مصر تسعى لسحق الإخوان المسلمين .. فهل تستطيع الجماعة النجاة؟

الخميس 13 أغسطس 2015 01:08 ص

في أربع سنوات منذ الربيع العربي، ذهبت جماعة الإخوان المسلمين في مصر من الشوارع إلى القصر الرئاسي، وعادت إلى الشوارع مرة أخرى. والآن، مع الحكم على زعيمها بالإعدام وتعرض أتباعها للاضطهاد من قبل نظام الرئيس «عبد الفتاح السيسي»، تجد جماعة الإخوان المسلمين نفسها في مرحلة حرجة؛ هل سيتم تدميرها؟ هل ستتخلى عن عقيدتها اللاعنفية؟ أم إنها ستتلاشى فقط، لينضم أعضاؤها الأصغر سنًا إلى حركات أكثر راديكالية مثل «داعش»؟

وتحت حكم «السيسي»، تعيش مصر ما يصفه «جو ستورك» من منظمة هيومن رايتس ووتش بأنه «أزمة حقوق الإنسان الأسوأ في الذاكرة». وبينما لا يزال «السيسي» يحظى بشعبية، تم حظر التجمعات السلمية، وتطلق الشرطة النار على المتظاهرين، وتنتهك حقوق الآلاف من المعتقلين السياسيين مع إفلات واضح من العقاب. ومنذ الانقلاب العسكري لعام 2013 الذي أطاح برئيس البلاد، «محمد مرسي»، شهدت مصر أعمال عنف بين الإسلاميين وقوات الأمن.

ويواجه أي شخص يعارض النظام القمع الشديد، ولكن جماعة الإخوان المسلمين مستهدفة بشكل خاص. ويقول «إريك تراغر» من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: «انتقل النظام الجديد بسرعة كبيرة لقطع رأس المنظمة، وهو ما كان يعني إلقاء القبض على ثلاثة من أعلى قادة التنظيم». ومنذ سقوط «مرسي»، تعرض عشرات الآلاف من أعضاء الإخوان إما للاعتقال أو الفرار إلى المنفى، وتمكنت أقلية فقط من قيادة الإخوان من الهروب إلى إسطنبول بشكل أساسي.

وحكم على زعيم الجماعة، «محمد بديع»، بالموت في أبريل/نيسان 2014، جنبًا إلى جنب مع 682 آخرين من أنصار «مرسي»، في المحاكمة التي استمرت لمدة 8 دقائق فقط. وقد حكمت المحاكم المسيسة تمامًا بإعدام «مرسي» أيضًا في مايو/أيار 2015. وعلى سبيل المقارنة، حصل حسني مبارك، وهو الديكتاتور الذي حكم البلاد لمدة 30 عامًا، على حكم بالسجن ثلاث سنوات فقط لتهم تتعلق بالفساد.

ورغم ذلك، لا يزال أنصار الإخوان يحملون روح التحدي، ويتنبأ «مصطفى النمر»، وهو ناشط سابق من الإخوان يتواجد الآن في تركيا وكان قد سجن من قبل «السيسي»، بأن الناس سوف يقاتلون مرة أخرى. وقال «النمر»: «إن لدى أكثر من 100 ألف أسرة سببًا مباشرًا للانتقام من نظام السيسي؛ ولذلك، سيكون من المستحيل تقريبًا السيطرة على كل هؤلاء الناس».

ووفقًا لناشط سابق من جماعة الإخوان ترك المنظمة منذ أربع سنوات، «لأن الهيكل لم يكن ديمقراطيًا»؛ مازال الإخوان متماسكين رغم القمع. ويقول «عبد الرحمن عياش»: «هذا النوع من القمع يعمل بمثابة الغراء. إن النظام غبي. إنه يبقي الإخوان قادرين على المضي قدمًا».

وبعد سقوط مبارك في عام 2011، حقق حزب الحرية والعدالة، وهو الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، فوزًا ساحقًا في الانتخابات البرلمانية الديمقراطية الأولى في تاريخ البلاد، وتبع ذلك انتخاب «مرسي» مرشحًا للرئاسة عن الحزب؛ وبالتالي، أصبحت جماعة الإخوان المحظورة سابقًا في القمة فجأةً.

