مثل أوراق الشجر، يتساقط المراسلون والمكاتب التابعة لوسائل الإعلام الأجنبي المتواجدة على أرض مصر واحدا تلو الآخر؛ بالتزامن مع خريف الحرية الذي تعيشه البلاد منذ تولي الرئيس الحالي "عبدالفتاح السيسي" السلطة بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب الراحل "محمد مرسي" منتصف عام 2013.
وكانت صحيفة "الجارديان" البريطانية العريقة ومراسلتها في القاهرة أحدث ضحايا الحملة الشرسة لتكميم الأفواه الإعلامية التي لايزال النظام مستمرا في شنها بعد أكثر من 6 سنوات من وصوله إلى السلطة.
فبعد تقرير نشرته الصحيفة البريطانية عن انتشار فيروس كورونا في مصر استند إلى دراسة كندية، قررت الهيئة العامة للاستعلامات (التابعة للرئاسة المصرية)، سحب اعتماد مراسلة الصحيفة في مصر، كما وجهت الهيئة إنذارا لمراسل صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية بضرورة الالتزام بالقواعد المهنية.
وفي منتصف شهر يناير/كانون الثاني المنصرم، داهمت قوة أمنية مصري مكتب وكالة "الأناضول" في القاهرة واحتجزت عاملين بها ووجهت لهم اتهامات بالعمل بدون ترخيص ونشر أخبار كاذبة.
تصعيد جديد
أثار التقرير الذي نشرته "الجارديان" في وقت سابق استنادا إلى دراسة أجراها مختصون بجامعة تورنتو الكندية غضبا واسعا لدى النظام المصري الذي تحركت على أذرعته الإعلامية على الفور للذب عنه بكل قوة.
وقدرت الدراسة الكندية أن عدد المصابين بالفيروس في مصر قد يبلغ 19 ألفا وفقا لنتائج خوارزمية رياضية تضمن عوامل مثل حركة السفر ومعدل المصابين الذين غادروا مصر خلال الأيام الأخيرة.
وفى مقابل ذلك، علقت الهيئة العامة للاستعلامات (حكومية) فى بيان رسمي قائلة إن تقرير "الجارديان" تضمن أرقاما وتقديرات غير صحيحة بشأن أعداد الحالات المصابة بفيروس كرورنا في مصر.
كما وجهت الهيئة المسؤولة عن الإعلام الأجنبي في مصر، إنذارا أخيرا إلى مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" في القاهرة بالرجوع إلى المصادر الرسمية في الأخبار التي تُبث عن مصر والالتزام بالقواعد المهنية.
وأكدت الهيئة اليوم الثلاثاء أن "الصحيفتين لم تلتزما بالقواعد المهنية في الأخبار التي تم بثها عن موضوع فيروس كورونا في مصر"، مشيرة إلى أنهما اعتمدتا على "مصادر غير موثوقة ولم يتواصلا مع المصادر الرسمية الموثوقة والجهات المخولة".
ووصفت الهيئة ما حدث بأنه "تعمد لنشر أخبار مضللة ومغلوطة للإساءة إلى مصر بكل السبل، وهو ما تكرر مرارا من الصحيفتين وبخاصة الغارديان".
نية مبيتة
وبعد ساعات قليلة من نشر تقرير "الجارديان"، انبرت العديد من وسائل الإعلام الموالية للنظام المصري في شن حملة شعواء على الصحيفة البريطانية، واتهمتها بالعمل وفق أجندة خاصة وتعمد الكذب والتضليل.
وتكللت هذه الحملة الإعلامية في نهاية المطاف، الثلاثاء، بالإعلان عن إغلاق مكتب "الجارديان" وفق ما نقلته وسائل إعلام محلية، قبل أن يتم تصحيح ذلك في البيان الرسمي لهيئة الاستعلامات والإشارة إلى سحب اعتماد مراسلة الصحيفة في مصر، والتهديد باتخاذ الإجراءات اللازمة والتي من بينها إغلاق وسحب اعتماد الصحيفة في مصر.
وفي تعليقها على الحبر، نفت صحيفة "الجارديان" البريطانية أن يكون لها مكتب في القاهرة من الأساس، وفقا لما أوردته صحيفة "القبس" الكويتية.
إغلاق مكتب الجارديان فى القاهرة متأخر جدا ..
