حرب النفط الجديدة.. كيف ستؤثر على العلاقات السعودية الأمريكية؟

الأربعاء 29 أبريل 2020 12:38 ص

"قضوا الشهر الماضي يشنون حربا ضد منتجي النفط الأمريكيين في وقت كنا ندافع فيه عنهم، وليس هكذا يعامل الأصدقاء أصدقاءهم. بصراحة لا يمكن تبرير تصرفاتهم، ولن تُنسى بسهولة"..

هكذا عبر السيناتور الأمريكي "كيفن كرامر" عن رؤية كثير من النواب الجمهوريين لموقف المملكة العربية السعودية خلال أزمة حرب أسعار النفط، التي قد تتسبب بإفلاس العديد من شركات إنتاج النفط الصخري بالولايات المتحدة، هو ما فاقم التوترات بين الكونجرس والحكومة السعودية.

وقد أصبحت هذه التوترات السعودية الأمريكية موضوعا لجدال ساخن بين مراقبي الشأن السعودي خلال الأيام الماضية، خاصة بعدما ترجم الكونجرس موقفه من السعودية إلى تحرك سياسي تمثل في توجيه 13 نائبا جمهوريا، يمثلون الولايات المنتجة للنفط، تحذيرا إلى وزير الطاقة بالمملكة، الأمير "عبدالعزيز بن سلمان"، عبر مكالمة هاتفية استمرت "ساعتين".

مثل تصرف نواب الكونجرس عامل ضغط كبير على الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، خاصة بعد تهديد الجمهوريين بـ"الانتقام" عبر الدفع باتجاه "سحب القوات الأمريكية وأنظمة باترويت الدفاعية من المملكة"، ما دفع "ترامب" لدعوة دول "أوبك" لـ"التصرف بمسؤولية"، والتهديد بفرض تعرفة جمركية على النفط القادم من السعودية.

ولما كان الجمهوريون هم الدرع الحامي للمملكة في مواجهة محاولات متعددة من النواب الديمقراطيين لمعاقبتها على مدى العامين الماضيين بسبب حرب اليمن ونتائجها الكارثية، والوحشية ضد المعارضين السعوديين، فإن ردود أفعالهم تعني أن ثمنا سياسيا باهظا ستدفعه الرياض حتما بسبب حرب النفط، الأمر الذي يثير الشكوك حول إذا ما كانت الرياض قد ربحت شيئا يذكر من هذه الحرب.

تنسيق مشترك

وقد تسببت هذه النتائج الكارثية لحرب أسعار النفط، التي دفعت الأسعار دون مستوى 20 دولارا، في ظهور العديد من نظريات المؤامرة حولها؛ ومنها ما رجحه الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات "لقاء مكي" حول كون حرب الأسعار وعملية إغراق سوق النفط جرت بـ"تنسيق مشترك بين ولي العهد السعودي والرئيس الأمريكي"، أو على الأقل برضا أمريكي، مستندا في ذلك إلى عدة أسباب، منها أن عدد العاملين بقطاع النفط الصخري في الولايات المتحدة (نحو 11 مليونا) يمثلون كتلة انتخابية مهمة معروفة تاريخيا بتأييدها للحزب الجمهوري وأن "ترامب" لم يكن ليتهاون في إيذاء مصالحها دون أسباب واضحة.

وسبق لـ"ترامب" نفسه أن صرح بأن تدخله في حرب النفط سيكون "في الوقت المناسب"، وليس فورا، وأنه كان راضيا عن انخفاض الأسعار لما يمثله من فائدة للسواد الأعظم من مستهلكي الوقود الأمريكيين، وقد عبر عن ذلك صراحة في أكثر من تغريدة نشرها على "تويتر".

ويشير "مكي"، في هذا الصدد أيضا، إلى سوابق التنسيق التاريخية بين الرياض وواشنطن في مجال السياسة النفطية، لافتا إلى أن الأمريكيين هم من أسسوا شركة "أرامكو"، وأن واشنطن لا تزال تتمتع بنفوذ على صناعة النفط السعودي حتى اليوم.

بالإضافة إلى ذلك، فإن ما يجري الآن في حرب النفط يصب في صالح هدف الولايات المتحدة الكبير للقضاء على دور منظمة "أوبك" التاريخي كمنسق وضابط لسوق النفط العالمي، بعدما حولت حرب الأسعار أسواق النفط من "سوق بائعين" إلى "سوق مشترين"، وهو عين ما يريده "ترامب"، الذي صرح أكثر من مرة بأنه لا يطيق دور المنظمة ويراها "محتكرا" ينبغي زواله من الوجود.

