التجارة البريطانية ومستقبل شراكة المملكة المتحدة مع البحرين

الاثنين 17 أغسطس 2015 08:08 ص

نشرت وزارة الخارجية والكومنولث البريطانية مؤخرا تقريرها الخاص بما تتعرض له أعمالها التجارية الخارجية بسبب البحرين. وبتحليل فرص الأعمال البريطانية في المملكة، خلص التقرير إلى أن «البحرين شريك مهم وقاعدة للشركات البريطانية في الخليج نظرا لموقعها كمركز تجاري رئيسي في المنطقة».

وأضاف أن عوامل مثل النمو الاقتصادي القوي، والإصلاحات السياسية الإيجابية والاقتصاد المتنوع على نحو متزايد هي «أساسيات جيدة» لثقة المستثمرين.

ولكن مع استمرار الاضطرابات السياسية، وهبوط أسعار النفط، وزيادة الدين الحكومي والممارسات التجارية غير الأخلاقية، فهل دخلت الشركات البريطانية بؤرة الخطر في البحرين؟

إن حالة عدم الاستقرار السياسي سوف تستمر لسنوات.

إن النظرة السياسية العامة التي قدمتها وزارة الخارجية إيجابية للغاية. وكانت هناك مناقشات وجدال حول كون انتخابات عام 2014 «شفافة»، وعبر التقرير عن خيبة أمله إزاء رفض أحزاب المعارضة للمشاركة فيها.

وعلى الرغم من ذلك؛ فإن مثل هذه التصريحات تدور في تناقض تام مع وجهات نظر المراقبين المستقلين، فها هو «فريدوم هاوس»، مركز الأبحاث الذي يتخذ من واشنطن مقرًا له ومعروف بعلاقته مع وزارة الخارجية الأمريكية، قد وضع البحرين على قائمة الدول «غير النزيهة»، كما صنّف الحقوق السياسية للبلاد عند أدنى تصنيف ممكن.

وحتى داخل وستمنستر؛ فإن لجنة  الشؤون الخارجية طالبت باستمرار وزارة الخارجية بأن لا تغض الطرف وتصنف البحرين على أنه «بلد محل قلق»، على اعتبار أنه يوجد أدلة على أي إصلاح سياسي أو ضمانات لحقوق الإنسان في البلاد. وفي نهاية الأمر تم وصف عدم استعداد وزارة الخارجية للقيام بذلك على أنه قرار «ذا صبغة سياسية».

وبالحديث إلى الانتخابات؛ فإن «فريدوم هاوس» لم تتحدث فقط عن ما اسمته بــ «العيوب الخطيرة»، والتي شملت التلاعب الانتخابي، الذي أخرج الانتخابات خارج إطار النزاهة والشفافية، ولكنها أشارت إلى حقيقة أن جميع زعماء المعارضة الرئيسيين ما زالوا يقبعون داخل السجن.

ويقلل تقرير وزارة الخارجية أيضا بشكل واسع من الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية، والتي خرجت إلى الشوارع في عام 2011، واصفا إياها بمجرد «السخط والاضطرابات داخل أجزاء من الطائفة الشيعية». إن عدم حيادية هذا التقرير ونقله الصورة الكاملة، كان بمثابة فشل في الاعتراف بالمظالم التي يتعرض لها السكان السنة والشيعة على حد سواء من البحرينيين.

إعادة اعتقال العلماني المعارض السني «إبراهيم شريف» يسلط الضوء على مغالطة موقف وزارة الخارجية ، ومع ذلك؛ فإنه رغم أن حكومة الولايات المتحدة قد أدانت عملية الاعتقال، إلا إن وزارة الخارجية اختارت الحفاظ على الصمت.

ومنذ فبراير/شباط 2011؛ عندما اندلعت احتجاجات في العاصمة المنامة، قتل ما لا يقل عن 130 شخص، واعتقل تعسفيا أكثر من 3500، كما جُرّد ما لا يقل عن 180 من جنسيتهم من قبل السلطات البحرينية، وبدلا من الاعتراف بتدهور الأوضاع في البحرين، فقد وصفت الحكومة البريطانية المنامة بأنها «تسير في الاتجاه الصحيح»، وتمت الإشادة بإنشاء اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق كمثال رئيسي للإصلاح الإيجابي في البلاد.

وأشارت وزارة الخارجية أيضا إلى أن السلطات البحرينية نفذت «العديد» من التوصيات الـ26 الخاصة بالإصلاح، والتي أعلنتها لجنة تقصي الحقائق.

