرك الأهمية البالغة لعملية الهجرة تلك، خصوصاً في ظل المأزق الذي وصلت إليه «إسرائيل» في حينها، باندلاع الانتفاضة الفلسطينية في أواخر العام 1987، ثم خبا ضوؤها بعد الغزو العراقي للكويت في 2 آب (أغسطس) العام 1990، ومن ثم انهيار الاتحاد السوفييتي في أواخر العام 1991، حتى وصل الأمر إلى اتفاق أوسلو مع «إسرائيل» العام 1993 وما سبّبته تلك المتغيرات من إشكالات وردود فعل داخلية على عموم دول المنطقة وعلى النطاق الدولي في الآن ذاته.

منذ وقت مبكّر عبّر هيرتزل الأب الروحي للحركة الصهيونية عن حقيقة الطابع العنصري الاستعماري الاستيطاني للصهيونية في كتابه الدولة اليهودية The Jewish State عندما وصف اليهود بأنهم شعب مستعمِر (بالكسر). وحين قامت «إسرائيل» هتف ابن غوريون قائلاً: حدثت «المعجزة المزدوجة» (ويقصد بها احتلال الأرض وطرد السكان العرب)، ذلك لما تحتله مسألة الهجرة في المشروع الصهيوني، من مكانة تتعلق بتأثير التغييرات الديموغرافية في الجغرافية السياسية، ولاسيّما ل«إسرائيل» ومشروعها التوسعي.

وقد استهدفت عملية تهجير اليهود السوفييت إلى «إسرائيل» في أواخر الثمانينات ومطلع التسعينات، الوقوف بوجه ما سمّي بالقنبلة الديموغرافية الفلسطينية، التي يمكن أن تهدّد بالانفجار، وتؤثر في التركيب السكاني لدولة «إسرائيل»، وبخاصة خلال ربع القرن القادم، حسب بعض التقديرات العلمية بما فيها «الإسرائيلية»، ولهذا فإن استقدام أعداد غفيرة من المهاجرين (وصل تعدادهم خلال ثلاث سنوات إلى نحو مليون مهاجر) وتقديم المغريات للبعض منهم للاستيطان في القدس، وبعض مناطق الضفة الغربية، إنما يُراد منه مواجهة التغييرات الديموغرافية الفلسطينية المحتملة، إضافة إلى مواجهة الانتفاضة والتأثير فيها معنوياً في حينه.

لقد كشف إيغال ألون الأهداف الاستعمارية الاستيطانية للعدوان «الإسرائيلي» بعد 5 يونيو/ حزيران العام 1967 حين قال (واجبنا استيطان «إسرائيل» الكبرى). إن من يشكّ في هذا يضع علامة استفهام حول «العقيدة الصهيونية»!

لقد بدا المشروع الصهيوني قبل صفقة هجرة اليهود السوفييت وكأنه في مأزق وأزمة خانقة على الصعيد الداخلي وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي، وخصوصاً بفضل انتفاضة الحجارة والهجوم السياسي السلمي لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولهذا فإن عمليتي الهجرة والتهجير كانتا بمثابة إنعاش للمشروع الصهيوني، ولمواجهة الانفجار السكاني الفلسطيني، بقنبلة ديموغرافية يهودية ومعاكسة من الخارج، للاستقواء على الانتفاضة وتبديد الآمال بانتصارها.

إن هجرة اليهود إلى «إسرائيل» كانت إحدى أبرز نقاط الالتقاء المشتركة للحركة الصهيونية، خصوصاً وأنها تشكّل البعد الأساسي في المشروع الصهيوني، فاستقدام المزيد من اليهود، يعني تهجير المزيد من الفلسطينيين والتمهيد لإقامة دولة ««إسرائيل» الكبرى» وهو ما دفع تجمّع الليكود في حينها إلى رفع شعار ««إسرائيل» كبيرة.. «إسرائيل» قوية»، أي أنها بحاجة إلى التوسّع (الأرض) وبحاجة إلى مهاجرين، ويقابل ذلك دائماً ترحيل سكان البلاد الأصليين!

ترافقت الهجرة اليهودية من الاتحاد السوفييتي السابق وبلدان أوروبا الشرقية، بحدوث تغييرات داخلية فيها، شملت النظام التوتاليتاري، والإعلان عن الرغبة في قيام إصلاحات ديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، على الرغم مما رافق تلك التغييرات من انفلاتات، وارتكاسات فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ولكن الرغبة في إجراء تغيير ديمقراطي وإلغاء أجواء الاستبداد والتعسف، ترافقت أيضاً مع صعود الدور الصهيوني المحلي واستئناف العلاقات الدبلوماسية مع «إسرائيل» لكل من هنغاريا وتشيكوسلوفاكيا وبلغاريا وبولونيا ويوغسلافيا (والاتحاد السوفييتي) وروسيا فيما بعد، إضافة إلى رضوخ ألماني ديمقراطي في حينها (بعد هدم جدار برلين) لمطالب «إسرائيل» بالاعتراف بالمجازر ضد اليهود وحقهم بالتعويض عن الأضرار التي ألحقها هتلر بهم. واقترن ذلك بضغط أمريكي لفتح باب الهجرة اليهودية إلى «إسرائيل» كبوابة لا غنى عنها للوفاق الدولي الذي تكرّس في مؤتمر قمة مالطا أواخر العام 1989.