— جمال الشناوي (@gelshenawi) March 17, 2020
بداية من خبر ال70 مليار المملوكة لإسرة مبارك فى 2011 وحتى اعتذارهم فى 2016 ..نشروا عشرات القصص الموالية لإهواء الملاك الجدد فى الدوحة .
لا افضل الإغلاق لمنبر صحفى ..لكن الجارديان بتكرارها المتعمد للإخطاء هم من اغلقوا مكتبهم
كل مراسلين وصحفيين مكتب الجارديان البريطانية خونة وجواسيس والسفير البريطانى أولهم....بريطانيا هى امريكا هى إسرائيل نفس العدوان على مصر ...
— الصقر المصرى🇪🇬(سارد الحقائق) (@medoesmaeil) March 16, 2020
#اكاذيب_الجارديان
— 🇪🇬🇪🇬 🇪🇬Egyptian 🇪🇬🇪🇬 🇪🇬 (@Egyptia23800634) March 16, 2020
نتمنى من السلطات المصرية طرد مكتب صحيفة الجارديان التي اعتادت الزج بأسم العظيمة الغالية 🇪🇬مصر🇪🇬بكل مسيء وضار بأسم وامن وامان وسلام مصر
وهذه ليست المرة الأولى لتلك الأكاذيب
لو ليهم مكتب في مصر يتقفل و لو ليهم مراسل يرجعلهم. مش ناقصين قرف. كوريا الشمالية دي بجد طلعت الالفا قافله علي نفشها و لا نت يقعدا عليه شوية ارهابيين للغكر و مثيري الفزع و الرعب و اساتذة تهويل#اكاذيب_الجارديان
— Mrs Mama (@Samahafez) March 16, 2020
انتقادات وتوضيحات
وفي مقابل ذلك انتقد الكثير من المتابعين الإجراء المصري ضد الصحيفة البريطانية، واعتبروه بمثابة مواصلة للنهج القمعي لنظام "السيسي" في البلاد، بعد إغلاق وحجب مئات المواقع والجرائد المصرية.
وأشار مراقبون أن النظام الحالي لم يعد يكتفي بقمع وسائل الإعلام المحلية بل تعدى ذلك إلى وسائل الإعلام الغربية للتعتيم على الحقائق.
العسكر يغلقون مكتب صحيفة #الجارديان البريطانية في مصر وتسحب اعتمادها وتوجه تحذيرا أخيرا لمراسل نيويورك تايمز بدعوى بث أخبار مغلوطة عن #فيروس_كورونا
— Mohammed (@mohammed0102019) March 17, 2020
فاضل ايه من الوكالات الاجنبية في مصر؟
لماذا يريدون التعتيم؟
هل يعتقد ان بكده هنسمع اعلام المخابرات فيبث سمومه في عقولنا
مكتب الجارديان في القاهرة اتكلم عن بؤر كبيرة للفيرس في مصر لم يتم الاعلان عنها لحد ما العسكر انتبهوا وأغلقوها الحمدلله
— عبدالله الشريف (@AbdullahElshrif) March 17, 2020
- البؤر ؟
لا، الجارديان 😅
هيئة الاستعلامات
— أسامة رشدي (@OsamaRushdi) March 17, 2020
تغلق مكتب #صحيفة_الجارديان البريطانية وتوجه إنذار أخير لمراسل نيويورك تايمز
نظام #السيسي البوليسي لم يكتف بتكميم الأفواه وإرهاب الصحفيين والمدونين المصريين بل يوسع إرهابه لقمع الإعلام في العالم
قضية #كورونا دولية والتعتيم على الحقائق سيفاقم المشكلةوليس العكس#مصر pic.twitter.com/QSmFzXLQYx
في تعليقها على الأمر، قالت مراسلة "الجارديان" في القاهرة إن "السلطات المصرية لم تتواصل معها ولم تخبرها بشأن إلعاء تصريحها في مصر".
وبعد نشر مراسلة صحيفة "الجارديان" لهذا التعليق، جرى وقف حسابها على تويتر دون نشر تفاصيل.
مراسلة الجارديان في القاهرة: إذا كانت الهيئة العامة للاستعلامات قد أغلقت مكتب الصحيفة في #مصر فعلا، فلم يخبروني أو يخبروا أحدا في الجارديان.
