استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الحياة في ظلال كورونا

الثلاثاء 24 مارس 2020 07:38 ص

الحياة في ظلال كورونا

لم يلتزم الفيروس بتراتبية القوة والضعف والفقر والغنى

لا منتصر في هذه الأزمة إلا كوكبنا الذي تخلص من شيء من أدرانه.

حين اختبأ البشر في بيوتهم كفوا شرهم عن أرض يدوسونها وسماء يلوثونها.

ستدرك البشرية جمعاء هشاشة وجودنا على هذا الكوكب وقلة حيلتنا أمام قدر الله وقدرته.

العالم باختصار أصبح تحت رحمة كائن لا يُرى ولا يمكن مناقشته في خططه ونواياه.

خرجت الحسابات التقليدية للربح والخسارة من المعادلة وصار السؤال هو "كيف نصمد؟"

*     *     *

يبدو للناظر في أحداث العالم خلال الأسابيع الأخيرة أن البشر مصابون بالذهول لما يجري، يقفون مشدوهي الأبصار وهذا الوباء ينتقل من دولة إلى أخرى، مباغتاً أصحاب القرار فيها وهم يتخذون الإجراء خلف الآخر والأرقام في ازدياد لا تترك مجالاً لإعادة تفكير أو تريث في حكم، العالم باختصار أصبح تحت رحمة كائن لا يرى ولا يمكن مناقشته في خططه ونواياه.

قبل أن يناقش الساسة الآثار الاقتصادية والسياسية للتعامل مع هذا الوباء فرض عليهم الميدان واقعاً مختلفاً وخرجت الحسابات التقليدية للربح والخسارة من المعادلة وصار السؤال هو "كيف نصمد؟"

كيف يمكن للبشرية تجاوز هذه المحنة دون أن تنهار دول أو يهوي الاقتصاد العالمي في فج عميق، وكانت المفارقة أن الفيروس لم يلتزم بتراتبية القوة والضعف والفقر والغنى فضرب بقبضة من حديد العالم الذي دأب على تعريف نفسه بالأول!

أوروبا مهد الحضارة الغربية الحديثة والولايات المتحدة مستقرها تواجهان تهديداً وجودياً أو على الأقل لريادتها العالمية، يقول المواطن اليوم في الدول التي كانت تصدر المهاجرين إلى هذه الدول "اللهم جنبنا مصير إيطاليا واحفظنا من أهوال نيويورك".

ورغم الهلع المبرر والخوف المتفهم إلا أن الضوء بدأ يلوح في أفق هذا النفق، كل يوم نسمع عن إجراء جديد ينجح وعلاج يجرب، وما أنزل الله من داء إلا وأنزل معه الدواء.

هناك دول وصلت بالمنحنى الى الاستقرار بل الانخفاض وتجاوزت سنام هرم الأزمة، في مقدمتها الصين مهد انتشار الفيروس، وهناك دول نجحت في تجنب الأرقام الكبيرة في الوفيات.

وكما مضت أزمات سابقة طاحنة ووباءات فتاكة سيمضي هذا الوباء، وسيتحول إلى ذكرى نرويها لتلك الأجيال التي لم تحضرها تماماً كما رويت لنا أحداث الطاعون وعام الرحمة وغيرها، ولكن قبل أن يحدث ذلك ستدرك البشرية جمعاء هشاشة وجودنا على هذا الكوكب وقلة حيلتنا أمام قدر الله وقدرته.

أكثر ما يثير الاستغراب في هذا الزمن هو قلة الوعي والإدراك لدى بعض فئات البشر، ليس في مجتمع بعينه بل في العالم أجمع، يرفضون الحقيقة ويفضلون العيش في الوهم، يتجاهلون كل الحقائق ويفضلون حياة الأوهام ويعرضون كل من حولهم للخطر فقط لأنهم يرفضون التنازل عن أبسط أشكال الرفاهية.

في الولايات المتحدة حاكم ولاية يصور نفسه وهو يخرج إلى المطاعم والمقاهي "متحدياً" الفيروس، ورئيس يرفض الاعتراف بالفيروس وكأنه حاكم دولة لا تعجبه.

وفي أوروبا مشككون في وجود الفيروس يرفضون الاعتراف بأنه قادر على الفتك بالبشر، وفي الصين وروسيا مروجون لإشاعة تصنيع الفيروس وشحنه يناقشون الأمر على شاشات التلفاز.

وفي عالمنا العربي مجمع للروايات التراثية والحداثية التي تختلط فيها الحكايات الشعبية بالمؤامرات، وفي مجتمعنا القريب مستهترون بسلامة الناس من حولهم يجوبون الشوارع لا يردعهم إلا قوة القانون.

هو زمان سيمضي، هي أيام تمر، لن يبقى لنا منها إلا وعي يتشكل، وخبرة تتراكم، وإنسانية تترسخ، لن تكون هذه كبرى أزمات العالم، ولن تخلف دماراً كذلك الذي خلفته كثير من أخطاء البشر السابقة.

لكنها فرصة لنا أفراداً وحكومات لنراجع حقيقة وجودنا على هذه الأرض ونتواضع كما ينبغي لنا ونتراجع عن ماديتنا القبيحة، فرصة لنمد أيادينا التي حرمت من أن تمتد لمن نحب حتى تنشر الخير والفضل بين الناس.

ليس من منتصر على ما يبدو في هذه الأزمة إلا كوكبنا الذي تخلص من شيء من أدرانه، فحين اختبأ البشر في بيوتهم كفوا شرهم عن أرض يدوسونها وسماء يلوثونها، حفظ الله البشر من أنفسهم أولاً ثم من هذا الوباء وما يأتي بعده.

* د. ماجد محمد الأنصاري أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة قطر.

المصدر | الشرق القطرية

  كلمات مفتاحية