ومع ذلك، اتهم «مرسي» بتفضيل المصلحة الذاتية على مصلحة البلاد، واعتقد كثير من المصريين بأنه فشل في معالجة القضايا الاقتصادية. وبحلول عام 2013، عاد آلاف من المواطنين إلى الشوارع مرة أخرى احتجاجًا على الميول الاستبدادية لجماعة الإخوان المسلمين. وفي يوليو/تموز 2013، استغل الجيش الفرصة التي وفرها سخط الجمهور، وأطاح بـ«مرسي».

وتحول فصل الصيف ذاك إلى حمام دم. واحتج أنصار جماعة الإخوان المسلمين الغاضبين من الانقلاب من خلال النزول إلى الشوارع أيضًا، ولكن الشرطة واجهتهم بعنف، تم تتويجه في 14 آب/أغسطس، عندما اقتحمت قوات الأمن اعتصامًا خارج مسجد رابعة العدوية في القاهرة، وقتلت أكثر من 800 مدني فيما وصفته هيومن رايتس ووتش بجريمة «تعادل أو قد تكون أسوأ حتى من مجزرة ميدان تيانانمن في الصين عام 1989».

ولا يعد عداء الحكومة لجماعة الإخوان المسلمين بالأمر الجديد. وبعد أن تأسست هذه الحركة من قبل «حسن البنا» في عام 1928، كقوة مقاومة للهيمنة البريطانية، نمت المنظمة بسرعة، ولكنها اختلفت مع قادة الجيش الذين تولوا السلطة في عام 1952، بعد تنحي الملك «فاروق» المدعوم من بريطانيا. وبعدها، لجأ أعضاء الجماعة للعمل السري، واستطاعوا النجاة تحت مختلف الأنظمة؛ حيث تعرضوا للاضطهاد في ظل «جمال عبد الناصر» (1956-1970)، الذي حاول الإخوان اغتياله في عام 1954؛ ووضعوا تحت المراقبة في ظل حكم «أنور السادات» (1970-1981)؛ وتم التسامح معهم في البداية من قبل «مبارك» (1981-2011)، إلا أن هذا التسامح انتهى عندما فاز الإخوان بنسبة 20 في المئة من مقاعد البرلمان في انتخابات عام 2005، وهو ما أثار قلق «مبارك».

وكنتيجة لعقود من القمع، طورت جماعة الإخوان منظمة متماسكة وضيقة. وكما يقول «شادي حامد»، وهو الخبير في شؤون الشرق الأوسط في معهد «بروكينغز»: «أنت لا تقوم بمجرد الاشتراك في جماعة الإخوان المسلمين، بل تخضع لعملية جادة ومجهدة». ويتوجب على الذين يطمحون للحصول على عضوية الجماعة أن يمروا عبر 5-8 سنوات من التلقين، يتحركون خلالها ببطء نحو الحصول على العضوية الكاملة. ويقول «تراغر» من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إن المنظمة «تسعى إلى أسلمة الفرد من خلال عملية التلقين الصارمة، ومن ثم أسلمة الأسر، والمجتمع، والدولة، وأخيرًا العالم»“.

ويعود جزء من جاذبية جماعة الإخوان المسلمين إلى مزجها بين الإسلام السياسي والعمل الاجتماعي؛ حيث نبذت الحركة العنف رسميًا في السبعينيات، ومثل حزب الله في لبنان وحركة «حماس» الفلسطينية، حصلت الجماعة على صورة حسنة من خلال بناء المدارس، والنوادي الرياضية، وغيرها من الخدمات الاجتماعية. وقد انتشرت هذه الصيغة إلى العديد من البلدان، من السنغال إلى روسيا. وفي مصر اليوم، يقدر «حامد» أن لدى جماعة الإخوان نحو 500 ألف عضو، يساهم كثير منهم بما يصل إلى 15 في المئة من رواتبهم شهريًا.

وحتى إذا لم تستطع حملة «السيسي» قتل المنظمة، فمن المحتمل أن تقوم بتغييرها جذريًا. ولفترة طويلة، واجهت جماعة الإخوان المسلمين تحديًا أيديولوجيًا يتمثل في انقسام أعضائها بين الوفاء بالتزام الإخوان بنبذ العنف، واعتبار العنف مشروعًا في بعض الحالات. ويقول «حامد» إن قطع «السيسي» لرأس المنظمة قد أجبر على حدوث تحول في الأجيال؛ حيث إنه «ومع وجود القيادة من الحرس القديم في الخارج أو في السجن، توجب على الأعضاء الأصغر سنًا في مصر أن يرتفعوا إلى مستوى الحدث بحكم الضرورة، وأن يتولوا القيادة».

