جيوبوليتكال فيوتشرز: لماذا ستفشل حرب أسعار النفط السعودية؟

الأحد 29 مارس 2020 01:11 م

منذ انهيار سوق النفط عام 2016 وطفرة النفط الصخري الأمريكي، عملت المملكة العربية السعودية وروسيا معا لتحقيق استقرار أسعار النفط العالمية كجزء من تحالف "أوبك+".

لكن يبدو أن هذه الشراكة على شفا الانهيار. وفي الوقت الذي يهدد فيه تفشي وباء كورونا بإغلاق الشركات ووضع ضغوط كبيرة على الإنفاق الاستهلاكي، انخفض الطلب على الوقود بشكل حاد، خاصة مع كون أكبر مستورد للنفط في العالم (الصين) أول دولة تأثرت بتفشي الفيروس.

ومع تأخر وجود لقاح لـ"كوفيد-19" حتى بعد عام على الأقل، لا توجد الكثير من احتمالات تعافي الطلب في أي وقت قريب.

وقاومت روسيا دعوة "أوبك" لخفض الإنتاج بمقدار مليون برميل إضافية يوميا، على أمل الاستفادة من استعداد المنتجين الآخرين للقيام بذلك بدلا عنها.

وردا على ذلك، أطلقت السعودية استراتيجية إغراق السوق المحفوفة بالمخاطر، معلنة أنها ستزيد الإنتاج بمقدار 2.5 مليون برميل يوميا في أبريل/نيسان، لدفع الأسعار إلى الانخفاض وإجبار روسيا على الاستجابة لدعوتها.

وتأتي الاستراتيجية السعودية في شقين. فهي تحاول أولا خفض الأسعار لجذب العملاء الراغبين في تخزين الإمدادات. وفي الوقت نفسه تأمل أن تؤدي الأسعار المنخفضة إلى الضغط على الاقتصاد الروسي وتجبر موسكو على الاستسلام لمطالب "أوبك".

لكن هذه الاستراتيجية ستأتي بتكلفة عالية بالنسبة للسعوديين. فهي تجبر الرياض على سحب المال من صندوق الثروة السيادي أكثر مما كانت تنوي في السابق. الأمر الذي يعني تجفيف الأموال التي كانت تأمل في استخدامها لدعم ارتباطاتها في الخارج وتنويع اقتصادها.

وسلطت أزمة الفيروس التاجي الجديد "كوفيد-19" الضوء على تفضيل الدول المصالح الوطنية الضيقة على المصالح العامة. حيث رفعت الحرب السعودية الروسية المخاطر عالميا من أجل توليد الإيرادات وزيادة حصص السوق والتنافس على الهيمنة في سوق النفط العالمية، بغض النظر عن ما قد يسببه ذلك من تداعيات عالميا.

هل تستطيع السعودية الاستمرار؟

وأشارت الحكومة السعودية إلى أنها في سباق لزيادة الضغط على الكرملين عن طريق زيادة الإنتاج الإنتاج إلى ما يقرب من 5 أضعاف إنتاج الخام الروسي.

لكن هل يمكنها أن تلعب لعبة النفس الطويل، وتوازن ميزانيتها بسعر أقل من روسيا؟ حسنا، من وجهة نظر المملكة، فهي تدرك أن حمل روسيا على الاستسلام هو هدف طويل المدى، ويستحق تكبد خسائر في الإيرادات على المدى القصير، لأنه سيثبت أن السعودية هي الزعيمة الحقيقية لـ"أوبك+".

وتعتقد السعودية أن قدرتها على إنتاج النفط أرخص من روسيا، عند 8.98 دولارا للبرميل مقارنة بـ19.21 دولارا لروسيا، كما أن امتلاكها حصة أكبر في السوق العالمية، تمنحها ميزة.