— Nadia El-Magd ناديا (@Nadiaglory) March 17, 2020
كما انهم لا يردوا على الهاتف. https://t.co/z513PoMg5z
يجب أن يكون هناك رد رسمي من وزارة الصحة المصرية بالأدلة على الدراسة الطبية الكندية التي تقدر الإصابات بفيروس #كورونا في مصر بين 19 الف وبحد أدنى 6000 شخص التي نقل عنها مدير مكتب نيويورك تايمز ومراسلة الجارديان في #مصر بعيدا عن ردح "الأذرع الإعلامية" اتهامهم بانهم #إخوان.
— Nadia El-Magd ناديا (@Nadiaglory) March 16, 2020
وخلال الفترة الماضية، خضع مكتب هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) ومكتب وكالة رويترز في القاهرة، لضغوط مكثفة من الجهات الأمنية والأذرع الإعلامية الموالية للنظام، لدرجة أن المسؤولين في مكتب "بي بي سي" القاهرة فكروا مليا في نقل المقر إلى العاصمة اللبنانية بيروت.
وذكر صحفيون بمكتب "بي بي سي" في القاهرة أن الجهات الرسمية ترفض التواصل معهم للإدلاء بالتعليقات والتصريحات، وعندما ينشرون أي معلومات تتعلق بالنظام فإن يجري التضيق عليهم أمنيا، وشن هجمات إعلامية ضدهم، ما دفعهم في نهاية المطاف الاعتماد فقط على البيانات الرسمية الصادرة عن الحكومة، وعدم التطرق بصورة قوية للوضع السياسي كما كان الوضع في الماضي.
طب وبرنامج بتوقيت القاهره بتاع ال BBC مفيش ملاحظه عليه وعلي مقدمه البرنامج من ايام حافظ الميرازي رببب الجزيره
— Mohamed salah ابو نواس 1 (@oBWJeucL93DPgnV) March 17, 2020
وفى شهر سبتمبر الماضي، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" أن السلطات المصرية حاولت اعتقال مراسلها في القاهرة "ديكلان والش" (بموافقة ضمنية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب) الأمر الذي دفعهم للجوء إلى دبلوماسيين أيرلنديين لإخراجه من مصر.
وهاجم "والش" خلال وجوده في مصر الفساد والقمع النظامي، وانتقد اعتقال وحبس رئيس جهاز المحاسبات السابق "هشام جنينه "لكشفه فساد بـ 600 مليار جنية، كما سخر من انتخابات الرئاسة 2018 واعتقال جميع منافسي "السيسي".
ووفق للصحفي المخضرم "آرثر جريج سولوبيرغر"، فإن "مسؤولين في نيويورك تايمز تلقوا مكالمة من مسؤول في حكومة الولايات المتحدة يحذر فيها من الاعتقال الوشيك لمراسل نيويورك تايمز في مصر ديكلان والش، وفي غضون ساعة، انتقل الدبلوماسيون الأيرلنديون إلى منزله بمصر ورافقوه بأمان إلى مطار القاهرة قبل أن تحتجزه قوات الأمن المصرية".
وذكر "سولزبيرغر" أنه بعد مرور 18 شهرًا، وصل مراسل الصحيفة السابق "ديفيد كيركباتريك"، إلى مصر وتم احتجازه وترحيله، انتقاما لفضحه معلومات محرجة للحكومة المصرية في كتابه الأخير.
وفى 15 يناير/كانون الثاني الماضي داهمت قوات الأمن المصرية مكتبا ثقافيا تركيا يستخدمه مراسلو شبكة "الأناضول" التركية في القاهرة، واعتقلت 3 أشخاص، بينهم صحفيان مصريان وموظف تركي.
وفى حينها رجحت تقارير أن سبب اقتحام مكتب الوكالة التركية، جاء بسبب تغطية خبر وفاة المعتقل الأمريكي من أصل مصري "مصطفى قاسم"، داخل محبسه بعد إضرابه عن الطعام.
ويأتي استهداف وسائل الإعلام الأجنبية في مصر في أعقاب خطوات مماثلة بإغلاق مكاتب قناة "الجزيرة" القطرية في مصر واعتقال العديد من مراسليها وأبرزهم "محمود حسين" الذي جري توقيفه منذ عام 2016 وحتى الآن، كما تأتي أيضا بعد استهداف مئات المواقع المصرية المحلية سواء بالإغلاق أو الحجب.
ومنتصف العام الماضي، أكدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير (حقوقية مستقلة) في تقرير نشرته بموقعها على الإنترنت ارتفاع عدد المواقع الإلكترونية التي تعرّضت للحجب في مصر إلى 512 موقعاً، وفق آخر أحصاء قامت به في ذلك التوقيت.