مصر والجزائر.. صراع سياسي مكتوم على جبهات متعددة

الأربعاء 6 مايو 2020 05:03 م

منذ تولي الرئيس الجزائري "عبدالمجيد تبون" مقاليد الحكم في البلاد، ديسمبر/كانون الأول الماضي، تشهد الدبلوماسية الجزائرية نشاطا على جبهات عدة، ولكن هذا النشاط الجزائري يبدو أنه لا يروق بشدة لصناع القرار في مصر.

وعلى الرغم من تسلم "تبون" دعوة رسمية لزيارة القاهرة، وأخرى شفهية من نظيره المصري "عبدالفتاح السيسي"، خلال مؤتمر برلين، يناير/كانون الثاني الماضي، فإن الرئيس الثامن للجزائر، لم يبد تجاوبا إلى الآن.

وتشهد العلاقات المصرية الجزائرية، توترا مكتوما، يصعد أحيانا إلى العلن، يتعلق بملفات عدة، على رأسها الأزمة الليبية، والقمة العربية المقبلة، والحصار المفروض على قطر.

"حفتر" وطرابلس

مطلع العام الجاري، شهدت سياسة الجزائر تجاه ليبيا تحولا لافتا وصريحا، مع إعلانها صراحة أن "طرابلس خط أحمر ترجو عدم تجاوزه"، في رفض صريح للحملة التي يشنها الجنرال الليبي "خليفة حفتر"؛ منذ أبريل/نيسان الماضي؛ للاستيلاء على طرابلس، بدعم من مصر والإمارات والسعودية.

ولم يتوقف رد الفعل الجزائري عند ذلك، بل أعلن "تبون" في خطاب تنصيبه، إن بلاده "لن تقبل بإقصائها من الحلول المقترحة لتسوية الأزمة في ليبيا"، وهو ما جعل من الجزائر لاعبا جديدا ومؤثرا في الملف الليبي، على غير هوى القاهرة.

وتشعر الجزائر باستياء تجاه ما تعتبره محاولات مصرية للانفراد بالقرار في ليبيا، وتجاهل دورها في ترتيبات الحل السياسي للأزمة، وهو ما بدا جليا في إحيائها لآلية "دول الجوار" الليبي واستضافتها أول اجتماع إقليمي ضم وزراء خارجية تونس ومصر وتشاد ومالي والسودان والنيجر، في يناير/كانون الثاني الماضي.

وخلال زيارة "تبون" للرياض، فبراير/شباط الماضي، رفع الرئيس الجزائري سقف مطالبه، مطالبا الملك "سلمان بن عبدالعزيز"، بضرورة تنسيق السعودية والإمارات لسياساتهما في ليبيا مباشرة مع بلاده دون وسيط.

وعلى مدار الشهور القليلة الماضية، شهدت الجزائر، حركية دبلوماسية حثيثة، جعلت منها وجهة لوزراء خارجية السعودية والإمارات ومصر وتركيا وألمانيا وإيطاليا، بخلاف استضافتها أيضا للرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، ورئيس حكومة "الوفاق" الليبية المعترف بها دوليا "فايز السراج". 

وتقر الجزائر بشرعية حكومة "الوفاق"، وتعلن تمسكها بالبحث عن حل سياسي للأزمة، وسط إدراك جدي بأن سقوط طرابلس يعد خطرا على أمنها القومي، وقد يتسبب في موجة نزوح باتجاه أراضيها، وحرب قرب حدودها مع ليبيا (تمتد عبر ألف كيلو متر).

ولا شك أن تحريك الجزائر لأوراقها في ليبيا، أضعف من قوة المحور المصري الإماراتي، الذي تتعارض مصالحه مع بوصلة البلد العربي العائد إلى الساحة الإقليمية مؤخرا بثقل كبير.

القمة العربية

وتعد القمة العربية المقبلة، المقرر أن تستضيفها الجزائر، ساحة تنافس مكتوم بين البلدين، مع سعي الدولة المضيفة لتحقيق مكاسب سياسية.

ومن المقرر أن تحدد الجزائر، بتنسيق مع الجامعة، الموعد الجديد للقمة التي كانت مقررة مارس/آذار الماضي، وتقرر تأجيلها نتيجة تداعيات فيروس "كورونا".

ويبرز منصب أمين عام جامعة الدول العربية على رأس قائمة أسباب التوتر المصري الجزائري، لاسيما في ظل إصرار الجزائر على تبني مقترح يقضي بتدوير المنصب بين الدول الأعضاء.

