"قلبت بكين الصورة".. بهذا المضمون تصف دوريات غربية تحول الدعاية السلبية، التي تسبب فيها انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد -19) من الصين إلى العالم، إلى ترويج دعائي (بروباجندا) يروي نجاح النظام الصيني في تسجيل انتصار سياسي وإعلامي على الغرب، إثر نجاح الصين المزعوم في احتواء المرض.
ورغم الانتقادات اللاذعة التي تعرضت لها السلطات الصينية بعد تغطيتها على المرض في أول ظهوره واهتمامها بصورتها السياسية أكثر من الوباء نفسه، إلا أن نجاعة أسلوبها في التعامل مع تفشي الوباء حول الأزمة إلى فرصة، تركزت بالأساس على الربط بين نموذج الحكم الصيني وبين الكفاءة الإدارية ونجاعة إدارة الأزمات.
وجاء انحسار أعداد المصابين بكورونا وإحكام السلطات الصينية قبضتها على انتشار المرض، ووضعه تحت السيطرة، بمثابة رواية معاكسة لسردية "إهمال بكين" وتسببها في انتشار المرض عالميا، وهي سردية روجها الإعلام الأمريكي بقوة.
الرواية الصينية
وإلى جانب فعالية الوسائل التكنولوجية الحديثة في فرض نجاح التعامل مع الأزمة، تروج البروباغندا الصينية مفاهيم ورسائل أخرى حول "القيادة الحكيمة" للرئيس "شين جين بينغ" و"الدور الحيوي" للحزب الشيوعي في مكافحة كورونا، إضافة إلى رغبة بكين في مساندة الدول التي تفشي فيها المرض وعبرت عن امتعاضها من غياب الدعم الغربي.
ولما كان الإعلام الصيني أقل نفوذا إلى العالم من نظيره الغربي، والأمريكي خصوصا، فقد أعطت بكين أولوية لنشر دعايتها من خلال سوق الإعلام الغربي ذاته، حيث قامت بنشر كتاب سريع جرت ترجمته إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والروسية والعربية.
وبجوار تضمن الكتاب لنصوص دعائية براقة، ركز على مجموعة من نظريات المؤامرة حول فيروس كورونا نفسه، حيث اتهمت بكين الولايات المتحدة ضمنا بتخليق المرض ونشره في العالم.
وفي هذا الإطار، تحدث ناطق باسم وزارة الخارجة الصينية، من دون إبراز أدلة، عن فرضية أن يكون الجيش الأميركي هو من أدخل الفيروس إلى الصين.
ونشر "تشاو لي جيان" المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية، تغريدة بالإنجليزية في حسابه على "تويتر" قال فيها: "متى ظهر المرض في الولايات المتحدة؟ كم عدد الناس الذين أصيبوا؟ ما هي أسماء المستشفيات؟ ربما جلب الجيش الأمريكي الوباء إلى ووهان.. تحلوا بالشفافية! أعلنوا بياناتكم! أمريكا مدينة لنا بتفسير".
2/2 CDC was caught on the spot. When did patient zero begin in US? How many people are infected? What are the names of the hospitals? It might be US army who brought the epidemic to Wuhan. Be transparent! Make public your data! US owe us an explanation! pic.twitter.com/vYNZRFPWo3
— Lijian Zhao 赵立坚 (@zlj517) March 12, 2020
ويمكن قياس أثر هذه الدعايا الصينية في إيطاليا، التي باتت بؤرة تفشي المرض الأولى عالميا، إذ شكا الإيطاليون غياب الدعم سواء من الولايات المتحدة أو من دول الاتحاد الأوروبي، في وقت كان الدعم الصيني حاضرا فيه بقوة، وفقا لما أورده الكاتب "غيدون راكمان" في تقرير نشره بصحيفة "فاينانشل تايمز" البريطانية.