مع ذلك، قد تضطر الرياض إلى الخضوع قبل موسكو. وتحتاج السعودية إلى أسعار النفط عند 91 دولارا للبرميل، أكثر من 3 أضعاف السعر الحالي، لموازنة ميزانيتها لعام 2020.

وعلى النقيض من ذلك، تعتمد ميزانية روسيا لعام 2020 على سعر نفط بسعر 42.40 دولارا للبرميل، ما يعني أنها يمكنها تحمل أسعار منخفضة لفترة أطول من السعوديين.

ويبلغ سعر خام برنت حاليا 28.70 دولارا للبرميل، بينما يبلغ سعر النفط السعودي الخفيف 26.54 دولارا.

وتنبأ بعض الخبراء بأن الأسعار قد تنخفض أكثر لتصل إلى 10 دولارات فقط للبرميل، حيث تشعر الشركات الكبيرة والصغيرة بتداعيات أزمة الفيروس التاجي.

ويعتقد بعض المراقبين أن الأسعار المنخفضة ربما تؤدي إلى انخفاض بنسبة 2 إلى 4% في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة. وحتى مع احتياطيات البلاد الهائلة، حيث تملك واحدة من أكبر الاحتياطيات في العالم، مع أصول بقيمة 320 مليار دولار، فلا يمكنها الاستمرار في قبول الأسعار الحالية، خاصة بالنظر إلى أن الأزمة ربما تستمر من 8 أشهر إلى عام.

وصحيح أن هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها الرياض انهيار أسعار النفط، حيث تمكنت من التلاعب بالسوق لصالحها خلال أوقات الأزمات الأخرى.

وخلال فائض النفط في الثمانينيات، خفضت إنتاجها في محاولة للحفاظ على ارتفاع الأسعار. كما تلاعبت بالسوق عام 2014 لمواجهة طفرة النفط الصخري الأمريكي.

ولكن في البيئة الحالية، سيكون تعزيز الطلب أكثر صعوبة، خاصة وأن الوباء والركود القادم يشل المستوردين والقطاعات التي تعتمد على الوقود.

وحتى حزم التحفيز بمليارات الدولارات قد لا تكون كافية لإحداث زيادة في الطلب على الطاقة. وربما تساعد بالكاد في إبقاء بعض الشركات والصناعات واقفة على قدميها، ولكن من المحتمل ألا ينتج ذلك ارتفاعا فوريا ومطولا في مبيعات النفط.

إضافة إلى ذلك، لا يظهر قطاع الطاقة الروسي أي علامة على التباطؤ. وفي الواقع، زادت روسيا إنتاجها بمقدار 500 ألف برميل في اليوم، أي نصف الزيادة السعودية في نفس الفترة، ما يثبت قدرتها على تجاوز العاصفة.

علاوة على ذلك، قال الكرملين إن لديه ما يكفي من السيولة لتجاوز من 6 إلى 10 أعوام من أسعار النفط بين 25 إلى 30 دولارا للبرميل.

وسوف تتأثر روسيا بالطبع، لكن على المدى الطويل، تعتبر أوضاعها أكثر تفاؤلا من السعودية.

الاعتبارات المحلية

وحتى قبل انهيار مفاوضات "أوبك+"، توقعت الرياض تراجع الطلب. وطلبت وزارة المالية السعودية من الجهات الحكومية خفض الإنفاق بنسبة 20 إلى 30% في بداية مارس/آذار تحسبا لانهيار الأسعار.

والآن، مع تفشي وباء كورونا، وحرب الأسعار المستعرة، لم تظهر المملكة أنها بصدد التراجع كثيرا عن خطط الإنفاق.

وأعلنت الحكومة الأسبوع الماضي أنها ستخفض ميزانيتها لعام 2020 بنسبة 5%، أو 50 مليار ريال، وهو ما يعادل 13.2 مليار دولار.

وقالت الحكومة إن التخفيضات لن يكون لها تأثير اجتماعي اقتصادي، وأن معظم الأموال المقطوعة كانت مخصصة لمشاريع في قطاعها غير النفطي.