ومن بين أعضاء هذه القيادة الجديدة البعض ممن يدافعون عن عقيدة «العنف الدفاعي»، بهدف زعزعة نظام «السيسي» من خلال مهاجمة البنية التحتية، مثل شبكة الكهرباء، والانتقام من قوات الأمن. ويقول «حامد»: «إذا كنت عضوًا يبلغ من العمر 60 عامًا، فسيكون قد تم تلقينك مذهب اللاعنف لعقود من الزمن. ولكن إذا كنت في الثانية والعشرين من عمرك، وعضوًا في جماعة الإخوان منذ ثلاث سنوات فقط، فستشعر بأنك أقل ارتباطًا بهذا المذهب».

ويعتقد الكثيرون أن هذا النهج الجديد يلعب في صالح النظام. ويقول «عياش»، وهو عضو جماعة الإخوان السابق، إن قيادة المنظمة تفتقر إلى السيطرة على أعضائها. ويضيف: «لقد أصبحت لامركزية بالكامل. لقد تحدثت إلى عدد قليل من أعضائها وقادتها، وعندما كنت أسألهم: لماذا لا تتدخلون لتهدئة الشباب في مصر؟ كانوا يجيبون: الجميع في مصر يعمل من تلقاء نفسه».

وهناك خطر آخر يتمثل في أن أعضاء الجماعة المرهقين قد يتركون الإخوان للانضمام لـ«داعش». ولم يحدث هذا الأمر إلى حد كبير حتى الآن بسبب التسلسل الهرمي القوي للمجموعة، وولاء أعضائها، وفقًا لما يقوله «حامد».

وتستمر الدول الأخرى في المنطقة بمراقبة الوضع عن كثب. وقد كانت جماعة الإخوان واحدة من عدد قليل من القوى السياسية غير العنيفة في الشرق الأوسط، وواحدة من أفضل هذه القوى تنظيمًا. ويعد الإخوان أعداء ألدّاء لللاعبين الرئيسيين في المنطقة، مثل السعوديين الذين يقدمون لنظام «السيسي» المليارات من الدولارات في الدعم. وعلى الرغم من أن السياسة السعودية تجاه جماعة الإخوان المسلمين قد أصبحت أكثر تساهلًا بينما يركز الملك «سلمان» على مكافحة إيران؛ إلا أن الإخوان لا يزالون يشكلون تهديدًا محتملًا لنظام الحكم في السعودية. وعن هذا، يقول حامد: «الإخوان المسلمون هم معارضة دينية منظمة وتدعم الانتخابات الديمقراطية، والسعوديون لا يحبون أيًا من هذه الأشياء».

 

  كلمات مفتاحية

مصر السيسي جماعة الإخوان المنهج الثوري الدولة الإسلامية

«ميدل إيست بريفينج»: هل جماعة الإخوان المسلمين الحل أم المشكلة؟

جدلية الثورة والثورة المضادة: مصير مصر بين أربع قوى سياسية وأربعة تواريخ

الإخوان في مصر يتمسكون بالسلمية ويؤكدون: العنف والإرهاب صنيعة العسكر

«ولاية سيناء» يسعى لاستقطاب شباب «الإخوان» عقب حكم الإعدام على «مرسي»

«الإخوان» .. الحاضر ـ الغائب في إقالة وزير الداخلية المصري

للمرة الثانية.. «الدولة الإسلامية» يدعو «الإخوان المسلمين» في مصر لمبايعته

الإمارات تهاجم «إخوان» اليمن وتتهمهم بسرقة انتصارات الخليج على «الحوثيين»

خيارات محدودة أمام «الإخوان المسلمين»

المتحدث الإعلامي للإخوان المسلمين يدعو أعضاء الجماعة للوحدة ونبذ الفرقة

مصر.. محكمة النقض ترفض طعن «الإخوان» على قوائم «الكيانات الإرهابية»

مشكلات المؤسسية في «الإخوان المسلمين»

بيان لم يكتبه «الإخوان»

عن بيان كتبه «الإخوان»

خاص: الأمن المصري يتتبع الإخوان بالحوالات البريدية