ومن شأن الوضع الحالي ألا يدمر جميع شركات النفط الصخري الأمريكية، ولكنه سيؤثر على الشركات الصغيرة فقط حسبما يرى "مكي"، ومن غير المرجح أن يتسبب ذلك في أضرار دائمة لصناعة النفط الصخري، وجل ما سيفعله أنه سيسهل عملية بيع الشركات الصغيرة إلى الشركات الكبرى عبر عمليات دمج، وهو ما ينسجم مع رؤية "ترامب" الاقتصادية وعلاقاته الشخصية من كبار منتجي النفط الأمريكيين.

وفي هذا السيناريو، يبدو أن الرياض تضع جميع بيضها في سلة "ترامب" وتخاطر بذلك بفقدان الدعم المؤسسي من الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء، وهي سياسة قصيرة النظر للغاية من المؤكد أنها ستأتي بنتائج عكسية في اللحظة التي سيرحل فيها "ترامب" عن البيت الأبيض سواء حدث ذلك نهاية العام الحالي أو بعد 4 سنوات.

استهداف استراتيجي

لكن في المقابل، يرى المتخصص في شؤون الشرق الأوسط "جيمس دورسي"، أن السعودية استهدفت تدمير صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة فعلا باعتبار ذلك مصلحة استراتيجة لها على المدى البعيد سوف تفرغ لها مساحة كبيرة في السوق تعوضها عن أي خسائر راهنة، وفقا لما أورده موقع "مودرن دبلوماسي" الأمريكي.

وبحسب تحليل "دورسي" فإن "بن سلمان" يواصل متابعة أجندة بلاده لتقويض صناعة النفط الأمريكية بغض النظر عن مخاوف الولايات المتحدة، ودون مراعاة أن العالم يمر بانتكاسة اقتصادية هائلة نتيجة وباء "كورونا"، مشيرا إلى أن السعودية تحتاج إلى تأمين حصتها في السوق عبر الاستفادة من تكاليف الإنتاج المنخفضة، في ظل انهيار الطلب وانخفاض الأسعار والركود الاقتصادي العالمي، وهي عوامل تجعل الصراع حول الحصة السوقية أهم من الحفاظ على الأسعار.

لكن يبدو أن سياسة السعودية جاءت بنتائج عكسية سريعة، حيث لم تكن تتوقع المملكة أن تنخفض الأسعار إلى المستوى الذي يستدعي رد فعل سياسي من الولايات المتحدة، خاصة تحت حكم "ترامب" الذي يفضل مستويات أسعار منخفضة، إلى الدرجة التي تهدد فيها واشنطن بفرض تعريفات على النفط الأمريكي، وربما فرض عقوبات على السعودية و"أوبك".

تهور غير محسوب

في ضوء ذلك، يبدو السيناريو الأبسط والأكثر ترجيحا ببساطة هو أن حرب النفط السعودية كانت أحد السلوكيات المتهورة وغير المحسوبة لولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" الذي عود العالم منه على مثل هذه التصرفات.

بمجرد أن رفضت روسيا اقتراح السعودية بإجراء تخفيضات إضافية على الإنتاج، شنت المملكة حربا انتقامية ضد موسكو بهدف إجبارها على العودة إلى طاولة التفاوض وإثبات اليد العليا للرياض، لكن هذه الحرب تزامنت مع ركود كبير في الطلب بسبب تداعيات فيروس "كورونا"، وهو ما تسبب في خروج الأسعار عن السيطرة، ووضع المملكة في مواجهة واشنطن.

ووفق هذا التقدير، يرى المحلل السياسي "ديفيد جاردنر"، أن ولي العهد السعودي قامر برأسماله السياسي في واشنطن عندما قرر إغراق سوق النفط العالمية، وفقا لمقال نشره بصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.

ويشير "جاردنر" إلى أن احتمال فشل اتفاقية خفض الإنتاج الجديدة في إعادة الأسعار إلى مستوى مقبول أمريكيا يعني أن السعودية ستتحمل مسؤولية خسارة الوظائف في قطاع الطاقة الأمريكي بالفترة المقبلة.

ويخلص المقال إلى أن قرار "بن سلمان" بشن حرب أسعار النفط كان تقديرا خاطئا وقصير النظر "سيدمر سمعته بشكل لا يمكن إصلاحه في ضوء علاقته المتوترة أصلا مع أصدقاء السعودية التقليديين في الولايات المتحدة".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

دونالد ترامب محمد بن سلمان حرب النفط عبدالعزيز بن سلمان

النفط يواصل خسائره مع تقلص طاقة التخزين العالمية وتراجع الطلب

التحديات الجيوسياسية للسعودية أخطر من الأزمات الصحية والاقتصادية

بلومبرج: بن سلمان أمير تابع تحت رحمة ترامب

سيناتور يطالب ترامب بسحب الباتريوت من السعودية

معركة السوق تستعر في حلبة عمالقة النفط

النفط وكورونا والداخل يضعون رؤية بن سلمان على رمال متحركة

أويل برايس: السعودية قد تفلس خلال 3 أو 4 سنوات

لماذا تواجه العلاقات السعودية الأمريكية أزمة غير مسبوقة؟