هل ينجح حمدوك في وقف الانهيار الاقتصادي قبل فوات الأوان؟

السبت 2 مايو 2020 03:00 م

كانت أجواء الخرطوم مفعمة بالتفاؤل عندما أقسم "عبدالله حمدوك" اليمين رئيسا للوزراء في السودان، في أغسطس/آب 2019. لكن، لم يعد هذا هو الحال في العاصمة السودانية، التي واجهت نقصا منتظما في النفط والغذاء منذ شهور.

والآن، يزداد الوضع الاقتصادي المتدهور سوءا، وهو الأمر الذي ساهم في سقوط نظام "عمر البشير". وما لم تكن هناك إصلاحات جدية، فسيصبح الفشل الاقتصادي تحديا للتحول الحكومي الحالي أيضا.

وباعتباره خبيرا في التنمية الاقتصادية، يعد "حمدوك" الأنسب لتزويد السودان بالتدابير الاقتصادية التي كانت ضرورية للغاية لوقف التدهور الاقتصادي.

وكانت الخطوة الأولى التي اتخذها هي تعيين الخبير الاقتصادي بالبنك الدولي "إبراهيم البدوي" وزيرا للمالية.

وأثارت الخطوة في حينها غضب المعارضين اليساريين في "قوى إعلان الحرية والتغيير"، وهو تحالف مدني قاد الاحتجاج ضد النظام السابق.

وكانت خطة "البدوي" واضحة منذ الأيام الأولى للثورة، عندما حدد رؤيته لإصلاح الاقتصاد السوداني من خلال رفع الدعم الشامل على الفور لإنعاش الاقتصاد.

وواجه "حمدوك" معارضة شديدة من الحزب الشيوعي السوداني وحزب البعث عندما تم تعيين "البدوي" وزيرا للمالية في سبتمبر/أيلول الماضي.

وأبدى معارضو "البدوي" موقفهم بوضوح عندما رفضوا اقتراح ميزانية الحكومة لعام 2020 الذي وافق عليه مجلس الوزراء في 27 ديسمبر/كانون الأول 2019.

ولاحقا، اتفقت الحكومة وقوى الحرية والتغيير على ميزانية مؤقتة لمدة 3 أشهر فقط، فيما دعت الحكومة إلى مؤتمر اقتصادي لتجاوز المأزق السياسي خلال 6 أشهر.

ولسوء الحظ، أدت جائحة "كورونا" إلى توقف هذه الخطط، وليس لدى الحكومة ميزانية لمدة عام حتى يومنا هذا.

علاوة على ذلك، كانت الحكومة تعتمد أيضا على أصدقاء السودان، وهي مجموعة من الدول الغربية والإقليمية الملتزمة بمساعدة السودان عبر تقديم القروض والمنح لتمويل التزامات البلاد.

ومع ذلك، يبدو من غير المرجح التئام مؤتمر المانحين الذي من المقرر عقده في يونيو/حزيران المقبل، في ضوء الاضطراب العالمي للوباء.

وفي 6 مارس/آذار، أعلن "حمدوك" تشكيل لجنة اقتصادية عليا جديدة يرأسها لمعالجة الأوضاع المتدهورة في البلاد.

وتتألف اللجنة من أعضاء المجلس السيادي، ووزراء الحكومة. وتم تعيين "محمد حمدان دقلو" (حميدتي)، نائب رئيس المجلس السيادي وزعيم قوات الدعم السريع المثير للجدل، عضوا في اللجنة، الأمر الذي أثار بعض الانتقادات.

وبعد ذلك بيومين، استقال "حميدتي" من اللجنة، لكن المواجهة بين اللجنة الاقتصادية و"البدوي" استمرت في وقف أي تقدم.

وفي 31 مارس/آذار، أطلق "البدوي" حملة إعلامية لرفع مستوى الوعي حول مساوئ دعم السلع وخطط الحكومة لمعالجة هذه التشوهات.