ومع تراجع الطلب على النفط وانخفاض الأسعار، سيتعين على الرياض سحب المزيد من الأموال من صندوق الثروة السيادي أكثر مما كانت تنوي في الأصل، وهي الأموال التي كانت تهدف إلى دعم أهداف طويلة المدى، مثل تدخلها العسكري في الحرب الأهلية في اليمن، في مواجهة التوسع الإيراني في الشرق الأوسط، وخطط تنويع الاقتصاد.

وبالرغم من خفض الإنفاق، لا تزال المملكة تواجه عجزا قدره 61 مليار دولار لهذا العام، حيث تصل الإيرادات إلى 210 مليار دولار، في حين يحوم الإنفاق حول 270 مليار دولار. وتواجه الدولة في نفس الوقت تحدٍ آخر، وهو التنافس الداخلي على السلطة.

وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، انتقد أفراد في العائلة المالكة وناشطون إدارة الرياض لأزمة الفيروس التاجي، بالرغم من حقيقة أن المملكة لم تتأثر بشدة بتفشي الفيروس مثل العديد من البلدان الأخرى، حيث سجلت نحو 1000 حالة مؤكدة حتى الآن.

وأدى قرار الحكومة بتعليق الصلاة في المسجد الحرام في مكة والمسجد النبوي في المدينة، أقدس مدينتين إسلاميتين، إلى تقويض مصداقيتها كحارس للعقيدة الإسلامية، وأثار مخاوف في المجتمع الإسلامي من أن تهديد الفيروس التاجي قد يستمر في فصل الصيف ويجبر الحكومة على إلغاء فريضة الحج المقرر إجراؤها في شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب.

ويحمل هذا أيضا عواقب اقتصادية خطيرة. ويجلب الحج 2.5 مليون زائر إلى المملكة كل عام، وأكثر من 12 مليار دولار من الإيرادات، وهو ما يمثل نحو 20% من الاقتصاد غير النفطي في البلاد.

وبالرغم أن العائلة المالكة لا تزال تمتلك قبضة قوية على السلطة، إلا أن الإحباط العام من انخفاض أسعار النفط ربما يحدث بعض التحديات للقيادة السعودية.

ويمتلك ما يقرب من 20% من سكان البلاد الآن حصصا في "أرامكو" السعودية، لذا فإن أسعار النفط المنخفضة، ربما تؤدي إلى غضب واسع النطاق، بل حتى إلى معارضة.

وقد يتفاقم هذا الأمر إذا ظهر ركود في البلاد، خاصة مع تزايد نسبة البطالة التي بلغت نحو 12% في نهاية عام 2019.

والأهم من ذلك، تخاطر المملكة بالهدف المحلي الأكثر حيوية في البلاد في الربع الأول من القرن، وهو الحد من اعتمادها على النفط من خلال خطة "رؤية 2030".

وفي عام 2016، وعدت الدولة بأنها ستكون قادرة على "العيش بدون نفط" بحلول عام 2020. لكن عام 2020 قد وصل ولا تزال المملكة تعتمد بشكل كلي على الطاقة، بل بشكل أكبر الآن؛ حيث تتسبب حرب الأسعار في اقتطاع الأموال المخصصة للاستثمار في غير الصناعات النفطية.

وطرح ولي العهد "محمد بن سلمان" رؤية 2030 كاستراتيجية لتنويع الاقتصاد، ودعم القطاع الخاص، وزيادة الإنفاق الاجتماعي، بهدف خفض البطالة إلى 7%. لكن تمت إعاقة  "رؤية 2030" بسبب انخفاض أسعار النفط، وكفاح المملكة من أجل جذب الاستثمار الأجنبي. ولن تؤدي حرب الأسعار الحالية إلا إلى تفاقم هذه المشاكل.

وتعترف كل من روسيا والسعودية بأن هذه اللعبة لا يمكن أن تستمر. وسوف يستسلم أحدهما للضغوط المالية ويبطئ الإنتاج.