وما زال هذا الاستنتاج يظهر في تناقض تام مع البيان الصادر عن رئيس مجلس إدارة لجنة تقصي الحقائق الخاصة، والذي وصف تنفيذ الحكومة للتوصيات بأنها «مجزأة» والنهج العام بأنه مجرد «تحايل وتلميع صورة». فمع التعذيب المنهجي والاعتقال التعسفي والاختفاء المستمر، توقعت «ذي إيكونوميست» أن المشهد السياسي «سوف يظل يعاني حالة من عدم الاستقرار» على الأقل خلال السنوات الأربع القادمة حتى عام 2019.

وليس فقط يوجد في الجعبة مقتل 50 شخصا على يد القوات الحكومية منذ نشر تقرير لجنة تقصي الحقائق في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، ولكن هناك أيضا قوانين جديدة تجرم المظاهرات السياسية والمواطنين تصل إلى سبع سنوات سجن بتهمة «إهانة الملك». وتعرض المدافعون عن حقوق الإنسان الرئيسية، بما في ذلك عبد «الهادي الخواجة» و«عبد الجليل السنكيس»، إلى الاعتقال التعسفي والتعذيب.

وكانت أوضاع السجون، وسوء المعاملة ضد المعتقلين موضوع تدقيق شديد من المنظمات غير الحكومية الدولية، ولكن على الرغم من توصيات لجنة تقصي الحقائق، لم يتم تقديم أي مسؤول حكومي لتورطه في التعذيب.

نفاد طاقة البحرين

وعلى الرغم من وضوح الاضطرابات السياسية، فقد وُصفت البحرين من قبل وزارة الخارجية بأنها «مكان جيد للقيام بأعمال تجارية»، بناءً على حساب معدلات نموها المطرد والمتحرر، وملائمتها اقتصاديا لأنواع الأعمال التجارية المختلفة. ومن حيث النمو الكلي والناتج المحلي الإجمالي؛ يدعي التقرير أن الاقتصاد نما بشكل مستمر ومتوازن على مدى السنوات الخمس الماضية، ويشير إلى أن التوقعات كانت «إيجابية إلى حد كبير». ومع ذلك؛ فإنه على الرغم من كون الاقتصاد البحريني الأكثر تنوعا في دول مجلس التعاون الخليجي الست، إلا إنه ما زال يعتمد باطراد على النفط، ما يؤدي بدوره إلى التأثير على النمو والربحية التجارية.

وفي الوقت الذي تنمو فيه القطاعات غير النفطية في البحرين، فإن قطاع النفط والغاز لا يزال يشكل نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي، ووجد صندوق النقد الدولي «تقدم محدود نحو التنويع». ومع تراجع أسعار النفط بنسبة 45% بين عامي 2014 و 2015، فإن نمو اقتصاد البحرين يتباطأ بشكل ملحوظ.

ونتيجة لذلك، فقد ارتفع سعر التعادل للبحرين على النفط إلى 125 دولار للبرميل. وفقا للكلية لندن للاقتصاد، فإن نقطة التعادل تقع الآن أعلى من أسعار النفط الحالية لمملكة البحرين، ما يؤدي إلى الحالة التي سوف تكون فيها في نهاية المطاف؛ ألا وهي «نفاد الطاقة» في البلاد.

وقد دفعت هذه النظرة السلبية بوكالة موديز إلى خفض التصنيف الائتماني للبحرين من «بي إيه إيه 2» إلى «بي إيه إيه 3».

ولا يقتصر الأمر على تقلبات السوق فما يخص الصناعات المختلفة في البحرين، ولكن القوة المالية للحكومة ترتبط بقيمة النفط. وعادة ما يمكن للحكومات أن تزيد الإنفاق لتحفيز الاقتصاد والحماية ضد التباطؤ. ومع ذلك؛ فإنه في حالة البحرين، كانت الاحتياطيات الحكومية في عجز مستمر منذ عام 2009، حيث بلغ متوسط العجز 4% من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي الوقت الذي تُعد فيه احتياطيات النفط هي أكبر مساهم في مالية الحكومة بحوالي 90%، فإن المرونة المالية محدودة إلى حد كبير.

ونتيجة لذلك، فإن الآفاق المستقبلية للمملكة قاتمة، وتوقعت وكالة موديز في إبريل/نيسان أن الزيادة السريعة في المملكة في الإنفاق سوف تؤدي إلى أعباء دين حكومي بزيادة أكثر من 70% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية عام 2016.

التمييز المؤسساتي

ويتضمن التقرير الصادر عن وزارة الخارجية قسما عن «الأعمال التجارية وحقوق الإنسان»، وهو مضلل للغاية في وصفه قانون العمل البحريني لعام 2012 بأنه «مطابق على نحو أوثق بكثير للمعايير الدولية» في «منح الموظفين مزيد من الحقوق إلى حد كبير».

ووجد تقرير هيومان رايتس ووتش أنه ليس فقط هو القانون الذي يُطبق بصورة سيئة في الممارسة العملية، بل فشل أيضا في «التصدي للممارسات التعسفية الأكثر شيوعا فيما يخص ساعات العمل المفرطة» للعمال المهاجرين.

