كورونا والنفط.. السعودية وروسيا في أزمة والصين تترنح وأمريكا تتراجع

الجمعة 13 مارس 2020 11:09 ص

منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى وطوال السبعينيات، كان لدى الأشخاص الذين يسيطرون على النفط نفوذ على الآخرين. ولكن منذ الثمانينيات، تحولت المعادلة؛ وأصبح منتجو النفط يعتمدون على مستهلكي النفط. كان الطلب دائمًا موجودًا، ثم بدأ يتغير وكذلك تغير الاستقرار السياسي لمنتجي النفط.

كانت توقعات عام 2020 تحذر من تباطؤ اقتصادي عالمي، ستتضاعف آثاره من خلال الديناميكيات التي بدأتها أزمة عام 2008 التي تضررت بسببها البلدان التي تعتمد على الصادرات (خاصة الصين) من انخفاض الطلب العالمي على السلع، وأصيب مصدرو المواد الخام (لا سيما روسيا والسعودية) بأضرار من انخفاض الطلب في البلدان الصناعية مثل الصين. وكان رأينا لعام 2020 هو أن دورة الأعمال الروتينية ستعيد إحياء تلك الضغوط.

لم نتوقع فيروس "كورونا"، ولا الذعر العالمي بسببه، ولا سيما اضطراب الاقتصاد الصيني. توقعنا أن يتعطل الاقتصاد الصيني نتيجة لانخفاض الطلب العالمي، وسيعقب ذلك انخفاض في أسعار النفط. وستكون النتيجة زيادة الضغط السياسي العالمي، وخاصة على منتجي النفط. تمثل منتجات الطاقة 30% من الناتج المحلي الإجمالي لروسيا و 60% من الصادرات الروسية. وتمثل 50% من الناتج المحلي الإجمالي للسعودية و 70% من صادراتها.

ووفق توقعاتنا، ستكون النتائج السياسية للتباطؤ العالمي أكثر حدة على الدول الأكثر اعتمادا على إنتاج الطاقة. أما المستوى الثاني من البلدان التي ستكون الأكثر تضررا هي تلك الأكثر اعتمادا على الصادرات، بقيادة الصين وألمانيا، والتي تعتمد على الصادرات لما يقرب من 50% من الناتج المحلي الإجمالي. وقد تواجه هذه البلدان اضطرابًا سياسيًا داخليًا نتيجة التراجع الاقتصادي.

شهدت البلدان الأوروبية تقلصات في اقتصاداتها، أو تراجعا في النمو. كانت الصين تحت ضغط اقتصادي شديد قبل فرض الولايات المتحدة للتعريفات الجمركية، وكانت تواجه عدم الاستقرار في هونج كونج وشينجيانج. فرض الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" نموذجًا جديدًا جذريًا للحكم الروسي وكان من الواضح أنه حساس لضعف أسعار النفط، والتي لم تستطع العودة إلى الأسعار المرتفعة التي كانت تغذي الاقتصاد الروسي سابقًا. تعتبر الولايات المتحدة أقل اعتماداً على الصادرات، والتي تمثل حوالي 13% من الناتج المحلي الإجمالي، يذهب نصفها إلى كندا والمكسيك.

وتوقعاتنا بشكل عام أن الصين ستترنح، مما يؤدي إلى انخفاض أسعار النفط، وأن اقتصاد الولايات المتحدة سيتباطأ ولكنها لا تدخل في أزمة.

والسؤال الآن هو ما هي تأثيرات انخفاض أسعار النفط على السعودية، والأهم من ذلك على روسيا. تمتلك روسيا احتياطيات، وزعمت أنها ستواصل العمل بشكل جيد مع انخفاض أسعار النفط إلى 40 دولارًا للبرميل. في وقت كتابة هذا التقرير، كان السعر أقل من هذا المستوى، وكانت التقارير حول التراجع الاقتصادي الخطير، وخاصة خارج موسكو وسان بطرسبرغ، متفشية حتى قبل هذه الأزمة.

الأهم من ذلك، عندما يتحدث الروس عن الاحتياطيات، فإنهم يتحدثون عن ميزانيتهم ​​الوطنية. وهذه الميزانية هي جزء حيوي من اقتصادهم لكنها بعيدة كل البعد عن تغطية شاملة لكل ذلك. قد تحتوي الميزانية على بعض الحلول المؤقتة في الجزء المتعلق بها، لكن بقية الاقتصاد معرض بشكل كبير لتأثير أسعار النفط المنخفضة.

