استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الثورة السورية في عالم ما بعد «كورونا»

الاثنين 6 أبريل 2020 09:44 ص

الثورة السورية في عالم ما بعد «كورونا»

نجاعة أو فشل كل منطقة بمواجهة «كورونا» سيحدد مصير الطرف الحاكم فيها.

«كورونا» سيحدد اليوم من يواجه لحظته ويفي بتبعاتها: نظام الأسد وحلفاؤه أم الثورة وأصدقاؤها.

ما قد يحدد المنتصر أو المنهزم هو حلفاؤه فيما إذا كانوا قادرين على مكافحة الفيروس في عقر دارهم أي مساعدة غيرهم في سوريا.

شكلت حرب السويس عام 1956 علامة إنهاء الوجود البريطاني بالمنطقة وصعود الوجود الأميركي بعد الفشل البريطاني.

*     *     *

لا سرّ وراء بقاء سلالة «آل الأسد» على مدى نصف قرن في السلطة، كسرّ ولغز احتكارها وتغييبها المعلومة، فلا شيء أخطر على ماضي وحاضر ومستقبل الأنظمة الشمولية الديكتاتورية من المعلومة الحقيقية والواقعية. ومن هنا نستطيع فهم غياب المعلومات الرسمية عن جائحة «كورونا» بمناطق خاضعة للعصابة الطائفية جرياً على تغييب العالم عن حقيقة ما يجري هناك، وكأنها أحجية، بينما الكل يؤكد تفشّيها في المناطق الخاضعة للعصابة.

كانت الإشارة الواضحة الأولى أتت من باكستان، حين أُعلن رسمياً في مطلع مارس الحالي عن وصول 6 حالات مصابة

بـ «كورونا» لباكستانيين من فيلق «زينبيون» الذين كانوا يقاتلون إلى جانب قوات الأسد، ويرقد الآن مئات الحالات في منطقة تفتنان الباكستانية على الحدود مع إيران بعد أن تم ترحيلهم من الأخيرة لإصابتهم بـ «كورونا»، ويعتقد أن كثيراً منهم عبارة عن عناصر في فيلق «زينبيون» قدموا من مناطق العصابة.

بعد هذا، بدأت تتحدّث صفحات الموالين للنظام عن وجود وفيات في صفوف القوات الإيرانية، وكذلك صفوف قوات النظام، وتحدّث ناشطون عن وجود حالات في البوكمال ودير الزور وحلب وسط الميليشيات الطائفية التي تقاتل إلى جانب قوات الأسد.

ويأتي تنقّلها الحرّ غير المنضبط وغير المقنّن عبر المعابر الرسمية ليزيد من صعوبة الحصول على المعلومة الدقيقة عن عدد الحالات وطبيعتها؛ الأمر الذي يهدّد بانفجار وبائي خطير في حال خرجت الأمور عن السيطرة.

ولعلّ الأخطر من هذا كله هو افتقار مناطق النظام إلى وحدة بالقيادة للسيطرة في ظل التعارض والتناقض بين قوى الجيش والميليشيات، وبين المشروع الإيراني والروسي والتضارب اليومي بينهما في المصالح.

لم يعترف النظام السوري بوجود حالات «كورونا» إلّا في الثالث والعشرين من مارس الحالي، حين أعلن اكتشافه حالة واحدة -بحسب قوله- بينما كان الموجودون في داخل مناطق النظام يتحدّثون عن حالات عديدة في مشافيه، وهي التي تفتقر إلى أبسط المعدات والتجهيزات الصحية.

ولعلّ من الأخطار التي تهدّد بتصاعد التفشي هو عجز النظام عن ضبط حدوده بسبب سياسة ميليشياوية مدعومة من خارجه، بالإضافة إلى استمرار الرحلات الجوية القادمة من دول داعمة له وغدت موبوءة.

وقد أتت الصور التي سرّبها النظام عن تعقيم المدارس والشوارع لتزيد من السخرية عليه، وعلى تعاطيه مع وباء شلّ دولاً كبرى ويهدّد بتغيّر وتحوّل العالم كله، بالإضافة إلى آلياته وأنماط حكمه السياسية والاقتصادية، وحتى طبيعته الجيواستراتيجية، فكيف بدول فاشلة منهارة !

يتحدّث الخبراء اليوم عن عالم ما بعد «كورونا»، وأن ما بعده لن يكون كما قبله، ويضع العلماء تاريخياً عاملين أساسيين في التحولات العالمية التاريخية، وهي إما تغيير جيولوجي أو بيولوجي.

وقد أثبت التاريخ أن الإمبراطورية الرومانية حين تفشّى فيها وباء «الكوليرا» أتى على نصف عدد سكانها، ومن بينهم عسكريوها؛ الأمر الذي أدى إلى انهيارها وسقوطها.

ومن قبل انتهت مملكة أثينا عام 430 قبل الميلاد في مواجهة أسبرطة بعد أن فتكت الأوبئة بها وبشعبها وعسكرييها ونخبها. وبينما كانت فينسيا الإيطالية مضرب مثل في الرقي والتقدّم بالقرن السابع عشر، تحوّلت في غضون عامين فقط (1629-1630) إلى يباب وخراب، لتنتهي حكايتها إلى الأبد لصالح قوى كبرى دخلت على مسرح الجغراستراتيجي، وهي بريطانيا وهولندا.

