الاستبداد والشرق الأوسط في زمن كورونا

الأربعاء 8 أبريل 2020 02:24 م

يتحدى انتشار فيروس "كورونا" الجديد قدرة الحكومات في جميع أنحاء العالم على توفير الرعاية الصحية والخدمات الأساسية الأخرى، ما يؤكد على وصول بعض المجتمعات إلى نقطة الانهيار وإبراز الأفضل لدى آخرين، كما أنه يغير السياسة المعتادة.

 في الولايات المتحدة، تم تأجيل بعض عمليات الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي حيث  تم إجراء نقاش متلفز وطني بين المتنافسين المتبقيين، نائب الرئيس السابق "جو بايدن" والسيناتور "بيرني ساندرز"، دون جمهور في الاستديو، كما تم التصافح بضرب المرافق بدلا من الأيدي لفرض "التباعد الاجتماعي".

لقد أربكت استجابة إدارة "ترامب" المتعثرة الرأي العام الأمريكي وألقت بظلال جديدة من الشك على السباق الرئاسي المقبل، الذي اعتقد الكثيرون حتى قبل أسابيع قليلة ماضية أن الرئيس "دونالد ترامب" سيفوز بالتأكيد به.

لقد أدى الوباء إلى قلب السياسة المعتادة في أجزاء أخرى من العالم أيضًا، لقد اختبرت عمليات إغلاق الأماكن العامة والمواقع الدينية وأماكن التجمعات الكبيرة قدرة الحكومات على الحفاظ على النظام وتناغم الحياة الطبيعية.

تواجه دول الشرق الأوسط تحديات مماثلة لتلك التي شوهدت في بقية العالم، يأخذ العديد منهم إشارات معينة من الصين وقد استخدموا الأزمة النامية كذريعة للقضاء على المعارضة وتعزيز المعايير الاستبدادية، والأمر متروك للمجتمعات الديمقراطية لوضع خطوط حمراء لتآكل الحرية وحقوق الإنسان مع تشجيع الاستجابة المجتمعية لهذه الكارثة العالمية.

وضعت حكومة الصين، حيث ظهر الفيروس، المعيار لنظام الاستجابة الاستبدادية، تم التقليل من أهمية التقارير الأولية لخطورة الفيروس حيث تم توبيخ الطبيب الذي حذر العالم من شدة المرض وتم تأديبه من قبل السلطات قبل أن يموت بالفيروس نفسه.

في نزاع مع الولايات المتحدة، بدأت الحكومة الصينية في إلقاء اللوم وإذكاء نظريات المؤامرة، بما في ذلك فكرة أن الولايات المتحدة كانت مسؤولة عن إنشاء الفيروس ونشره، تم تبني عناصر من هذا النمط بسهولة من قبل بعض حكومات الشرق الأوسط خلال الشهر الماضي، مع اختلافات خاصة بظروف كل دولة.

أمثلة من الشرق الأوسط

الجزائر

قامت الحكومة الجزائرية على الفور بتجيير الفيروس لصالح أهدافها السياسية الخاصة، وطالبت السلطات المتظاهرين الذين كانوا في الشوارع يومياً لأكثر من عام يطالبون بتغيير شامل في نظام الحكومة، بـ"التراجع عن تقديم المطالب" وإنهاء المظاهرات اليومية التي "ستؤدي فقط إلى تفاقم الوضع الحالي بشكل أكبر".

ووفقًا لوعودها، واصلت الحكومة الجزائرية سجن المتظاهرين بمعدل ينذر بالخطر.

مصر

اتجهت القاهرة إلى الصين في وقت مبكر للحصول على نصائح حول كيفية التعامل مع الأزمة، من وجهة نظر سياسية في المقام الأول.

توجهت وزيرة الصحة المصرية "هالة زايد" إلى بكين في 2 مارس/آذار "لتبادل الخبرات" والتعبير عن "التضامن" مع المسؤولين الصينيين والثناء على جهود بكين لاحتواء الأزمة.

في مؤتمر صيني مصري في القاهرة بعد ذلك بثلاثة أيام، زعم "حسن رجب"، رئيس معهد "كونفوشيوس" بجامعة قناة السويس المصرية، أن الصين "عالجت المحنة بشفافية ومصداقية"، بينما أشاد متحدثون آخرون بدور الصين في العالم.

سرعان ما عادت القاهرة إلى حيلة مألوفة للنظام، وشنت حملة قمع أخرى على الصحفيين الأجانب الذين كتبوا بدقة حول تفشي الفيروس هناك، في 17 مارس/آذار، سحبت  الهيئة العامة للاستعلامات أوراق اعتماد مراسلة صحيفة "الجارديان" البريطانية وأصدرت تحذيراً لمراسل صحيفة "نيويورك تايمز" لأنه أبلغ عن عدد أكبر من الإصابات التي تم تقديرها رسميًا (19300 مقابل 126 في ذلك الوقت، وفقا للدراسة الكندية التي استشهد بها الصحفيون).