ومرة أخرى، أدى "حميدتي" اليمين كرئيس للجنة الاقتصادية، وأصبح "حمدوك" نائبا لرئيس اللجنة بعد شهر. وسلط هذا الإجراء الضوء على محاولة "حمدوك" زيادة مساهمة ونفوذ المؤسسة العسكرية في الفترة الانتقالية.

وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخرا أن الحكومة المدنية تواصلت مع "حميدتي" لمنع انقلاب إسلامي وشيك. وتأتي هذه التكهنات وسط تراجع الدعم الشعبي لقوى الحرية والتغيير؛ بسبب فشلها في معالجة التدهور الاقتصادي للبلاد وإنهاء الحروب الإقليمية عبر تحقيق اتفاقية سلام شاملة.

نتيجة لذلك؛ أطلق "حمدوك" حملة "القومة للسودان"، وهي حملة تمويل جماعي تهدف إلى استعادة الدعم الشعبي لحكومته.

ومع ذلك، لم يتضح كيف كانت الحكومة تخطط لاستخدام هذه الأموال حتى أعلنت عن 3 أهداف رئيسية بعد ذلك بأيام؛ الأول هو تحسين إمدادات الكهرباء، والثاني توفير الأدوية المنقذة للحياة، والأخير إعداد البنية التحتية السودانية لموسم الأمطار.

وإضافة إلى القضايا السياسية والاقتصادية وتعقيداتها، أغلقت الحكومة مطار الخرطوم الدولي في 16 مارس/آذار، وأمرت بإغلاق كامل لمحاربة انتشار "كورونا".

وتزايد عدد الإصابات بسرعة، ليصل إلى 533، منها 36 وفاةـ في 2 مايو/أيار. ومع ذلك، يتحدى الناس أوامر الحكومة بالبقاء في المنزل؛ لاضطرارهم للنزول إلى الشارع من أجل الحصول على الغذاء والغاز.

ولا يستطيع معظم السودانيين البقاء في المنزل لمدة 21 يوما؛ لأنهم يعتمدون على الوظائف اليومية.

ومثل العديد من البلدان الأفريقية، قد يكون لضعف التباعد الاجتماعي عواقب وخيمة على المجتمعات الفقيرة في السودان، بالنظر إلى نقاط الضعف المؤسسية للرعاية الصحية ونقص المساعدة المالية المباشرة.

وتفتقر العديد من المناطق في السودان لإمدادات المياه المنتظمة، وتعاني من أمراض النظافة مثل الكوليرا. وستفاقم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الاستياء المتزايد من قبل الناس الذين يعانون في صراع دائم لتأمين الغذاء والوقود.

ورغم  أن الفترة الانتقالية في السودان مثقلة بالتدهور الاقتصادي طويل الأمد، فإن هناك بعض الفرص التي لا ينبغي على السودان تفويتها.

ولم يتم استغلال الإمكانات الزراعية الهائلة في السودان حتى الآن. وتسبب الوباء في تعطيل الأسواق في جميع أنحاء العالم.

وقبل بضعة أيام، تم تصدير 40 طنا من البصل السوداني إلى الكويت؛ بسبب زيادة الطلب على هذه المنتج في جميع أنحاء العالم.

ومع ذلك، يتطلب اغتنام هذه الفرص من السياسيين وضع تفضيلاتهم الأيديولوجية جانبا والتفكير بشكل عملي في إنعاش الاقتصاد.

ومن المخيب للآمال أن "حكومة الثورة" لا تستطيع الموافقة على ميزانية مالية، بالنظر إلى كل الآمال التي وضعها الشعب السوداني عليها.

وتحتاج حكومة "حمدوك" إلى إنتاج رؤية توافقية شاملة لإعادة بناء اقتصاد السودان قبل فوات أوان الإصلاح.

المصدر | ياسر زيدان/إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

قوى الحرية والتغيير الحكومة السودانية عبدالله حمدوك حميدتي

رئيس مجلس السيادة السوداني: تنظيمات سياسية تخطط لانقلاب

حمدوك: مستعدون للتعاون مع الجنائية الدولية لمثول متهمي نظام البشير