ولم يعد بمقدور الاتحاد السوفييتي وقف (الهجرة والتهجير)، خصوصاً في ظل تصاعد النشاط الصهيوني، حيث تحولت العملية من هجرة فردية طوعية إلى أشبه بالتهجير الجماعي الإكراهي، على الرغم من إعلان موسكو وقف الجسر الجوي، والإعراب عن رغبتها في ألا يتحوّل المهاجرون إلى الأراضي المحتلة، خصوصاً بعد وضع الولايات المتحدة قيوداً جدية بوجههم بموجب القانون الذي سنّه الكونغرس الأمريكي في أكتوبر/ تشرين الأول 1989، حيث قلّص نفقات الهجرة وعدد المهاجرين. كما أن افتتاح محطات جديدة في بوخارست وبودابست (أغلقت فيما بعد) بديلاً عن محطتي فيينا وروما، لم يحلّ المشكلة، وشكّل مثل هذا الوضع عائقاً جدياً أمام حرية اختيار أماكن الهجرة، الأمر الذي يعني وضع المهاجرين أمام خيار وحيد وهو الهجرة إلى «إسرائيل».

وإذا كانت القوى التحررية واليسارية تقدر مواقف الاتحاد السوفييتي السابق بدعم البلدان العربية، وخصوصاً مصر وسوريا في مواجهة «إسرائيل»، إلاّ أنها فوجئت بالموقف السوفييتي الجديد بخصوص السماح بهجرة اليهود إلى «إسرائيل»، وقد خاطب عدد من أطراف الحركة الشيوعية والتحرّرية العربية، الاتحاد السوفييتي لإعادة النظر بموقفه الخاطئ من الهجرة، وعدم السماح بتحويلها لصالح المشروع الصهيوني، علماً بأنه لم تكن ولن تكون عاملاً مساعداً لإحلال السلام في المنطقة الذي لن يتحقق إلا بتمكين الشعب العربي الفلسطيني من العودة إلى وطنه وإقامة دولته الوطنية المستقلة، وذلك في إطار حقه في تقرير مصيره.

إن التبدّل السريع في موقف الاتحاد السوفييتي أعاد إلى الأذهان موقفه الخاطئ وغير المبرّر من قيام دولة «إسرائيل»، وانقلاب رفضه للتقسيم إلى تأييد له، وحماسته لتبريره وترويجه، الأمر الذي سارت على خطاه بعض الأحزاب الشيوعية، والتي أفقدها بعض صدقيتها وجمهورها، كما أفقد الاتحاد السوفييتي جزءاً من سمعته كنصير للشعوب.

ولم تكن مواقف المجتمع الدولي بمستوى المسؤولية أيضاً، إذ كان عليه بدل الرضوخ لمطالب «إسرائيل» بالهجرة والتهجير ليهود الاتحاد السوفييتي والعالم، العمل على حماية السلم والأمن الدوليين كهدف سام للأمم المتحدة وشعوب المعمورة والضغط عليها للاستجابة لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، للتوصّل إلى حلٍّ سلمي عادل وشامل، وتتحمّل الولايات المتحدة مسؤولية استثنائية مضاعفة لكونها الشريك الأساسي والمشجع الأول ل«إسرائيل» في السابق والحاضر، والتي تتولى مهمة حمايتها وتعارض بشدّة أي إدانة دولية لها، بل تريد مكافأتها على عدوانها المتكرر على الأمة العربية بزعم تهديد «أمنها».

لم يكن النشاط المحموم الذي قامت به الصهيونية في الاتحاد السوفييتي، يقتصر على تهجير اليهود، بل عملت بكل طاقتها لحلّ اللجنة الاجتماعية لمناهضة الصهيونية التي أسسها الزعيم السوفييتي يوري أندروبوف، معتبرة أي حديث عن الصهيونية يندرج في خانة معاداة السامية، كما سعت على المستوى الدولي لإلغاء قرار الأمم المتحدة 3379 الخاص بمساواة الصهيونية بالعنصرية، والأكثر من ذلك فإنها لاحقت مفكرين سوفييت مثل يفغيني يفسييف الذي لديه مؤلفات عديدة ضد الفكر والعقيدة الصهيونية، وقد وجد مقتولاً في ظروف غامضة في ضواحي موسكو.

  كلمات مفتاحية

الاتحاد السوفياتي هجرة اليهود السوفيت بوريس يلتسين الديموغرافيا الجيوبوليتكا إسرائيل

للمرة الأولى منذ 1900.. وفيات هولندا أكثر من مواليدها