اتهمت المخابرات العامة مراسلة "الجارديان" بـ"التشهير المتعمد المتكرر" بمصر وانتقدت "سوء السلوك المهني" المزعوم لمراسل صحيفة "نيويورك تايمز".

لم تكن القاهرة بحاجة إلى أي عذر محدد لاتخاذ إجراءات صارمة، فقد أعطت قوانينها الصارمة المناهضة للتظاهر وقمع الحريات الصحفية النظام سلطات واسعة لرفض حرية التعبير بأنواع كثيرة، لكن الفيروس الجديد قدم تبريراً آخر للسيطرة على المعلومات وكذلك على الشعب المصري.

على سبيل المثال، تم اعتقال 7 أشخاص على الأقل لنشرهم معلومات كاذبة وشائعات حول الفيروس، تشمل الاتهامات الموجهة إليهم "الادعاء أن "كورونا" انتشر على نطاق واسع في مصر وعدم قدرة الدولة على مواجهته"، وكذلك "السخرية من الإجراءات التي تتخذها الدولة لمكافحة الفيروس بهدف رفع الرأي العام الغاضب".

واتهم وزير الأوقاف المصري علناً جماعة "الإخوان المسلمون" بمحاولة نشر الفيروس بين الجيش والشرطة والقضاء وأعضاء وسائل الإعلام الحكومية، وقد أثار ذلك سخرية واتهامات واسعة النطاق بأن نظام "عبدالفتاح السيسي" كان ببساطة يحول الأنظار عن إخفاقاته العديدة في الحكم.

ومع ذلك، قدم الاتهام ذريعة أخرى لقمع الحكومة المستمر للمتهمين أو المشتبه في أنهم أعضاء في المنظمة وكذلك للاعتقال المستمر دون توجيه اتهامات لعشرات الآلاف من أعضاء الجماعة، وقد تم حتى الآن تجاهل النداءات التي وجهها ناشطو حقوق الإنسان الدوليون من أجل إطلاق سراح السجناء المصريين لوقف انتشار "كورونا" بين نزلاء السجون المحتجزين بالفعل في ظروف غير إنسانية.

كما تم منع نشر أخبار حول تواطؤ مصر في انتشار الفيروس، بما في ذلك حقيقة أن بعض السفن السياحية النيلية، والتي تعرض بعض أطقمها وركابها للفيروس، سمح لها بالإبحار لأكثر من شهر بعد تم الإبلاغ عن الإصابة الأولى، واستكملت ما لا يقل عن 4 رحلات أخرى قبل توقفها مع تزايد الاهتمام الدولي.

وقد أصدرت مجموعة بقيادة المرشح الرئاسي السابق المنفي "أيمن نور" بيانا اتهمت فيه الحكومة بفرض "تعتيم على حقيقة انتشار الفيروس" في البلاد.

إيران

تعتبر إيران، البلد الأكثر تضرراً في الشرق الأوسط، حيث يوجد لديها أكثر من 50 ألف حالة إصابة وأكثر من 3100 حالة وفاة حتى 2 أبريل/نيسان، وقد استجاب النظام من خلال نظريات المؤامرة، وألقى الرئيس "حسن روحاني" باللوم على "المعادين للثورة" في الصعوبات الاقتصادية.

بالإضافة إلى ذلك، شن النظام مؤخرًا هجومًا مضادًا للدعاية، متهمًا الولايات المتحدة بنشر الفيروس باعتباره "سلاحًا عرقيًا" مصممًا خصيصًا لاستهداف الإيرانيين.

كما هو الحال في مصر، أثار النظام الإيراني مثل هذه النظريات الغريبة من أجل إبعاد الانتباه عن عيوبه، ليس فقط عن التعامل مع الفيروس نفسه، ولكن أيضًا عن جهوده الفاشلة لمعالجة العديد من الإخفاقات الحكومية التي أدت إلى احتجاجات ضخمة في أواخر عام 2019 و مرة أخرى في يناير/كانون الثاني 2020، بعد إسقاط طائرة ركاب بطريق الخطأ.

العراق

يشهد العراق انضمام المزيد من الناس إلى الاحتجاجات ضد الحكومة كل يوم، لقد ربط المتظاهرون الهتافات في الساحات العامة الفيروس بالفساد الرسمي: "اسمعنا يا كورونا، تعال وزور اللصوص الذين سرقونا، تعالوا وانتقم من أولئك الذين سرقوا أحلامنا".

وقد كان الزعيم الشعبوي "مقتدى الصدر"، في الأصل مؤيدًا للاحتجاجات لكنه حاول استخدام تفشي الفيروس لإنهاء الاحتجاجات، دون أي تأثير معين، وقد فشلت جهود الحكومة العراقية للقيام بنفس الشيء حتى الآن، قد يتغير هذا مع تطور تصورات "كورونا" ويتعرض المحتجون لضغوط أكبر من الحكومة للبقاء في منازلهم.

إسرائيل

تم تأجيل محاكمة رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" بتهم الفساد على الأقل حتى مايو/أيار بسبب قرار حكومته بإغلاق المحاكم بشكل فعال، مشيرة إلى مخاوف تتعلق بالفيروس (بحلول 2 أبريل/نيسان، أبلغت (إسرائيل) عن 6،360 حالة إصابة، و33 حالة وفاة).

دعا "نتنياهو" أيضًا "بيني جانتس" زعيم حزب "أزرق أبيض" للانضمام إليه في حكومة "طوارئ وطنية" بسبب الوباء، وقد كان هدفه الرئيسي، منع "جانتس" من تشكيل ائتلاف مع "القائمة العربية الإسرائيلية المشتركة"، التي وصفها "نتنياهو" بأنها "مؤيدة للإرهاب".

في مسار عكسي مفاجئ، وافق "جانتس"، بالسماح "لنتنياهو" بالبقاء كرئيس للوزراء لمدة 18 شهرًا، على أن يكون "جانتس" وزيرا للخارجية، قبل أن يتولى "جانتس" رئاسة الوزراء بنفسه في عام 2021، تم انتخاب "جانتس" بدعم من حزب الليكود رئيسًا للكنيست، كما دعا "نتنياهو" إلى استخدام أدوات مراقبة خاصة لتعقب ضحايا الفيروس، ما يثير قلق داعمي الحقوق المدنية والمعارضين السياسيين للتحالف الحاكم.

لبنان

باستخدام تهديد "كورونا" كذريعة، أحرقت الأجهزة الأمنية اللبنانية الخيام التي يديرها المتظاهرون في بيروت، وأعلنت حكومة "حسن دياب" التي يهيمن عليها الآن "حزب الله" وحلفاؤه حالة الطوارئ في 15 مارس/آذار لتسهيل إصدار المراسيم التي تقضي بالقيود على الحركة وإغلاق الأماكن العامة.

المغرب

أوقفت البلاد التجمعات العامة بموجب مرسوم حالة الطوارئ الصادر في 20 مارس/آذار، والذي احتج عليه الكثيرون بسبب تداعياته السياسية، ومن المقرر أن يستمر إعلان الطوارئ حتى 20 أبريل/نيسان.

المملكة العربية السعودية

أوقفت المملكة نظامها القضائي، بزعم منع انتشار الفيروس، لكن كان لذلك تأثير إضافيً في تأخير محاكمات ناشطين مثل المدافعة عن حقوق المرأة "لجين الهذلول"، التي كان من المقرر أن تصل إلى المحكمة في 11 مارس/آذار.

وفيما تم الإشادة على نطاق واسع بحالة الطوارئ كنموذج للاستجابة الفعالة، فإن تدابير مثل هذه، إذا تم توسيعها وتمديدها ربما لأشهر أو سنوات، يمكن أن تعمق هندسة القمع الكبيرة بالفعل في المملكة.

بالنظر إلى الحملة المتزامنة التي قام بها ولي العهد "محمد بن سلمان" لتعزيز سلطته داخل العائلة المالكة السعودية، فإن أزمة "كورونا" يمكن أن توفر ما يكفي من عذر لإنهاء الإجراءات القانونية الواجبة تمامًا، وحرية التعبير، وانتقاد الحكومة، وتسريع اعتقال المعارضين.

تأثيرات طويلة المدى.. وربما بعض الحلول

إجمالاً، ساعد الوباء على تخفيف الاحتجاجات السياسية عن طريق إبعاد الكثيرين عن الشوارع، كما وفر حجة للحكومات القمعية في سعيها لنزع الشرعية عن المعارضة وإبعادها.

قد تميل الحكومات الاستبدادية بشدة إلى استغلال الإجراءات السياسية القاسية التي فرضتها لمواجهة الفيروس، وتعمق قبضتها على السلطة السياسية تحت ستار حماية الصحة والسلامة العامة.

لا ينبغي أن ننسى أن "حسني مبارك" المصري فرض حالة طوارئ استمرت 31 عامًا قبل رفعه لفترة وجيزة في عام 2012؛ ومنذ ذلك الحين تم تمديدها مرارا وتكرارا "لمحاربة الإرهاب" في ظل حكومة "السيسي".

من المرجح أن يستغل المستبدون قدرتهم على مواجهة الأزمة كدليل على تفوق نموذج حكومتهم، كما تفعل السعودية اليوم بشكل ضمني، تمامًا كما أشارت الصين إلى قدرتها على حجر مواطنيها، وفرض البناء السريع للمرافق الطبية، وانحناء مجتمع بأكمله لإرادتها في محاولة لهزيمة المرض.

في الوقت نفسه، تكشف الاستراتيجيات الاستبدادية في هذه الحالة أيضًا عيوب الأنظمة الديكتاتورية.

سلط مقال رأي في "وول ستريت جورنال" بقلم "والتر راسل ميد"، الضوء على مشاكل استجابة الصين، حيث تم طرد 3 من صحفيي "وول ستريت جورنال" من البلاد في فبراير/شباط، وربما ألهم ذلك إجراءات مصر ضد "الجارديان" و"نيويورك تايمز" في مارس/آذار.

لم تخدم مثل هذه الخطوات المهزومة ذاتياً إلا عيوب الحكومة الصينية، تماماً كما لفتت الانتباه الدولي عن إخفاقات الحكومة المصرية.

وقد أكدت هذه الحوادث أيضًا على حقيقة أن نموذج الاستجابة الاستبدادية قد يعوق بالفعل اتخاذ إجراءات فعالة لإنهاء هذه الأزمة والأزمات المماثلة، وبالتالي، قد يثبت أنه كأس مسموم، بمجرد أن يمر التهديد الفوري للفيروس، من خلال إلقاء الضوء على إخفاقات الحكومة وعدم كفاءتها.

وتخشى الحكومات في الشرق الأوسط من فضيحة تحت الأضواء الساخنة، حيث يتم الكشف عن عيوب استراتيجيات تعاملها مع "كورونا"، بما في ذلك عدم كفاية أنظمة الرعاية الصحية المتداعية في كثير من الحالات.

من المهم أن نلاحظ أن أياً من هذه الدول لا يلام على الأزمة التي تواجهها الآن، ويجب على كل دولة على وجه الأرض أن تكون جزءاً من الحل.

يجب التخلي عن بعض المعارك القديمة، يجب البحث عن معارك جديدة - أي الكفاح من أجل الموارد الطبية والأدوية الفعالة المضادة للفيروسات - بالتنسيق مع الآخرين.

يجب على الولايات المتحدة تشجيع التعاون بين الجهات الفاعلة الدولية لتطوير استجابة منسقة للوباء مع تجنب الانعزالية وتجنب البحث كبش الفداء.

فيما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، هذا يعني جهدًا دبلوماسيًا متضافرًا لبناء استراتيجيات تعاونية وتعليق النزاعات المستمرة، مثل المواجهة بين قطر والسعودية والإمارات.

كما ينبغي النظر في تخفيف العقوبات على إيران، بالإضافة إلى المساعدة في الأزمة المباشرة، قد تحقق هذه الاستراتيجيات أرباحًا دبلوماسية طويلة المدى.

إن التطبيق الحكيم لموارد المساعدة الخارجية، سواء بشكل مباشر أو من خلال المنظمات الدولية، سيكون ذا فائدة كبيرة.

لكي تظل البلدان الديمقراطية مقبولة، يجب ألا تسمح بالقمع والحملات القمعية تحت غطاء الاستجابة للوباء، إن البعد الاجتماعي شيء، ولكن البعد السياسي الدائم الذي قد تسعى الحكومات الاستبدادية في الشرق الأوسط إلى جعله سمة أكثر رسوخًا في الحياة المدنية شيء آخر تمامًا.

إذا كانت الولايات المتحدة تأمل في تعزيز المزيد من الحكومات الليبرالية سياسياً واجتماعياً في المنطقة من أجل تحقيق قدر أكبر من الاستقرار، فلا يمكنها تحمل تجاهل تهديد هذا الفيروس الجديد للجسم السياسي.

المصدر | تشارلز دبليو دوني | المركز العربي- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

منظومات الاستبداد حكومات الاستبداد دولة الاستبداد كورونا فيروس كورونا تداعيات كورونا

الإيكونوميست: الأنظمة العربية تستغل كورونا لزيادة القمع

كورونا.. هل يطلق سراح المعتقلين في السعودية؟

كورونا وأزمة المستبدين في الشرق الأوسط.. السعودية ومصر نموذجا

السعودية والإمارات ومصر.. دول تصدر الاستبداد عبر الشرق الأوسط

نواب بريطانيون يطالبون حكومتهم بدعم الصحفيين بالسعودية والإمارات والصين