أول قمر عسكري لإيران.. رسائل طهران الاستراتيجية لواشنطن والرياض

الثلاثاء 28 أبريل 2020 02:26 ص

على مسافة 425 كيلومترا، استقر القمر الصناعي العسكري الإيراني "نور-1" في مداره حول الأرض، الأربعاء 22 أبريل/نيسان، في حدث اعتبره استراتيجيون "خطوة جريئة" في ظل الظرف الحساس الذي تعانيه طهران مع استمرار العقوبات الأمريكية واستمرار أزمة تفشي فيروس "كورونا" المستجد "كوفيد-19" في البلاد، خاصة أنه جاء بعد أيام من مضايقة قوارب الحرس الثوري الإيراني عدداً من السفن الأمريكية في مياه الخليج.

وأثار نجاح إطلاق القمر تساؤلات حول مدى نجاعة سياسية "أقصى ضغط" التي تمارسها واشنطن سياسيا ضد إيران، منذ أن تفاقم التوتر بينهما في مايو/أيار 2018، عقب قرار الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" الانسحاب الأحادي من الاتفاق النووي الموقع عام 2015، وإعادة فرض عقوبات اقتصادية شديدة على إيران، وكان آخر مظاهرها رفض السماح لإيران بالحصول على قرض من صندوق النقد الدولي لمواجهة "كورونا".

ورغم ذلك، يبدو أن الضغوط الأمريكية لم تحقق نجاحا في إجبار إيران على التخلي عن تطلعاتها الاستراتيجية، حسبما يرى مراقبون، بينهم مستشار "ترامب" السابق لشؤون الأمن القومي "جون بولتون"، الذي أقر عبر حسابه على "تويتر أن إطلاق "نور-1" يعني أن "الضغط الذي يمارس على طهران غير كاف" حتى بعد قتل الجنرال الإيراني "قاسم سليماني" في غارة أمريكية ببغداد في 3 يناير/كانون الثاني الماضي.

وإمعانا في إظهار القدرة والتفوق، حرص قائد الحرس الثوري "حسين سلامي" على التأكيد أن القمر الصناعي "نور-1" والصاروخ الحامل له "قاصد" هما صناعة محلية كاملة، حسب ما نقلته شبكة "روسيا اليوم".

رسائل الإطلاق

ترسل عملية إطلاق القمر الإيراني مجموعة من الرسائل، أولها أن "الحرس الثوري" هو عصب الدولة الرئيس، خاصة بعدما ظهر "سلامي" على التليفزيون الذي تديره الدولة، لإعلان أن الحرس الثوري اخترع جهازا يمكنه الكشف عن الفيروس التاجي من مسافة 100 متر، بما يساعد في إنهاء أزمة الفيروس في البلاد، بما يرسخ مركزية دور الحرس الثوري بوصفه الجهة التي تقدم العلاج والمساعدات والإغاثة، وتلجأ إليها كافة مؤسسات الدولة الإيرانية الأخرى، حسبما أوردت صحيفة "واشنطن بوست".

الرسالة الثانية تتعلق بقدرات طهران التكنولوجية، وتمكنها أخيرا من التحصل على تقنية صواريخ الفضاء بعد 3 محاولات فاشلة، آخرهما في 9 فبراير/شباط الماضي، عندما فشلت محاولة وضع قمر صناعي، حمله الصاورخ "ظفر"، في مداره.

وتشير القدرة الإيرانية الجديدة إلى أن طهران باتت قريبة من صناعة الصواريخ العابرة للقارات، وأنها على وشك الدخول إلى نادي الدول المالكة للأقمار الصناعية العسكرية، بما يعني تحييد عامل "المفاجأة" في أي عملية عسكرية محتملة ضد قواتها مستقبلا اعتمادا على رصد الأقمار الاصطناعية، وهو ما يراه الخبير العسكري بجامعة الدفاع الوطني في واشنطن "ديفد دي روتش" تطورا خطيرا في المواجهة المتصاعدة بين طهران وواشنطن.

فمنظومة الصناعات العسكرية لا تكتمل إلا بدعم معلوماتي عبر الفضاء، ولذا فإن قدرة طهران على رصد جميع التحركات العسكرية وغير العسكرية على الأرض من الفضاء، لاسيما ما تقوم به القوات الأمريكية، يعني نقلة نوعية في معادلة ميزان القوى الإقليمي.

وترتبط هذه النقلة بقدرة إيران على التوجيه الفاعل للطائرات القتالية المسيرة مستقبلا، إذ إن "نور-1" يُمكّن تلك الطائرات من ضرب أي هدف دون الاعتماد على المعلومات من الأرض.

 

 

أما الرسالة الثالثة فتكمن في توقيت إطلاق القمر الاصطناعي الإيراني، والذي يحمل دلالتين، تتعلق الدلالة الأولى بتزامنه مع تعرض زوارق إيرانية لسفن البحرية الأمريكية حتى مسافات قريبة في مياه الخليج، والثانية تتعلق بعنصر المفاجأة في إطلاق "نور-1" وسط أزمة "كورونا" وتفشي الفيروس في إيران.