إن روسيا قوة كبرى، وكما كان من الصعب قراءة الاتحاد السوفياتي، حتى إنهياره، فإن عدم الاستقرار الاقتصادي في روسيا مهم عالميًا. جادل كثيرون أن الاتحاد السوفييتي انهار بسبب انخفاض أسعار النفط وارتفاع الإنفاق الدفاعي. أعتقد أن هذه كانت عوامل مساهمة ولكنها ليست حاسمة.

نحن نرى هذه العوامل تعمل الآن أيضًا. وهذا يفسر أيضًا لماذا لم يكن الروس مستعدين لخفض إنتاج النفط عندما طالب السعوديون بذلك. لم يستطع الروس ببساطة استيعاب تكلفة استقرار سعر النفط. ليس من الواضح أن السعوديين يمكنهم ذلك أيضًا، ولكن أهميتهم العالمية، التي كانت كبيرة في السابق، انخفضت بشكل كبير منذ السبعينيات، وحتى القوة السعودية الإقليمية أصبحت محدودة.

وليس معروفا ما إذا كان السعوديون أخطأوا في الحساب، أو تصرفوا بدافع من الضغوط المحلية، أو أنهم يتوقعون الآن أن يحد الروس من الضرر من خلال التوافق معهم، إلا أن الأضرار التي لحقت بالاقتصاد العالمي كانت شديدة ولا مفر منها لبعض الوقت.

كانت هناك تحليلات تقول إن الروس هم الذين دبروا انخفاض الأسعار لإيذاء منتجي النفط الصخري الأمريكي. ولكن هذا ليس منطقيا. يعتمد الروس بشكل كبير على أسعار النفط الأعلى أكثر من الأمريكيين. سوف يتأذى نفط تكساس، لكن هذا جزء صغير إلى حد ما من الاقتصاد الأمريكي، وليس 30% من الاقتصاد الروسي.

إن السؤال الاقتصادي والسياسي المحيط بفيروس "كورونا" هو كم من الوقت سيستغرق وجوده. الفيروس جديد ومخيف. على الأرجح لن يختفي. إذا لم يحدث ذلك، سيتم دمجه في معطيات التوقعات حول العالم. وكما هو الحال مع أمراض أخرى، سيصاب بها بعض الناس ويموت البعض الآخر. من المرجح أن يؤدي إيقاف حركة الأشخاص والبضائع وخفض الناتج الاقتصادي إلى نتائج سلبية أكبر من الفيروس.

ما لم يظهر الفيروس الجديد أن له خصائص الطاعون، فإنه سيصبح جزءًا من مجموعة من الأمراض مثل السل أو الملاريا التي يتعايش معها العالم. إن وصول العلاجات واللقاحات سيسرع هذا بالطبع.

والسؤال إذن ما هو الضرر الاقتصادي، وبالتالي ما هو الضرر السياسي. إن الصين هي نقطة ارتكاز القضية، فلديها مشاكلها مع الفيروس. كما أنها أكبر مستورد للنفط في العالم. ومع ضعف اقتصادها، تنخفض أسعار النفط. ومع انخفاض أسعار النفط، يواجه مصدرو النفط مشاكل اقتصادية خطيرة.

لم يسبب فيروس "كورونا" كل ذلك. ولكنه ساهم في تسريع وتيرة التباطؤ الاقتصادي بشكل كبير.

المصدر | جورج فريدمان/ جيوبوليتكال فيوتشرز- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

هبوط أسعار النفط فيروس كورونا

كورونا يخفض توقعات أوبك لنمو الطلب العالمي على النفط

17 إصابة جديدة ترفع حصيلة كورونا في السعودية إلى 62

سوق النفط تتجه لفائض قياسي في ظل تراجع الطلب بسبب كورونا

الكرملين يتجنب الحديث عن خضوع بوتين لفحص كورونا 

علاقة ترامب بحملة اعتقالات الأمراء في السعودية

هبوط النفط الأمريكي 11% إلى أقل من 30 دولارا للبرميل

39 مليار دولار انخفاضا في ميزانية روسيا 2020 بسبب النفط

الصحة العالمية: روسيا تطور 20 لقاحا مضادا لفيروس كورونا

روسيا والصين تقلصان الاعتماد على الدولار بمعاملاتهما التجارية