استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الفيروس والآثار المقبلة

الخميس 2 أبريل 2020 11:19 ص

الفيروس والآثار المقبلة

النظام الديمقراطي بطبعه آيل لبناء جيوش من المتطوعين والمجتمع المدني.

تعيش الناس مخاوف مضاعفة إذ تكتشف أن سوء إدارة وارتباك في أوج الوباء كان سببا لانتشاره.

ستعاني كل الأنظمة من تغول دور الحكومة التي ستجد صعوبة في الانسحاب من الحياة العامة بعد اختفاء الخطر.

رغم فشل النظام الديمقراطي في التعامل مع بدايات الفيروس لكنه يكشف أخطاء السياسيين بسبب حرية المعرفة.

النظام الديكتاتوري يخفي المعلومات وغير مضطرا لشرح سياساته بل يضحي بملايين الناس دون أن يحاسَب أو يعلم أحد بما وقع.

الأنظمة الديكتاتورية تصبح أكثر ديكتاتورية بسبب الفيروس ولن تعرف كيف تنسحب من خصوصيات الناس بعد اختفاء الوباء.

*     *     *

فتح فيروس كورونا الباب للكثير من المفاجآت التي تمس حياة الناس على كل المستويات. فالخوف ليس من المرض لوحده، فهذا طبيعي، لكن هناك خوفا كبيرا من أخطاء الحكومات والأنظمة والدول.

هناك شعور يحيط بالناس على كل الأصعدة، فهل يكون خطأ الرئيس في هذه الدولة او تلك هو السبب في تأخر التغلب علي المرض؟ لهذا تعيش الناس مخاوف مضاعفة عندما تكتشف أن سوء إدارة وارتباك في أوج الوباء كان سببا لانتشاره.

لننظر مثلا للحالة الصينية. لقد عتمت الصين في البداية على المرض، ثم تصرفت بحزم للقضاء عليه. النظام الصيني الذي يقوده الحزب الشيوعي الصيني انعكاس لدولة حديثة صاعدة نحو مصاف دولة كبرى، لكنه بنفس الوقت نظام يتميز بالسرية وعدم التسامح مع الآراء المختلفة.

إن التأخر في التعامل مع انتشار و باء كورونا في الصين في البداية ارتبط بعدم وجود وسائل تعبير ومنصات حرة في الصين، وبالفعل مات الطبيب الذي أنذر الصين والعالم، وتم إسكات كل صوت واخرجت الصين من أراضيها كبرى الصحف مثل الوول ستريت جورنال والنيويورك تايمز.

لكن الأزمة كشفت لنا مدى مقدرة الصين على تصحيح أخطائها. كما أن الصين لم تنكفئ على نفسها في ظل الوباء، بل انتقلت، بعد أن سيطرت على المرض، لمساعدة دول أخرى.

لقد استطاعت الصين أن ترسل النجدة لإيطاليا، كما أرسلت الصين المساعدات والأطقم الطبية لصربيا، كما ولإيران، ودول أخرى. لقد أكد الرئيس ترامب منذ ايام أن الصين أرسلت مساعدات للولايات المتحدة. هذا يوضح مدى الطموح الصيني للعالمية والقيادة.

في المقابل لم تقم الولايات المتحدة بأية مبادرة لمساعدة دول أوروبا، بل بالعكس انكفأت الولايات المتحدة على نفسها بينما قررت أوروبا ارسال مساعدات لإيران. وفي المقابل اشتكت كل من إيطاليا وإسبانيا وأيضا صربيا من التصرف الأوروبي تجاههم والذي شمل منع تصدير الأجهزة الضرورية للتنفس للمصابين بالفيروس.

كشفت الازمة أن الدول ليست موحدة، وان اوروبا الموحدة قد تتواجه مع نفسها بعد الأزمة، وكشفت ان العالم سيزداد فقرا، بسبب ازمة اقتصادية طاحنة. وسينتج عن ذلك احتجاجات كبرى ستطيح بأنظمة.

كما وتؤكد الازمة المرضية بأن النفط العالمي دخل في مشكلة مبكرة، وان الأسعار المنخفضة قد تستمر كذلك. كما ان الصين قد تدخل بمأزق اقتصادي يؤثر على اليابان وكوريا ودول شرق اسيا.