ويُعتقد أن أحد الأسباب المهمة لنهاية العصر الإقطاعي تفشّي وباء «الكوليرا» مجدداً، بالإضافة إلى ظهور الثورة الصناعية، وهو ما أحدث انقلاباً جذرياً في العالم كله.

الحالة الصحية الموجودة في مناطق نظام الأسد سيئة، سواء كان من حيث الخدمات أم من حيث هروب الأدمغة الطبية المعروفة التي كانت في سوريا قبل الثورة، وقبل هذا كله التخبّط في القيادة والتحكّم على الأرض، نتيجة تضارب المشروعين الإيراني والروسي، وتناقضات الميليشيات الطائفية المتعددة الرؤوس.

وتأتي العقوبات لتزيد من معاناة العصابة ومشافيها، بالإضافة إلى ناقلي الوباء من الميليشيات الطائفية المتنقلة بين العراق وإيران ولبنان وأفغانستان وباكستان، وبكل حرية، ليزيد من احتمالية التفشي.

مناطق الشمال السوري المحرر، حتى الآن، خالية تماماً من «الكورونا»، رغم إدخال أجهزة للفحص، وإجراء فحوصات على حالات مشتبهة، لكن ثبت سلبيتها والحمد لله.

ورغم قصف المشافي والمستوصفات من قبل، فإنها ربما تتفوق على تلك، لأن المتحكم والمسيطر عليها جهة طبية واحدة هي وزارة الصحة في الحكومة المؤقتة، والتي تدير مناطق إدلب، من خلال مديريات صحة تابعة لها.

يزيد من قوتها ومتانتها علاقتها مع العالم الخارجي، يعززه وجود أطباء يتمتعون بالنزاهة والشفافية، بعيداً عن سطوة الأمن والمخابرات كمناطق العصابة، مما يجعل الطبيب يمارس مهنته بأجواء مهنية وحرية كبيرة، بدلاً من إخفاء المعلومات والتستر عليها.

ويأتي انفتاح هذه المناطق على تركيا كدولة وحيدة مجاورة للمناطق المحررة، ليساعد في ضبط الحالات، وانتشار المرض، ما دام الوضع الصحي فيها متطوراً ومنضبطاً بخلاف من تتعامل معه العصابة في مناطقها..

أما المناطق الكردية فلا معلومات لدينا عنها، سوى اعتمادها على القوات الأميركية، ولكن مع انتشار الكورونا في الجيش الأميركي، كما حصل في أفغانستان، فإن هذا يفاقم من المخاوف بانتقاله للقوات الأميركية في المناطق الكردية، والذي لا يمكن ضبط انتشاره وتفشيه إلى المدنيين هناك..

حديث موسكو عن هدنة دائمة في شمال سوريا، ثم مطالبة الأمم المتحدة بهدنة إنسانية لتتفرغ الدول لمعالجة هذا الوباء، يشير إلى عمق الأزمة عند النظام؛ فموسكو أعلنت عن وقف استقبال أو إرسال بعثاتها العسكرية للخارج، بعد أن أغلقت حدودها.

وهو ما سيثير التساؤل بشأن قواتها في سوريا بعد مرور خمسة أعوام على وجودها وهي التي كانت تمني نفسها بثلاثة أشهر لتنهي الأزمة، فوجود هذه القوات في بيئة فوضوية عسكرياً وصحياً، لا سيما في أجواء قتالية تتطلب الاحتكاك سيعرضها للإصابات؛ ولذا فقد تحدثت بعض المصادر عن أوامر للقوات الروسية في سوريا بالابتعاد عن تجمعات القوات الإيرانية، للحؤول دون اكتساب الفيروس.

مسألة تفشي المرض والكشف عنه قد تكون مسألة وقت، وحينها سيعاني النظام على مستوى الحاضنة الاجتماعية التي ستنقلب عليه، نظراً لضعف الكادر الطبي، وهو ما قد يتطور إلى انتفاضة، ويفاقمه الواقع الاقتصادي المتردي بشكل عام، لا سيما مع تقارير عن تفشيه وسط العسكريين، ورفض النقل الداخلي نقل عسكريين لاحتمالية إصابتهم بالفيروس، وإذا استمرت مناطق الثورة على حالها بخلوها من الوباء فستكون متفوقة عليه عسكرياً واجتماعياً.

لكن كما أن نجاعة أو فشل كل منطقة في التعاطي مع «كورونا» سيحدد مصير الطرف الحاكم فيها، فإن عاملاً آخر قد يحدد المنتصر أو المنهزم، وهو حلفاؤه فيما إذا كانوا قادرين على معالجة الفيروس والتعاطي إيجابياً معه في عقر دارهم، مما يعني مساعدة غيرهم في سوريا.

وكما شكلت لحظة السويس عام 1956 علامة فارقة بإنهاء الوجود البريطاني في مصر والمنطقة وصعود الوجود الأميركي لفشل البريطاني بمواجهة اللحظة، فإن «كورونا» سيحدد اليوم من يواجه لحظته ويفي بتبعاتها؛ نظام الأسد وحلفاؤه أم الثورة وأصدقاؤها.

* د. أحمد موفق زيدان كاتب صحفي وإعلامي سوري

المصدر | العرب القطرية

  كلمات مفتاحية

جيوبوليتكال فيوتشرز: تحالف ثلاثي جديد يتشكل في سوريا