لكن لا تريد أي من الدولتين أن تكون أول من يفعل ذلك. وبالنسبة لـ "بن سلمان"، فإنه يسعى لتخفيف الآثار المضاعفة للأسعار المنخفضة مع الحفاظ على العلاقات مع روسيا أيضا.

ويعد كسب حرب الأسعار أمر بالغ الأهمية لمصداقية المملكة، سواء في الداخل أو في الخارج.

النتائج الجيوسياسية

ومع اتساع الفجوة بين الرياض وموسكو، كانت هناك آثار أوسع على سوق النفط والمنتجين الآخرين. وكانت صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة من الضحايا غير المقصودين لحرب الأسعار.

وبدأ المنتجون هناك بالفعل خفض الإنفاق، ومنع عمليات إعادة شراء الأسهم، والإعلان عن تخفيضات في العمالة، للبقاء على قيد الحياة.

وبحلول بداية هذا الأسبوع، خسر خام غرب تكساس الوسيط 60% من قيمته التي تراكمت منذ بداية هذا العام.

وهناك الآن حديث عن موجة من حالات الإفلاس مع تراكم الديون. وبدأ المنظمون في تكساس يفكرون في الحد من الإنتاج، وذلك للمرة الأولى منذ 50 عاما.

لكن الفرص الجديدة ظهرت أيضا. وحاولت الولايات المتحدة إقناع السعودية بالتخفيف من حدة الأزمة، بل واعترفت علنا بإمكانية تحالف نفطي أمريكي سعودي.

وجاء هذا الاعتراف بعد تقارير تفيد بأن بعض مسؤولي الطاقة الأمريكيين مهتمون بإبرام اتفاق مع السعوديين لتثبيت الأسعار. وسوف يعمل مثل هذا التحالف حتما كموازنة لصناعة النفط الروسية.

ويبدو أن واشنطن تقوم بالفعل بمحاولات للاقتراب من السعوديين. ويوم الإثنين، سارعت الولايات المتحدة إلى تعيين "فيكتوريا كوتس" ممثلة خاصة للطاقة في السعودية.

كما أعلنت الولايات المتحدة عن خطط لإرسال "كوتس" إلى الرياض خلال الأشهر القليلة المقبلة لإجراء مفاوضات مع الرياض.

في النهاية، يبدو أن الخيارات تنفد من السعودية، فهي غير قادرة على تحديد الأسعار أو زيادة الطلب، ما يدفعها لتبني سلسلة من التحركات الخطرة، على أمل أن تتمكن إما من إجبار روسيا على الاستسلام أو العثور على شركاء جدد يمكن من خلالهم موازنة سوق النفط.

ويبدو أن تحالف "أوبك+"، كنظام لتحديد الأسعار، آخذ في التفتت، وأصبحت السعودية غير قادرة بشكل متزايد على مواصلة حملتها للضغط على صناعة الطاقة الروسية.

ومع اشتداد أزمة فيروس "كورونا"، وظهور ركود عالمي، سيصعب على السعوديين إجبار الروس على الامتثال.

المصدر | كارولين روز - جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

حرب أسعار النفط فيروس كورونا أوبك+ العلاقات السعودية الروسية

واشنطن بوست: هل تدرك السعودية مخاطر حرب أسعار النفط؟

الرياض تتجه لرفع صادراتها لـ10.6 مليون ب/ي نفط خام في مايو

توبيخ السفيرة السعودية بأمريكا بسبب حرب أسعار النفط

فوربس: لماذا يعد التحالف النفطي السعودي الأمريكي أمرا عبثيا؟

ما وراء تهديدات ترامب.. 4 سيناريوهات أمريكية لوقف حرب النفط

جيوبوليتيكال فيوتشرز: لماذا تفشل السعودية في تطوير جيش كفء واقتصاد قوي؟