وترفض الجزائر قصر منصب الأمين العام على دولة المقر فقط (مصر)،وتطالب كذلك بإعادة تدوير جميع مناصب الجامعة واتباع نظام الكوتة (المحاصصة).

كذلك تبدي الدبلوماسية الجزائرية تحفظات على أجندة القمة، وتطمح إلى فرض منظورها بشأن قضايا رئيسة، منها القضية الفلسطينية، وترتيبات "صفقة القرن"، والأزمة الليبية، وإعادة تفعيل عضوية سوريا في الجامعة.

ويرى مراقبون، أن قرار إرجاء القمة العربية "الدورية" منح "تبون" المزيد من الوقت لإعادة إحياء الدبلوماسية الجزائرية، واستعادة مكانة بلاده عربيا وإفريقيا.

حصار قطر

ويعد الحصار الرباعي المفروض على قطر، من قبل السعودية، والإمارات والبحرين ومصر أحد الملفات التي تثير الخلاف بين القاهرة والجزائر.

وربما تعد دعوة "تبون" لأمير قطر "تميم بن حمد"، إلى زيارة الجزائر، فبراير/شباط الماضي، مؤشرا على تزايد حجم التضامن والدعم الجزائري للدوحة، في مواجهة الحصار الذي يوشك أن يكمل عامه الثالث على التوالي.

ومنذ اندلاع الأزمة الخليجية في 5 يونيو/حزيران 2017، دأبت الجزائر على دعوة أطراف الخلاف إلى الحوار واحترام مبادئ حسن الجوار، محذرة من انعكاسات الأزمة على وحدة وتضامن العالم العربي.

ولا شك أن اختيار "تبون" الرياض، كمحطة أولى له عقب انتخابه رئيسا، كان محملا بآمال في تذويب الخلاف الخليجي، وتهيئة الأمور لإنجاز مصالحة خليجية، خلال القمة التي تستضيفها بلاده العام الجاري.

وربما يتطلع "تبون" الذي التقى أمير قطر وملك السعودية خلال أسبوع واحد أن يلعب دور الوساطة بين الدوحة والرياض، ضمن مساعيه لإنجاح قمة الجزائر، وهي توجهات قد لا ترضي المزاج المصري المتشدد تجاه قطر.

أسباب أخرى

يفاقم من تعكير صفو المزاج المصري تجاه الجزائر، اشتراط "تبون" وجودا جزائريا واضحا في جميع الاجتماعات المعنية بمختلف الملفات العربية، وهو ما شكل صدمة للقاهرة، بحسب صحيفة "الأخبار" اللبنانية.

وإضافة إلى ما سبق، تشعر القاهرة، بامتعاض تجاه التقارب الجزائري التركي، بعد إعلان البلدين عن اتفاق لرفع حجم المبادلات التجارية بينهما إلى 5 مليارات دولار، وما يمثله ذلك من تمدد لنفوذ أنقرة في شمال أفريقيا.

ويلاحظ أن هناك تناغما جزائريا تركيا يتعلق بالملف الليبي، بدا في دعم كل منهما لحكومة "الوفاق"، وتمسكهما بالدعوة إلى وقف إطلاق النار والسماح بعودة الحوار السياسي، وهي أجندة تطيح بأحلام القاهرة وأبوظبي في تنصيب "حفتر" رئيسا للبلاد.

كذلك ترى دوائر الحكم في الجزائر، أن الأجندة الإماراتية في ليبيا وتونس، والتي تحظى بدعم مصري، تضر بأمنها القومي، وأن الإمارات ليست دولة جوار، حتى يسمح لها بالتدخل في الشأنين التونسي والليبي بما يضر بمصالح دول الجوار.

خلاصة الأمر، فإن "تبون" الباحث عن صياغة جديدة لدور بلاده عربيا وإقليميا، يبدي رفضا وتحفظا على انفراد مصر بالقرار في عدد من الملفات الحساسة، ويرغب في مراجعة العديد من القرارات واستعادة الحضور في العديد من القضايا التي اضطرت بلاده للغياب عنها بسبب انشغالها في مرحلة الانتقال السياسي.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مسودة دستور الجزائر.. هل تمنح الحكومة رخصة للتدخل عسكريا في ليبيا؟

لماذا تسعى الجزائر للتخلي عن مبدأ عدم التدخل العسكري؟

السيسي وتبون.. 4 خلافات تعكر صفو العلاقات بين مصر والجزائر