وعلاوة على ذلك؛ يشير إلى وجود «حكم أكبر لقواعد مكافحة التمييز» يشير تماما إلى أن البحرينيين الشيعة لا يزالون يشغلون «أقل من 18% من مجموع المناصب العليا في المؤسسات الحكومية»، وفقا لمركز البحرين لحقوق الإنسان، وأن فرص العمل في قوات الشرطة والقوات المسلحة مفتوحة فقط للبحرينيين السنة.

هذا التمييز المؤسسي في البحرين يحتاج إلى الاعتراف من قبل وزارة الخارجية، لأنه يؤدي إلى تفاقم التوترات الطائفية بشكل ملحوظ.

وتقرير وزارة الخارجية هو أيضا غير محق في القول إن «القانون يشمل كل شخص يعمل بشكل قانوني». وكما هو مبين بوضوح في المادة الثانية: «لا يجوز لأحكام هذا القانون أن تنطبق على الموظفين والأشخاص المحليين المعتبرين على هذا النحو، بما في ذلك العمال الزراعيين وأمن المنازل والمربيات والسائقين والطباخين».

ويشكل العمال المهاجرون نحو 77% من القوى العاملة، الكثير منهم في عمل مؤقت ضعيف للغاية، لا يمتلكون مهارات، ويحصلون على أجور متدنية، ويعملون لساعات طويلة، وظروف العمل القاسية.

وفي الوقت الذي يعتمد فيه العمال المهاجرون على صاحب العمل فيما يتعلق بالوضع القانوني والكفالة، فإنه غالبا ما تتم مصادرة جوازات السفر، وتوضع العقبات أمام حرية التنقل. كما يمكن حجب الأجور، وتجد النساء العاملات في المنازل أنفسهن «عرضة للإيذاء النفسي والجسدي والجنسي».

الشركات البريطانية في خطر

إن تقرير وزارة الخارجية البريطانية بشأن المخاطر التي تتعرض لها الأعمال في البحرين مضلل في أحسن الأحوال، وفي أسوأ الأحوال غير صحيحة تماما وخالية من أي أدلة دقيقة. وتصور النظرة العامة السياسية على البحرين المملكة بأنها ديمقراطية ومستقرة وعلى طريق الإصلاح، وتعزو الاضطرابات الأخيرة إلى أقلية صغيرة من المتطرفين الشيعة.

هذه الرواية خطيرة.

وفي ظل اختيار وضع مصالح العلاقات الحكومية في المملكة المتحدة البحرين فوق بواعث القلق المتعلقة بحقوق الإنسان، مثل الاستخدام المنهجي للتعذيب وارتفاع في العنف، فإن وزارة الخارجية تضع الشركات البريطانية على محك المخاطر.

وحتى ما يخص الاقتصاد البحريني، فإن تقرير مكتب المساءلة عن الموازنة  إيجابيا بشكل مفرط وغير ملائم في تناوله المخاطر التي تتعرض لها الشركات البريطانية في المملكة، من خلال التركيز على معدلات النمو الماضية بدلا من عمليات خفض الائتمان الأخيرة والتوقعات الاقتصادية السلبية.

وربما ما يدعو لقلق بشكل بالغ هو ما تقوم به وزارة الخارجية بتقديم غير دقيق لقوانين العمل الأخيرة على أنها مناهضة للعنصرية وشاملة. وإذا كان كبار رجال الأعمال يريدون تقييم المخاطر المحتملة للاستثمار في البحرين، فإنهم بالتالي بحاجة إلى النظر خارج تقرير مكتب المساءلة عن الموازنة للعثور على تقارير موثوقة ودقيقة ومحايدة.

ما يحدث في الوقت الراهن هو أن الشركات البريطانية تعرض نفسها لمخاطر سياسية واقتصادية كبيرة إذا كان لها أن تختار الاستثمار في البحرين.

  كلمات مفتاحية

البحرين جمعية الوفاق مظاهرات شعبية نبيل رجب علي سلمان

«ناشيونال إنترست»: البحرين تتجه نحو الهاوية

البحرين توجه الخطباء لـ"تحريم الأعمال الإرهابية" .. والنيابة تحقق مع رئيس شورى جمعية الوفاق

بريطانيا تخطط لإنشاء قواعد عسكرية في الإمارات والبحرين وعُمان

"العدل" البحرينية ترفع دعوى قضائية لوقف نشاط جمعية الوفاق

29 منظمة بريطانية تطالب المملكة المتحدة باعتبار البحرين «بلد مثير للقلق»

اسـتقــلال البحــرين .. المـنـسـي!

الشراكة الناضجة بين البحرين ورابطة دول جنوب شرق آسيا

تراجع عجز الميزان التجاري في البحرين بـ32%