فعنصر التزامن يوجه رسالة إلى الولايات المتحدة مفادها أن سياسية "أقصى ضغط" وتوالي العقوبات الأمريكية لن تسفر إلا عن مزيد من تحرك طهران نحو امتلاك المزيد من وسائل القوة، وتبنيها مزيدا من التصعيد الميداني.

وهي الرسالة التي بدا من تعليق الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، عبر "تويتر"، أنه تلقاها، إذ ذكر أنه وجه القوات البحرية إلى "تدمير أي زوارق إيرانية تستفز السفن الأمريكية"، وذلك مباشرة بعد إعلان الحرس الثوري الإيراني أنه أطلق أول قمر صناعي عسكري إلى مداره.

ويعني عنصر المفاجأة في إطلاق القمر الإيراني أن مسار التكنولوجيا الاستراتيجية في إيران يأخذ منحى منفصلا عن الظروف المحلية أو التطورات الإقليمية والعالمية، ويشير إلى أن طهران ماضية نحو مزيد من إطلاق الأقمار وتطوير وسائل الدفاع، وهو ما عبر عنه أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني "علي شمخاني"، عبر "تويتر"، كاشفا عن "مفاجآت جديدة في الطريق"؛ لأن "الحظر أو التهديد أو الترغيب السياسي لا يمكنه إبطاء تحرك طهران نحو تكريس مصالحها الوطنية"، حسب تعبيره.

ويعني الإطلاق المفاجئ للقمر الصناعي أيضا نجاحا استخباراتيا لطهران، خاصة مع نفي الاستخبارات الجوية الأمريكية رصدها لأي نشاط صاروخي بالمنطقة قبل إطلاق "نور-1"، وفقا لما نقلته قناة الحرة عن مصدر بوزارة الدفاع الأمريكية.

لكن كيف استطاعت طهران التعتيم على إطلاقها للصاروخ؟ يجيب الباحث الإيراني في الشؤون العسكرية "مهدي بختياري" بأن الصاورخ "قاصد" تم إطلاقه في مهمته الأخيرة من على منصة "متحركة"، ما يعني أن طهران قادرة على تغيير مكان إطلاقه بشكل مستمر، واصفا ذلك بأنه "طفرة نوعية لطهران في مجال الحروب الاستخبارية"، وفقا لما أورده موقع "الجزيرة نت".

ولذا يرى السفير الأمريكي السابق "ديفد ماك" أن "كبار مسؤولي إدارة ترامب ربما أساؤوا تقدير القدرات الفنية والتكنولوجية للإيرانيين".

تأثير إقليمي

من شأن تطور قدرات إيران وتمكنها من توسيع نطاق معلوماتها الاستخباراتية الاستراتيجية أن يمنحها قيمة مضاعفة في مجال تكنولوجيا المعلومات، خاصة أن مهمة القمر الاصنطاعي العسكري الجديد هي جمع المعلومات والصور، وفقا لما أورده الموقع الإلكتروني للحرس الثوري "سباه نيوز".

وسوف ينعكس هذا التطور على توازنات القوى الدفاعية إقليميا، وهو ما عبر عنه "سلامي" بتأكيده على أن وصول القوات الجوية في الحرس الثوري إلى تكنولوجيا الفضاء يعد "ضرورة مهمة، وإنجازا استراتيجيا يمنحنا خارطة دفاعية شاملة ويوسع مساحة قدراتنا الدفاعية على شاكلة الجيوش الأقوى في العالم".

لكن الأمر قد يواجه تحديا دوليا يرتبط بقرار أصدره مجلس الأمن الدولي عام 2015، يدعو فيه طهران إلى الامتناع لمدة 8 سنوات عن العمل على تطوير صواريخ باليستية، وذلك بعد الاتفاق النووي الذي أبرمته مع 6 قوة عالمية، إذ تقوم حملة التنديد الأمريكية على ربط تكنولوجيا الأقمار الصناعية الإيرانية بقدرات تطوير الصواريخ المصممة لحمل رؤوس نووية.

وقد ألمح وزير الخارجية الأمريكي "مابك بومبيو" إلى استخدام هذه الورقة في حملة الضغط على طهران، ودخلت وزارة الخارجية الإسرائيلية على الخط لتأييده، في بيان، بدعوى أن إطلاق قمر اصطناعي عسكري "يمثل انتهاكا للقرار 2231 لمجلس الأمن الدولي حول إيران".

وبينما دعا البيان الإسرائيلي إلى فرض عقوبات إضافية على النظام الإيراني، لا يبدو أن طهران سوف تستجيب بسهولة للضغوط القسرية، ولذا تصب توقعات أغلب المراقبين باتجاه إطلاق المزيد من أقمار "عائلة نور" في المستقبل القريب.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

دونالد ترامب العقوبات الأمريكية كورونا جون بولتون الحرس الثوري مايك بومبيو

إيران: سنستهدف السفن الأمريكية إذا هددت قطعنا البحرية

وول ستريت تحذر من قمر إيران العسكري.. لماذا؟

هل تفسح تغريدة لخامنئي المجال لتقارب إيراني أمريكي؟