وفي هذا السياق، يحذر "راكمان" من آثار جيوسياسية تستمر إلى ما بعد إيجاد علاج لكورونا، في ظل تركيز البروباجاندا الصينية على "نجاح للحزب الشيوعي وقراراته الصارمة"، مقابل فشل دول أخرى ديمقراطية في الغرب، مشيرا إلى أن "المدافعين عن الاستبداد والمناوئين للديمقراطية سيجدون الآن من يستمع لخطابهم".
وفي سياق التحذير ذاته، تشير مجلة "فورين بوليسي" إلى اهتمام تاريخي لدى الصين بتصدير أساليبها السلطوية إلى جمهور الدول النامية، وبخاصة في آسيا الوسطى.
ولما كانت حرب البروباجندا تركز على "الإنجاز المباشر" دون التعمق في تفاصيل ما وراء تحقيقه، فإن أسلوب الدعاية الصينية لاقى إشادة في العديد من وسائل الإعلام السلطوية بالشرق الأوسط، رغم أن دولا ديمقراطية عديدة في العالم مثل كوريا الجنوبية، وسنغافورة، وتايوان، أبلت بلاء حسنا في أزمة كورونا.
الفيروس الصيني
في الإطار ذاته، تشن الولايات المتحدة حرب دعايا مضادة تجاوزت الأسئلة المشروعة حول كيفية خروج كورونا عن السيطرة الصينية في بدايات الأزمة، وأسباب تعتيم بكين على انتشاره في البداية، إلى "وصم" بكين بالمسؤولية عن نشأة الفيروس، وهو ما عبر عنه الرئيس "دونالد ترامب" عبر تويتر، مغردا: "إلى الأشخاص الذين يقبعون الآن بلا عمل بسبب سياسات الاحتواء الضرورية، مثلا إغلاق الفنادق، البارات والمطاعم، المال قادم إليكم قريبا. هجوم (الفيروس الصيني) ليس خطأكم سنكون أقوى من أي وقت مضى".
For the people that are now out of work because of the important and necessary containment policies, for instance the shutting down of hotels, bars and restaurants, money will soon be coming to you. The onslaught of the Chinese Virus is not your fault! Will be stronger than ever!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) March 18, 2020
ويقدم تكرار "ترامب" لاستخدام تعبير "الفيروس الصيني"، 3 مرات في تغريدات منفصلة في غضون أقل من ساعة، دليلا واضحا على تعمده ربط الفيروس بالصين، رغم تنديد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية "غينغ شوانغ"، في مؤتمر صحفي ببكين، تصرف "ترامب" واصفا إياه بأنه يعد "نوعا من الوصم"، مضيفا: "نشعر باستياء شديد".
وبدا هذا السجال متجها إلى الاشتعال بعدما تناقضت رواية كل من واشنطن وبكين بشأن اتصال هاتفي جرى بين وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" ومسؤول السياسة الخارجية في الحزب الشيوعي الصيني "يانغ جيشي".
فبينما ذكرت الوزارة الأمريكية، في بيان، أن "بومبيو" استنكر استخدام بكين قنوات رسمية من أجل "إلقاء اللوم في ما يتعلّق بكورونا على الولايات المتحدة"، أوردت وكالة أنباء الصين الجديدة "شينخوا" الرسمية أن المسؤول الصيني وجّه "تحذيراً صارماً للولايات المتحدة من أنّ أيّ محاولة لتشويه سمعة الصين مصيرها الفشل".
فمن يفوز بتلك الحرب في النهاية؟ تبدو المؤشرات الآنية في الوقت الراهن مختلطة، أما المؤشرات على المدى الطويل فلا تبدو في صالح الصين، حسب تحليل مجلة "فورين بوليسي"، التي تشير إلى صعوبة تدارك بكين "الأثر العملي" لخروج كورونا عن سيطرتها على المستوى الاقتصادي، مشيرة إلى أن الأزمة "جعلت صورة الصين الاقتصادية في أدنى أشكالها وأفقدت العالم الثقة في مستقبلها الاقتصادي بشكل عام".