كما أن الاقتصاديات الصاعدة في العالم من نيجيريا للبرازيل ستواجه تعثرات كبرى. كما من الصعب ان تتجاوز الولايات المتحدة المأزق خاصة بعد أن رصدت 2.2 تريليون دولار لمساعدة الاقتصاد الامريكي. لكن الرقم سيخلق فجوات كبرى في هذا الاقتصاد، وسيزيد من الديون والخلل في ميزان المدفوعات.

وستعاني الكثير من الدول التي تتميز بضعف وركاكة الادارة والقيادة فيها. بالطبع الدول الفقيرة ستواجه تحديات أكبر، فاقتصادها لن يتعافى بعد الازمة وستضربها الأزمات الخاصة بالبطالة والفقر والكساد بقوة.

لكن المشكلة ستعبر عن نفسها بصورة واضحة في الدول الغربية. ستعاني كل دول العالم من ازمات بطالة وفقر وضيق، لكن الدول التي لا تمتلك الحد الأدنى من الضمان الاجتماعي والتشريعات الضرورية لحماية الطبقات الشعبية كما هو حال الكثير من الدول العربية والأفريقية ستصطدم بالعاصفة المعيشية والاقتصادية تلو العاصفة بعد تراجع الوباء.

إن استثمار الدول في السلاح والحروب، وتفاقم التفرقة والعنصرية والفساد على حساب الاهتمام بالبيئة والتعليم والبحث والمدن الطبية هو الذي انكشف بفضل فيروس كورونا.

ومن لا يذكر كيف افتتح الرئيس ترامب عهده بالانسحاب من اتفاقية المناخ وإدارة ظهره لقضايا البيئة وطريقة تعامله مع الحلفاء والاصدقاء في الشرق والغرب.

بل من شده حنقه على كل ما صنعه اوباما في البيت الأبيض أغلق الرئيس ترامب في العام 2018 المكتب المختص في البيت الابيض بالوباء والامراض. وهذا الجانب ساهم في عدم استعداد الولايات المتحدة للتعامل المبكر مع الوباء.

ان القول بأن النظام الديكتاتوري أقدر على مواجهة الفيروس ليس دقيقا. فالنظام الديكتاتوري يخفي المعلومات، وليس مضطرا لشرح سياساته لأحد، بل قد يضحي النظام الديكتاتوري بملايين الناس دون أن يحاسبه أحد ودون أن يعلم أحد بما وقع.

كما ان معظم الأنظمة الديكتاتورية ستصبح أكثر ديكتاتورية بسبب الفيروس، وهي لن تعرف كيف تنسحب من خصوصيات الناس بعد اختفاء الوباء.

أما النظام الديمقراطي، فرغم فشله في التعامل مع بدايات الفيروس، الا انه بسبب حرية المعرفة يكشف لنا أخطاء السياسيين. كما ان النظام الديمقراطي بطبعه آيل لبناء جيوش من المتطوعين والمجتمع المدني.

ومع ذلك ستعاني كل الأنظمة من تغول دور الحكومة التي ستجد صعوبة في الانسحاب من الحياة العامة بعد اختفاء الخطر. وما هنغاريا وبيلاروسيا الا نماذج من أنماط القيادة الشديدة التغول.

ففي هنغاريا (المجر) يسعى رئيس الوزراء أوربان لصلاحيات مطلقة، بينما رئيس بيلاروسيا اليكساندار لوكاشينكو يرفض الغاء الرياضة وغلق الحياة العامة مصرا على ان سكان بيلاروسيا سيهزمون الفيروس من خلال شرب الفودكا.

ازمة الفيروس ليست فقط في المرض نفسه، فالجزء الثاني من المعضلة تعود للآثار الاقتصادية والانسانية والسياسية للفيروس والغلق الشامل للمدن والبلدان على الادارة والقيادة والصحة والعمل والبطالة والحياة والاقتصاد.

بعد الحرب العالمية الثانية توفرت خطة مارشال الأمريكية التي انقذت اوروبا. حتى الآن لا تبدو ملامح خطة شبيهة مطروحة لإنقاذ العالم واقتصادياته.

* د. شفيق ناظم الغبرا أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية