كيف يؤثر انهيار لبنان على تماسك حزب الله؟

الأحد 12 أبريل 2020 04:12 م

يعمل "حزب الله" منذ سنوات على دمج نفسه في الدولة اللبنانية، والآن مع احتمال انهيار الدولة، فإن اندماج "حزب الله" في جهاز الدولة، والذي كان الهدف منه في البداية حماية الحزب من الضغوط الدولية، يمكن أن يشكل تهديدًا مباشرًا لمستقبله.

يواجه لبنان مجموعة من التحديات الجديدة، من الانهيار الاقتصادي بسبب الأزمة المالية إلى الوباء. وفي حين أنه لا يمكن إلقاء اللوم في سوء إدارة البلاد على فصيل واحد فقط، فقد ساهم "حزب الله" بلا شك في الأزمة التي تمر بها البلاد. فقد استخدم الحزب أجهزة الدولة للهروب من العقوبات الدولية مما جعل الرد عليه سيفا قاتلا بالنسبة للبنان.

كما أن اعتماد "حزب الله" على الشخصيات السياسية الفاسدة لتحقيق الهيمنة والتغلغل في أجهزة الدولة أضر بشدة بمصداقيته، لا سيما في أعقاب الأزمة الاقتصادية الهائلة.

ابتعد أعضاء "حزب الله" عن المناصب الحكومية الحساسة، حيث تعامل وزراؤه مع وزارات الزراعة، والشباب، والصناعة، ومؤخرا الصحة. وبالرغم من حذره السياسي، إلا أن الحزب له تأثير مباشر على المؤسسات الأساسية بما في ذلك الملفات الأمنية وملفات السياسة الخارجية.

"حزب الله" يسيطر على السياسة الخارجية

سيطر "حزب الله" على السياسة الخارجية للبنان بطريقة غير مباشرة من خلال تعيين شخصيات موالية له من "التيار الوطني الحر" برئاسة الرئيس "ميشال عون"، ومؤخرا "جبران باسيل". خلال فترة توليه منصب وزير الخارجية من 2014 إلى 2020 اتخذ "باسيل" مرارًا وتكرارًا مواقف إقليمية ضارة بلبنان، رغم اعتماد الحكومة لسياسة الحياد الإقليمي.

فشل وزير الخارجية اللبناني عام 2018 في حضور اجتماع استثنائي للجامعة العربية في 22 مارس/آذار لمناقشة الانتهاكات التي ارتكبتها إيران. كما أدى فشل بيروت في إدانة الهجمات على البعثات الدبلوماسية السعودية في طهران إلى تعليق حزمة مساعدات بقيمة 3 مليارات دولار للجيش اللبناني عام 2016.

وتغيب رؤساء الدول العربية عن القمة العربية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لعام 2019، التي عقدت في بيروت، بسبب إصرار "حزب الله" و"حركة أمل" على حضور دمشق للمؤتمر.

أدى تمدد نفوذ "حزب الله" خارج لبنان لإثارة غضب القادة العرب وحلفاء البلاد السابقين. في سوريا، دعم "حزب الله" نظام الرئيس "بشار الأسد"، وشارك في المعارك، ودرّب الجيش والفصائل الموالية له. وفي اليمن، قدم "حزب الله" الدعم الفني للحوثيين المدعومين من إيران، مما وضعه ضد الحكومة المعترف بها دوليًا المدعومة من السعودية.

ومما زاد الطين بلة، تهديد الأمين العام للحزب "حسن نصر الله" للسعودية مرارا، واصفا إياها بأنها "بيت من زجاج" مع تصاعد التوترات في الخليج.

وخلقت سياسات "حزب الله" الإقليمية، أعداء جدد هذا العام حيث قُتل العشرات من مقاتلي الحزب خلال العمليات التركية في محافظة إدلب السورية.

ونتيجة لذلك، تضررت مكانة لبنان بشدة على المستوى الإقليمي. وعندما حاول رئيس الوزراء السابق "سعد الحريري" حشد الدعم المالي للبنان من القادة العرب خلال 2019، عاد خالي الوفاض.

يعد القطاع المصرفي في لبنان، الذي يعاني بالفعل من التعثر، هو الضحية غير المباشرة للحرب على "حزب الله"، الذي يخضع لعقوبات أمريكية شديدة.

رهينة التحالفات السياسية

يعتبر "حزب الله" رهينة لتحالفاته السياسية. عندما هزت الاحتجاجات لبنان، في أكتوبر/تشرين الأول 2019، تم توجيه الكثير من غضب المتظاهرين ضد الحلفاء الرئيسيين للحزب بما فيهم "باسيل" ورئيس مجلس النواب "نبيه بيري"، رئيس "حركة أمل"، المتهمين بالفساد.

في الوقت الذي كان فيه وزيرا للطاقة عام 2011، ادعى "باسيل" أنه أعد خطة بقيمة 5 مليارات دولار لتوفير الكهرباء طوال 24 ساعة  مما يحق الاكتفاء الذاتي من الطاقة للمرة الأولى منذ الحرب الأهلية.

وجّه المتظاهرون المناهضون للفساد الإهانات المتكررة لـ"بري"، الذي يُزعم تورطه في العديد من الفضائح. بالرغم من مزاعم الفساد، لا يزال تحالف "حزب الله" مع حزب "باسيل" و"حركة أمل" متينًا، حيث سمح كلا الطرفين للحزب بتجنب اتهامات الاحتكار الطائفي للنظام السياسي.

ومع ذلك، فإن المعركة ضد الفساد ضرورية لمستقبل لبنان، لأنها تبقى العيون على الجاني الرئيسي وراء ارتفاع ديون لبنان. في مارس/آذار، اتخذت الحكومة اللبنانية قرارا بالتأخر عن سداد ديونها لحماية احتياطياتها من العملات الأجنبية المتضائلة، والتي تقدر بحوالي 35.8 مليار دولار، بحسب الأرقام التي قدمها بنك "بيبلوس". يحتاج لبنان إلى احتياطياته من العملات الأجنبية لتمويل الواردات بما في ذلك الأغذية والأدوية ومواد البناء التي تبلغ قيمتها السنوية حوالي 20 مليار دولار.

يعتقد الخبراء أن الاقتصاد اللبناني سوف ينكمش بشكل ملحوظ. وأفاد "نسيب غابريل"، كبير الاقتصاديين في بنك "بيبلوس"، أن الركود، المقدر بـ 4% خلال 2019، سيصل إلى أرقام من خانتين.

ومن المتوقع أيضًا أن يتضاعف التضخم، الذي وصل إلى 10% في يناير/كانون الثاني، ليصبح حوالي 20% مع خسارة الأشخاص على الأقل 50% من قوتهم الشرائية على المدى الطويل. كما أن البطالة آخذة في الارتفاع، حيث فقد أكثر من 200 ألف شخص وظائفهم عام 2019 وحده. ويعتقد الخبراء أن الوضع سيزداد سوءًا مع انتشار وباء "كورونا" في لبنان.

ماذا يعني ذلك لمستقبل "حزب الله"؟

هذه كلها أخبار سيئة للغاية لـ"حزب الله" حيث يعتمد الحزب بشكل متزايد على الدولة لتعويض الدعم المالي الإيراني المتضائل. كما يعتمد "حزب الله" على وزارة الصحة في علاج جرحاه وقاعدة مؤيديه.

بالإضافة إلى ذلك، فإن السيطرة على حدود لبنان تسمح لـ"حزب الله" بالتورط في عدد من أنشطة التهريب بما في ذلك الطعام والبنزين والمخدرات وغسيل الأموال، حسبما قالت مصادر قريبة منه.

وهكذا فإن بقاء "حزب الله" مرتبط بشكل وثيق ببقاء لبنان، فانحدار لبنان هو في النهاية انحدار للحزب.

ومن المفارقات أن الحزب مُجبر على الحفاظ على سياسة خارجية تتماشى مع سياسة إيران على حساب بلاده، وعلى المستوى المحلي فهو رهن للحلفاء المشوهين.

بالرغم من هيمنته العسكرية التي لا جدال فيها، فإن مستقبل الحزب يعتمد على مدى رضا قاعدته الشعبية الأوسع ودعمه غير المشروط. مع اقتراب الذكرى العشرين للاحتلال الإسرائيلي في مايو/أيار، فكلاهما محل شك حيث لم يتبق الكثير في لبنان.

المصدر | منى العلمي/أتلانتك كاونسل- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

حزب الله اللبناني وزير الخارجية اللبناني وزارة الصحة اللبنانية جبران باسيل